ترامب على خطى ريغان في الشرق الأوسط

ترامب يتبع الإستراتيجية ذاتها التي اتبعها ريغان من قبله مع خصومه الدوليين، وهي الاحتواء والمواجهة وتفادي رد الفعل المتسرع.
الاثنين 2020/02/10
التوجه ذاته

القاهرة – تعيد الأجواء المشحونة في منطقة الشرق الأوسط خاصة مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران الحديث عن بوادر حرب عسكرية كبرى تقوم على الثنائية القطبية التي تقسم العالم إلى معسكرين على شاكلة الحرب العالمية الثانية.

 وتختلف وجهات نظر خبراء السياسة بالنسبة للثنائية القطبية، فبينما يعتقد كثير منهم، وربما أبرزهم كينيث والتز، العالم الأميركي في مجال العلاقات الدولية، وأحد قدامى المحاربين، أن أي منطقة تكون أكثر أمانا في ظل وجود قطبين بها، فيما يعتقد آخرون أن الاتجاه نحو الثنائية القطبية كان يسبق اندلاع كل حرب كبيرة منذ “صلح ويستفاليا”، وهو الاسم الذي يطلق على معاهدتي سلام أنهيتا حربين دامتا 30 عاما و80 عاما في القرن السابع عشر.

ويؤيد مارك غرين، عضو مجلس النواب الأميركي، وخريج الأكاديمية الحربية، الرأي الثاني في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشونال إنترست” الأميركية، حيث يؤكد أن الشرق الأوسط يتجه نحو وجود ثنائية قطبية، وهو يثير القلق.

ويرى غرين أنه منذ الثورة الإسلامية عام 1979، تمارس إيران نشاطها من خلال جماعات إرهابية تعمل بالوكالة عنها، مثل حزب الله، “لتصدير أيديولوجيتها الثورية وتوسيع نطاق نفوذها خارج حدودها”، وأنه على مدار الأربعين عاما الماضية، كانت النتيجة درجة من المواءمة مع هؤلاء الوكلاء، وقد أصبح هناك شرق أوسط قريب من الثنائية القطبية.

وذكر تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن إيران “ضاعفت ثلاث مرات توازن القوة الفعالة في الشرق الأوسط لصالحها”، وكانت النتيجة “قطبية أحادية” في المنطقة من اليمن، عبر إيران والعراق، وسوريا، ولبنان. وفي نفس الوقت، تشكل مواءمة أخرى تضم مصر والسعودية وغيرهما من الدول، قطبية أحادية مقابلة. وبذلك يصبح الشرق الأوسط من الناحية الهيكلية في سبيله إلى أن يكون ثنائي القطبية ومن ثم مستعدا لاندلاع حرب كبرى.

سياسة رونالد ريغان "المواجهة والاحتواء" التي نجحت في إنهاء الحرب الباردة بانتصار للغرب، سوف تنجح أيضا مع إيران ويبدو أن هذا هو توجه دونالد ترامب

ويضيف غرين أن هذا يعني أنه في ظل قطبية ثنائية ناشئة مثل الوضع الحالي في الشرق الأوسط، يتعين على الجميع بحث الإجراءات التي يتعين على القادة اتخاذها، أولا لمنع النتيجة المحتملة الأكثر سوءا، وثانيا لكسب الحرب الباردة التي غالبا ما تشهد سباق تسلح وتحالفات، وقد شهدت في الماضي مقتل الملايين في حروب في كوريا وفيتنام وأفريقيا ومناطق أخرى.

وفي فترة الحرب الباردة ظهرت محاولة لإحداث انفراج بزيارة ريتشارد نيكسون إلى موسكو. ورغم ذلك، فإن الانفراج لم يفعل الكثير لكبح العدوان السوفياتي وانتهى أخيرا برد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان على الغزو السوفياتي لأفغانستان. وما صار يعرف باسم “مبدأ ريغان” كان استراتيجية احتواء ومواجهة، أسفرت عن صراع اقتصادي لم يكن بوسع النظام الشيوعي التنافس معه.

ويشير غرين إلى أن الرئيس رونالد ريغان واجه السوفيات بنصب صواريخ بيرشنغ 2 في أوروبا، كما قام ببناء نظام دفاع صاروخي يتخذ من الفضاء قاعدة له، وبدأ غزو دولة غرينادا في الكاريبي لوقف سيطرة الشيوعيين الكوبيين عليها، وقام بدعم المتمردين المعارضين للشيوعيين في أنحاء العالم، كما نال موافقة الكونغرس على تقديم مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها حوالي 2 مليار دولار للمجاهدين الذين كانوا يحاربون السوفيات في أفغانستان.

وأمام تباين موازين القوى الاقتصادية اتجه السوفيات إلى الجلوس على مائدة المفاوضات بعد إدراكهم أن اقتصادهم لا يمكنه خوض المنافسة مع عملية الاحتواء من خلال العقوبات، وكذلك المواجهة من خلال الإمكانيات العسكرية الأميركية المتقدمة الموجودة في الخطوط الأمامية. وفي أقل من عام عقب تخليه عن الرئاسة في عام 1989، سقط جدار برلين، وفي أقل من ثلاثة أعوام تفكك الاتحاد السوفياتي. وقد تحقق النجاح لجهد ريغان الحاسم وإظهاره للعزم الحازم.

استراتيجية ناجحة لكبح إيران
استراتيجية ناجحة لكبح إيران

وقال غرين إن سياسة المواجهة والاحتواء التي نجحت في منع أسوأ سيناريو وإنهاء الحرب الباردة بانتصار للغرب، سوف تنجح أيضا مع إيران، ويبدو أن هذا هو مبدأ ترامب الحالي، إذ ابتداء من حظر السفر، ومرورا بالعقوبات القاسية الجديدة والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، إلى تعزيز الإنفاق العسكري الأميركي والضغط على حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليزيد نفقاته العسكرية، يكون الرئيس دونالد ترامب قد أظهر، مثله في ذلك مثل ريغان، استعدادا لاستغلال جميع الوسائل، باستثناء المواجهة العسكرية، لفرض تكاليف لا يمكن لعدوه أن يتحملها.

ومثل ريغان، لدى ترامب استعداد كبير لزيادة القوة الأميركية وهو يعلم أنه ليس بوسع إيران مجاراته. وقراره الخاص باغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، أدى إلى التخلص من الرأس المدبر للقوات التي خلقت الثنائية القطبية وأظهر أن الولايات المتحدة لن تسكت على أي اعتداء صريح على القوات الأميركية.

وكما فعل ريغان، مارس ترامب أيضا ضبط النفس، ولم يقم بالرد على الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية في سبتمبر الماضي، كما سمح بردود فعل متناسبة ومحدودة، مماثلة لضبط النفس من جانب ريغان عندما استهدفت إيران سفينة حربية أميركية في عام .1988 ورغم مظاهر المواجهة، سعى ترامب إلى الحد من خطر التصعيد.

وأكد غرين أن استراتيجية الاحتواء والمواجهة التي يتبعها ترامب هي الاستراتيجية الصحيحة، وهي الاستراتيجية التي اتبعها ريغان قبله لتحقيق نصر استراتيجي، تمثل في انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي الاستراتيجية المطلوبة اليوم في الشرق الأوسط في ظل الثنائية القطبية التي تشهدها المنطقة.

6