السياحة في زمن بريكست

مثلما خلّف بريكست الحيرة لدى الخبراء وتوقعاتهم في المجالات الاقتصادية، فإنه خلف أيضا حيرة بالنسبة لعشاق السفر من البريطانيين وحتى السياح الذين يخططون لزيارة لندن، فهم لا يعرفون بعد إن كانت الإجراءات الجديدة ستسمح لهم بالسفر دون تعقيدات، كما لا يعرفون أيضا كيف سيكون حال الجنيه الإسترليني.
لندن – ينتظر البريطانيون الذين اعتادوا قضاء عطلهم السنوية خارج بلادهم في أحضان الشمس والبحر ما ستؤول إليه أوضاعهم الاقتصادية بعد خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، كذلك ينتظر السياح الذي يخططون في قادم عطلهم لزيارة لندن إحدى أيقونات السياحة في العالم والاستمتاع بالطبيعة في الريف الإنجليزي، إذا ما كانت ميزانية عطلهم التي يدخرونها طيلة عام ستكفيهم بضعة أيام لرؤية البيغ بان وقصور وأبراج ومتحف العاصمة البريطانية التي يتهافت الأغنياء ومتوسّطو الدخل على زيارتها، أما الفقراء فيكتفون بمتابعة جمالها على المواقع الافتراضية.
المؤسسات العاملة في القطاع السياحي من وكالات أسفار وشركات طيران وفنادق تتوقع سيناريوهات مختلفة متفائلة مرّة، ومتشائمة مرات، خاصة وأن قيمة قطاع السياحة عبر حدود المملكة المتحدة تقدر بمليارات الدولارات، وتعد تلك الرحلات أساسية للملايين من العاملين في قطاع السياحة.
ويتوقع المتفائلون استمرار عمل الرحلات الجوية والقطارات والطرق البرية والبحرية، خاصة وأن تأشيرات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي لن تكون عائقا أمام البريطانيين بحسب تصريحات المسؤولين السياسيين. وحاليا، يمكن لمواطنين من عدد من الدول بما فيها كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا واليابان السفر إلى المملكة المتحدة دون تأشيرة.
وقال سائح فرنسي في لندن واكب أجواء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، “لا يعنيني بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي أو خروجها، كل ما يعنيني في هذه الرحلة أن أوثق الأجواء التي فوجئت بها لدى زيارتي محيط قصر وستمنستر، لأنها ستكون جزءا من الذكريات”.
المتشائمون يتوقعون اضطرابات كبيرة في السفر من وإلى المملكة المتحدة، ومن المحتمل حسب رأيهم أن تتأثر كل المجالات العاملة في القطاع السياحي من طيران وتأمين، وغيرها من ضروريات السفر.
البريطانيون يشعرون بالارتباك بسبب بريكست في ما يتعلق بالسفر، إذ يعتقدون أن عطلهم ستكون أكثر شيء تتأثر به بريطانيا
وكان المجلس العالمي للسياحة والسفر قد أشار في وقت سابق إلى أن سوق العمل في أوروبا قد يفقد نحو 700 ألف وظيفة في قطاعي السياحة والسفر بعد بريكست إذا لم يتم توضيح العلاقات المستقبلية بين الطرفين.
وأوضح المجلس أن 308 آلاف وظيفة ستكون مهددة في بريطانيا و399 ألفا في أماكن أخرى في أوروبا.
على عكس السفر إلى بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا ونيوزيلندا والصين وغيرها، في الوقت الحالي، لا يحتاج السياح البريطانيون بجوازات سفرهم الجديدة ذات اللون الأزرق الداكن إلى تأشيرة للسفر إلى أوروبا.
ولا تزال بطاقة الهوية أو جواز السفر بالنسبة للأوروبيين القاصدين بريطانيا كافيين لإقامة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، كما تم تنفيذ الضوابط الحدودية قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن بريطانيا لم تكن جزءاً من منطقة شنغن.
ووفق الموقع الإلكتروني التابع للحكومة البريطانية، فإن “الوثائق التي يحتاجها المسافرون الأوروبيون لدخول المملكة المتحدة لن تتغير حتى عام 2021”.
يقول تريسي إيدجنتون من هيئة السياحة البريطانية، “إن أوروبا ما زالت تمثل سوقاً مهمة لنا”، مضيفا، “يمكن لمواطني الاتحاد الأوروبي حجز رحلاتهم دون أي قلق”. ويؤكد أنه لن يتغير أي شيء في الأشهر الـ11 القادمة، ولا يزال بإمكان المسافرين الدخول باستخدام بطاقة الهوية ودون الحاجة إلى تأشيرة، ولا يتعين عليهم التسجيل، كما يمكنهم الذهاب إلى الطبيب مجانا.
حالة التشاؤم هذه خلّفها خروج المملكة من الاتحاد وتوقعات انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني إلى مستوى غير متوقع، وهذه أخبار جيدة للزوار القادمين إلى المملكة المتحدة الذين سيستفيدون بالطبع من هذا الانخفاض.
صحيفة “إكسبريس” البريطانية، أشارت إلى أن البريطانيين يشعرون بالارتباك جراء بريكست، في ما يتعلق بالسفر، حيث قال 15.6 مليون شخص فى استطلاع أجرته شركة “ويسواب” إنهم يعتقدون أن عطلتهم ستكون أكثر شيء تتأثر به بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
في المقابل يتوقع خبراء الاقتصاد أن تظل مكانة الجنيه الإسترليني بين العملات مستقرة ولو إلى فترة، ولن تعرف العملة البريطانية انهيارا مشطا أو العكس، وهذا أيضا خبر جيد لسكان المملكة المتحدة الذين يعشقون السفر واكتشاف العالم، فاستقرار عملتهم أو ارتفاعها سيمكنهم من توفير بعض المال للقيام برحلات إلى الدول والمدن التي اعتادوا زيارتها أو إلى اكتشاف مناطق جديدة لم يزوروها من قبل.
وتعد أوروبا الوجهة الأولى للمسافرين في المملكة المتحدة بمعدل يزيد على 58 مليون رحلة إلى الخارج كل عام، وقد أكدت الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي، أن الناس سيظلون قادرين على السفر من وإلى دول الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.
أمام حالة الارتباك هذه، يتوقع الخبراء أن تكون بعض الدول العربية الأكثر استفادة من هذا التحول المحتمل، حيث أظهر مسح جديد أن 85 في المئة من السائحين البريطانيين قد يفضّلون زيارة وجهات خارج الاتحاد الأوروبي في حال فشلت المفاوضات مع بروكسل بشأن التنقل، وذلك خشية اضطرارهم لدفع رسوم تأشيرة الشنغن الأوروبية البالغة 52 جنيها والتي لا تطبَّق على البريطانيين حاليا. وازداد عدد السياح البريطانيين في الأردن وتونس ومصر والمغرب ودبي وإمارة الشارقة التي تستهدف جذب 10 ملايين زائر بحلول عام 2021.
ويتوقع خبراء السياحة أن بريكست يمكن أن يوفر فرصة هامة لتنمية تدفق السياح البريطانيين على الدول العربية مع الفوارق بين العملات العربية والجنيه الإسترليني.