عام الأوبئة.. من كورونا إلى غزوة الجراد في أفريقيا

الدول المتضررة تحتاج إلى 76 مليون دولار للقضاء على آفة تأتي على الأخضر واليابس.
الأربعاء 2020/02/12
الأمن الغذائي بالقارة السمراء في خطر

تتواصل المعاناة في شرقي أفريقيا بعدما اتسعت رقعة انتشار الجراد الصحراوي لتصل إلى أوغندا وتنزانيا بعد كينيا وأثيوبيا والصومال، ما دفع بالمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة إلى مطالبة المجتمع الدولي بالتجنّد لمساعدة هذه الدول وإخراجها من أزمات إنسانية جديدة ستزيد في مضاعفة مشاكلها خصوصا أن البلدان المذكورة تعيش على وقع أخطار أخرى في مقدّمتها تغلغل الجماعات الجهادية المهددة لأمنها واستقرارها.

كامبالا - لم تقتصر التحولات التي يشهدها العالم منذ مطلع العام 2020 على تطورات السياسة وما رافقها من صراعات وتوترات في العديد من المناطق وتحديدا في الشرق الأوسط أو في أفريقياّ، بل شملت أيضا تغيرات أخرى باتت تهدد فعليا مستقبل العالم خاصة بعد تفشي فايروس كورونا وأخيرا غزو الجراد لشرق أفريقيا.

ركّز العالم منذ أواخر شهر ديسمبر 2019 على تفشي فايروس كورونا وانتقال عدواه من الصين إلى دول كثيرة في مختلف القارات، ليتحوّل بعد ذلك الجدل الإعلامي إلى الحديث عن الصدمة الكبيرة في شرق أفريقيا بعدما غزا الجراد الصحراوي دولا كثيرة منها أوغندا وتنزانيا وأثيوبيا وكينيا.

وزاد الهلع من أن يصبح العالم محاصرا بالأوبئة، بعدما اتسعت رقعة انتشار الجراد الصحراوي في بلدان شرقي أفريقيا، ما دفع بالمنظمات الدولية المعنية بالصحة وبحقوق الإنسان لإطلاق نداءات استغاثة لتخليص شرقي القارة من أزمة إنسانية جديدة قد تزيد في تعميق مشاكلها الأمنية والصحية.

إن الجراد الذي يقطع مسافة 150 كيلومترا يومياً، ولّد حالة من القلق والذعر لدى سكان البلدان المذكورة، وذلك نظراً للأضرار التي تتسبّب بها في المحصولات الزراعية.

ورغم أن حكومات البلدان التي وصلت إليها أسراب الجراد الصحراوي أعلنت عن خطط تدخل طارئة لحل الأزمة إلا أنها مازالت متمادية ويصعب تجاوزها في أقصر وقت.

وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، من مخاطر الجراد الصحراوي على أمن الغذاء، مبينة الحاجة إلى حزمة مساعدات بقيمة 70 مليون دولار لمكافحة الأزمة.

وبحسب تقارير دولية فإن ما بين 40 و80 مليونا من الجراد الصحراوي المتواجد في الكيلومتر المربع الواحد، يستهلك في اليوم الواحد من الغذاء ما يكفي 35 ألف إنسان.

وتطرقت الكثير من التقارير الدولية إلى الأخطار التي قد يسببها الجراد لدول شرق أفريقيا على جميع المستويات الاقتصادية والصحية.

وعادت “أسوشيتد برس” على الموضوع الحارق بمختلف جوانبه وتداعياته على منطقة شرق أفريقيا التي تعاني من أزمات أخرى مهددة لأمن شعوبها.

وقالت الوكالة الأميركية في تقرير لها إن أوغندا سارعت للرد على أكبر واقعة تفشّ للجراد شهدتها أجزاء من شرق أفريقيا منذ عقود، بينما حذرت الأمم المتحدة الاثنين من “أننا ببساطة لا نستطيع تحمل وقوع صدمة كبيرة أخرى” في منطقة معرضة للخطر بالفعل.

وقال بيان إن اجتماعًا طارئًا للحكومة بعد ساعات من رصد الجراد داخل أوغندا الأحد قرر نشر قوات عسكرية للمساعدة في رش المبيدات الأرضية، بينما ستصل طائرتان للرش الجوي في أسرع وقت ممكن. حيث يعتبر الرش الجوي هو الأداة الأكثر فعالية.

Thumbnail

ودمرت أسراب المليارات من الجراد المحاصيل في كينيا، التي لم تشهد مثل هذا الانتشار منذ 70 عامًا، بالإضافة إلى الصومال وإثيوبيا، اللذين لم يشهدا هذا منذ ربع قرن. ولقد استغلت الحشرات الظروف الرطبة المواتية بعد هطول أمطار غزيرة بشكل غير معتاد، ويقول الخبراء إنه من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في جلب المزيد.

وقال كيث كريسمان، كبير خبراء التنبؤ بالجراد بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إن كينيا تلقت “موجات الأسراب” منذ بداية العام من القرن الأفريقي، و”خلال عطلة نهاية الأسبوع انتقلت تلك الأسراب إلى جانب جبل كليمنجارو عبر الحدود إلى تنزانيا”.

وأضاف في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك “خلال نهاية الأسبوع، انتقلت أسراب الجراد إلى شمال شرق أوغندا. ونتوقع في أيّ يوم أن تنتقل عبر الحدود إلى الركن الجنوبي الشرقي لجنوب السودان”، حيث يواجه العديد من الملايين الآخرين الجوع في الوقت الذي تكافح فيه البلاد للخروج من الحرب الأهلية”.

وقال كريسمان إن سربًا من الجراد متوسط ​​الحجم يمكنه أن يأكل نفس القدر من الطعام الذي يأكله جميع سكان كينيا، وأن “سربا في يوم واحد يمكن أن يأكل نفس القدر من الطعام مثل أيّ شخص هنا في منطقة الولايات الثلاث، نيو جيرسي وبنسلفانيا ونيويورك. لذلك فإن عدم اتخاذ أيّ إجراء في الوقت المناسب يمكن أن تتبعه الكثير من العواقب”.

وودعا مسؤولو الأمم المتحدة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية قبل هطول الأمطار في الأسابيع المقبلة، حيث يمكن للغطاء النباتي الطازج إطعام أجيال جديدة من الجراد. ويقولون إنه إذا لم يتم اتخاذ أيّ اجراءات، فإن أعدادهم قد ترتفع إلى 500 مرة قبل وصول الطقس الجاف.

وقال مارك لوكوك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مؤتمر صحافي في نيويورك الاثنين “هناك خطر وقوع كارثة”، محذرا من أن 13 مليون شخص يعانون بالفعل من انعدام أمن غذائي شديد – 10 ملايين في الأماكن المتأثرة بالجراد – وأن المنطقة لا تستطيع تحمل صدمة جديدة.

وحذر دومينيك بيرغون، مدير الطوارئ لدى المنظمة، في المؤتمر الصحافي للأمم المتحدة من أن 20 مليون شخص آخرين في المنطقة معرضون لخطر عدم الأمن الغذائي.

وقد عاث الجراد فسادا بالإمدادات الغذائية في كينيا وإثيوبيا والصومال، فيما سجل وجود هذه الحشرات في أوغندا الأحد.

وأوضح لوكوك أن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قدرت في نهاية يناير كلفة وضع خطة للقضاء على الجراد بحوالي 76 مليون دولار.

وتابع “ليس لدينا حتى الآن إلا 20 مليون دولار. إذا لم نحصل على هذا المبلغ خلال الأسبوعين أو الثلاثة أو الأربعة المقبلة، فسنواجه مشكلة خطيرة”.

وأشار لوكوك إلى أن تفشي الجراد الحالي هو “الأسوأ منذ 70 عاما في كينيا ومنذ 25 عاما في إثيوبيا والصومال”، لافتا إلى أن أحد الأسباب وراء انتشار هذه الأسراب هو تغير المناخ.

سرب متوسط الحجم من الجراد يمكنه أن يستهلك من الطعام في وقت وجيز ما يأكله تقريبا جميع سكان كينيا
سرب متوسط الحجم من الجراد يمكنه أن يستهلك من الطعام في وقت وجيز ما يأكله تقريبا جميع سكان كينيا

والجراد الصحراوي الذي يلحق أضرارا جسيمة بالمحاصيل، هو نوع من الجنادب التي تعيش حياة منعزلة نوعا ما إلى أن تؤدي مجموعة من الظروف إلى تعزيز تكاثرها وتقودها إلى تأليف أسراب ضخمة.

وخلال القرن العشرين، حصلت ست “غزوات” للجراد الصحراوي كان آخرها ما بين سنتي 1987 و1989. ومن دون الرش الجوي الكافي لوقف الأسراب يمكن أن يتحول تفشي الجراد إلى وباء، “وعندما يكون لديك وباء، فإن الأمر يستغرق سنوات للسيطرة عليه”، على حد تعبير بيرغون لوكالة أسوشيتيد برس الأسبوع الماضي.

وقد طلبت الأمم المتحدة مبلغ 76 مليون دولار كمساعدات عاجلة. وقال المسؤولون إنه حتى الآن يوجد ما لا يقل قليلاً عن 20 مليون دولار، بما في ذلك 10 ملايين دولار أصدرها لوكوك من صندوق الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة و3.8 ملايين دولار من المنظمة. وقد أعلنت الولايات المتحدة الاثنين أنها أصدرت 800 ألف دولار وأن الاتحاد الأوروبي أصدر مليون يورو.

وتبرع صندوق التضامن الأفريقي بمليون دولار لمكافحة انتشار الجراد الصحراوي على نحو يهدد الأمن الغذائي في شرق أفريقيا.

وقالت ماريا هيلينا سيميدو من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) التي تلقّت التبرع “أمامنا فرصة قبل موسم الزراعة المقبل.. يجب أن نتحرك الآن”.

وأضافت سيميدو في تصريحات لها على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بإثيوبيا “التمويل المرن، مثل تمويل صندوق التضامن الأفريقي، يساعدنا على التحرك بسرعة”.

وقالت (فاو) إنها ستحتاج إلى 73 مليون دولار لمكافحة الانتشار السريع للآفة التي يمكن أن تؤدي إلى مجاعة في منطقة تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.

وصرح المسؤولون بأن تفشي الجراد، وهو الأسوأ منذ 25 عامًا، أثّر على إثيوبيا والصومال وكينيا وإريتريا والسودان، ويهدد بالانتشار إلى أوغندا وجنوب السودان.

وقال لوكوك “لن تنجح الاستجابة اليوم، ما لم تكن هناك زيادة كبيرة”. ويأكل الجراد النباتات التي يعتمد عليها الرعاة في المنطقة، وحذر السفير الكيني لازاروس أمايو من “الخطر الملازم للنزاع المجتمعي على المراعي”. وقال إن تفشي الجراد قد يعرقل زراعة المحاصيل في الأسابيع المقبلة، مضيفًا أن الجراد “يلحق أضرارًا فادحة بالمحاصيل”.

اقرأ أيضاً: كورونا ضربة موجعة لقطاع الطاقة

6