العمال الأجانب في قطر يكسرون حاجز الخوف بالاحتجاج علنا

استعدادات كأس العالم 2022: حظر الإضراب والعمل النقابي لم يحم الدوحة.
الاثنين 2020/02/10
مستعدون للمخاطرة بإقالتهم أو ترحيلهم من أجل الحصول على حقوقهم

بعد أن تعددت التقارير الحقوقية الدولية، المثبتة بحجج دامغة، بشأن انتهاكات الشركات المعنية بمتابعة التحضيرات لكأس العالم 2022 في قطر، وعدت الدوحة بمراجعة القوانين واللوائح التي تهدف إلى حماية حقوق العمّال وتحسين أوضاعهم بشكل أفضل. لكن الصور والفيديوهات التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، ويظهر فيها المئات من المحتجّين ضد سوء المعاملة وغياب أدنى مقومات السلامة في أماكن العمل، كما عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية لأشهر، تبرز بوضوح أن هذه الوعود ليست سوى مسكّنات تواجه بها الدوحة الانتقادات الدولية المتصاعدة.

 لندن- دخلت قضية سياسات تشغيل العمّال في قطر مرحلة ضغط جديدة بعد أن خرج العمّال إلى شوارع الدوحة مطالبين بوضع حد لممارسات الاستغلال والتشغيل القسري وتعزيز حمايتهم، ضمن وضع صار يحضر بقوة كلما طرح الحديث عن كأس العالم 2022.

ويحظر القانون القطري العمال الوافدين من الانضمام إلى نقابات أو المشاركة في إضرابات. وتمارس السلطات القطرية سياسة صارمة ضد من يخرق هذا القانون.

وكسر العمّال الوافدون لحاجز الخوف من ردود فعل السلطة إزاء مثل هذه التحرّكات النادرة، يعكس إلى أي مدى بلغت بهم الحال وما يتعرضون له من معاملة لا إنسانية، أدت إلى وفاة عدد كبير منهم على مدار سنوات.

وتعددت التقارير التي تدين هذه الممارسات وتوثق، عبر شهادات حية، وعبر ما تنقله وسائل الواصل الاجتماعي وتغريدات العمّال أنفسهم، سوء أوضاع العمال في قطر وعدم كفاءة وجاهزية الشركات لإعطائهم أبسط حقوقهم والضغط عليهم لاستكمال المشروع.

وتابعت “العرب” مجموعة من الفيديوهات التي يظهر فيها عدد لافت من المحتجين، أغلبهم آسيويون، وقد أغلقوا أحد الشوارع، وعطلوا حركة المرور. وتقطع لوحات السيارات التي تظهر في الفيديوهات الشكوك بأن هذه الاحتجاجات جاءت في مكان آخر غير قطر.

ويتصدر ملف حقوق الإنسان، حجج المطالبين بعدم منح قطر استضافة هذا الحدث الكروي العالمي على خلفية تورّطها في قضايا تتعلّق بشبهات فساد تحوم حول حصولها على استضافة كأس العالم، كما التهم المحيطة بدعم الدوحة لجماعات مصنفة على قائمة الإرهاب، إلى جانب الأسباب اللوجستية التي تبين ضعفها خلال بطولة العالم لألعاب القوى في الدوحة، ما أثار شكوكا حول قدرة قطر على استضافة كأس العالم.

أسلوب جديد

تأتي مشاهد الاحتجاجات الأخيرة كحجج جديدة داعمة لتحقيقات أجرتها العديد من المنظمات الحقوقية الدولية التي تتهم الدوحة بأعمال سخرة ومواصلة انتهاك حقوق العمال، وأنها اكتفت – تحت الضغط المكثف – باتخاذ خطوات شكلية في إصلاح قوانين العمل.

وبدأ العمال انتهاج أسلوب الاحتجاجات والخروج إلى الشارع منذ أغسطس 2019، حيث أضرب المئات احتجاجا على ما وصفوه بظروف العمل السيئة والتهديدات بخفض الأجور. وتقول هيومن رايتس ووتش إنه على الرغم من تفعيل بعض الإصلاحات العمالية، لم تلغ السلطات القطرية نظام الكفالة الاستغلالي، الذي يغذي الانتهاكات ويمنح أصحاب العمل سلطة مفرطة على العاملين.

وفي 21 يناير 2020، شهدت شوارع قطر واحدة من أكبر الاحتجاجات التي خرج فيها العمّال منددين بممارسة إحدى الشركات المسؤولة عن إعداد البنية التحتية لتنظيم كأس العالم، وهي شركة بن عمران للتجارة والمقاولات (BOTC).

تظاهر العمّال احتجاجا على تأخر دفع رواتبهم لمده 4 أشهر، وقد توقفوا عن العمل على مشروع بناء الملعب الرياضي. وأكّدت ذلك شركة Aspire Zone المسؤولة عن استضافة الحدث الرياضي، لافتة إلى أن هذه الاحتجاجات كلفت الشركة الكثير من الأموال وأدت  إلى التأخير في موعد انتهاء المشروع.

وقالت هبة زيادين، الباحثة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، “من المدهش رؤية العمال يقفون في احتجاجات. لا يُسمح قانونا للعمال المهاجرين بالإضراب أو الانضمام إلى النقابات العمالية في قطر. تُظهر احتجاجات هذا الأسبوع مدى اليأس حتى أنهم أصبحوا مستعدين للمخاطرة بإقالتهم أو ترحيلهم من أجل الحصول على حقوقهم. لكن قطر لم تتخذ إجراءات صارمة كما هو متوقع، مما قد يشير إلى أنها قلقة من الانتقاد الدولي”.

تواصل انتهاكات الدوحة
تواصل انتهاكات الدوحة

وتعد شركة بن عمران للتجارة والمقاولات، إحدى أهم شركات المقاولات في قطر والتي بدأت منذ عام 1997، وشاركت في بناء العديد من المشاريع الكبيرة في قطر. وقد غرّد متابعون على تويتر قائلين “على الرغم من سمعة الشركة الكبيرة إلا أن هذه المظاهرة التي حدثت أثبتت ما تم تداوله خلال السنوات الماضية حول انتهاك وقمع حقوق العمال لفترة طويلة”.

وغرّد أمير باركي، وهو أحد العاملين في شركة بن عمران، مطالبا بحقوقه وهي إعطاؤه مستحقات نهاية خدمته، مستدلا برسالة وجهها للشركة وتبين فترة عمله التي تجاوزت ثلاث سنوات، ومرور أكثر من 7 أشهر على استقالته دون حصوله على مستحقات نهاية الخدمة والتي بلغت 43.844 ريالا قطريا. ويرأس مجلس إدارة الشركة الأمير خالد بن حمد آل ثاني، الذي عرف بتورطه في قضية الطبيب ماثيو أليندي الذي تم استغلاله للعمل لفترات طويلة دون الحصول على راحة وامتدت ساعات عمله في بعض الأيام إلى 20 ساعة عمل، الأمر الذي دفع الطبيب إلى محاولة الهرب من على سور بارتفاع 5 أمتار، الأمر الذي تسبب له في إصابات بليغة بعد رفض الأمير خالد بن حمد إعطاءه يوم راحة.

وأكد ما جاء في ماثيو أليندي، ماثيو بيتارد الذي كان يعمل مديرا لأمن الأمير خالد، لافتا إلى أنه كان يعمل لساعات طويلة دون الحصول على إجازة. لكن الجزء المثير في الدعوى، التي رفعها أليندي بيتارد، وتنظر فيها ولاية فلوريدا الأميركية، حديث الأخير عن طرده بسبب رفضه “قتل شخصين” امتثالا لأوامر رئيسه.

الموت جزء من الصورة

 ترسم العشرات من التقارير، والتغريدات والصور والفيديوهات، صورة مفزعة عن عمّال يشتغلون قسرا تحت درجة حرارة تبلغ 50 درجة مئوية ويُحرمون من مياه الشرب المجاني، وعن أصحاب عمل يحتجزون رواتب العمّال عدة أشهر، ويحتفظون بجوازات سفرهم، وبعضهم لم يأخذ إجازة منذ سنوات. كما يستشري المرض بين العمّال الذين يعيشون في أماكن مكتظة. وكتب الصحافي الأميركي جيفري غولدبيرغ قائلا، في وصفه لما يختفي خلف الصورة المشرقة التي تروج لها الدوحة ضمن الدعاية لكأس العالم، إن “الموت ما هو إلا جزء من الصورة”.

وتحت ضغط الوقت، تزداد الصورة قتامة حيث يتضاعف الضغط الذي تمارسه الشركات المكلفة بالإشراف على بناء منشآت كأس العالم على العمّال. ووثقت اتحادات عمالية ونشطاء حالات استغلال وظروف عمل خطيرة ووفيات لعمال من أجل الإسراع للانتهاء من تشييد الملاعب الرياضية وتجهيز البنية التحتية.

ومنذ وفاة عدد من العمال النباليين سنة 2013 نتيجة ظروف العمل السيئة تصاعد الاهتمام بمتابعة ملف العمّال في منشآت كأس العالم في قطر. وكانت صحيفة الغارديان وثّقت في مجموعة التحقيقات هذه الظروف، وسجلت وجود أدلة على استخدام عمالة بالإكراه والسخرة الأقرب إلى العبودية في مشروعات يتم تشييدها ضمن الاستعدادات الخاصة باستضافة بطولة كأس العالم.

وتقول الحكومة النيبالية إن 1426 من مواطنيها لقوا حتفهم في قطر منذ منحها حق استضافة كأس العالم في عام 2010، مات بعضهم في حوادث، بينما توفي آخرون بسبب الأمراض الفتاكة جراء ظروف العمل. وتوقع الاتحاد الدولي للنقابات العمالية أن يصل عدد الضحايا من العمّال إلى 4 آلاف مع بدء البطولة.

وقالت هيومن رايتس ووتش في التقرير العالمي 2020، “إن العمال الوافدين في قطر ظلوا عرضة للإساءة في 2019 رغم القوانين واللوائح الجديدة التي تهدف إلى حماية الحقوق بشكل أفضل”. ولا يتوقع المراقبون أي تحسن لافت في هذا الملف خاصة مع بدء العد التنازلي لاستضافة هذا الحدث الكروي العالمي، ومع تسجيل تأخر في تجهيز البنية التحتية المطلوبة، خاصة بعد تسجيل إضرابات في صفوف العمّال.وتقول عريضة تطالب بمقاطعة كأس العالم 2022 في قطر، بسبب “الظروف غير الآدمية التي يواجهها العمال الأجانب في قطر”، إن الشركات المعنية تحتجز العمال والموظفين بشكل غير قانوني، لافتة إلى أن الأمر لا يقتصر على كأس العالم 2022، حيث تخطط الدوحة لإنفاق أكثر من 200 مليار دولار في البنية التحتية حتى عام 2030، وهذا يعني استمرار الحاجة إلى اليد العاملة، واستمرار هذه الممارسات التي صارت الصحافة تطلق عليها “العبودية الحديثة”.

وكانت وكالة بلومبرغ الأميركية قالت في إحدى تغطياتها لحيثيات استضافة قطر لكأس العالم إنّ “الرشوة ليست أكبر فضيحة في كأس العالم 2022، بل يضاف إليها مزيج من انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الفساد وغياب الكفاءة المطلوبة لنقل الحدث العالمي الرياضي”. 

7