أردوغان يوسع قائمة الغاضبين من تركيا

سياسات أنقرة تزداد عدوانية وتثير استياء الأوروبيين والعرب.
الأربعاء 2020/01/29
يغرد خارج السرب الدولي

يراكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائمة الغاضبين من سياساته العدوانية التي تزعزع النظام الدولي وترفع من منسوب التوتر بين تركيا والدول العربية والأوروبية، الأمر الذي يزيد من منسوب القلق الداخلي من تداعيات هذه السياسة العدوانية على الاقتصاد التركي في وقت تشهد فيه البلاد تراجعا على جميع المستويات، اقتصاديا وحقوقيا، كما على مستوى حرية التعبير والحريات الاجتماعية.

لندن - رغم الفشل الذي مني به مخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتمكين الإخوان المسلمين بعد ثورات الربيع العربي، وفشل الاستثمار في الأزمة الخليجية، والأزمات المتكررة مع الاتحاد الأوروبي، ومع الولايات المتحدة، لم يستوعب الرئيس التركي الدروس، ويصر على المضي قدما في سياسته التي يصفها دبلوماسي أوروبي بأنها “تزداد عدوانية أكثر فأكثر”.

ورغم أن سياسات الرئيس التركي تضع علاقات بلاده الاقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة على المحكّ، إلا أنه يصر على مغامراته، التي تقول الكاتبة في صحيفة فاينانشال تايمز، لورا بيتل، إنها “أثارت غضب الزعماء الأوروبيين والعرب”.

وتضيف بيتل، في تقرير يرصد تطورات السياسة الخارجية التركية، أن أنقرة اتخذت نهجا أملت أن يساعدها في استعادة نفوذها داخل حدود دول كانت تنتمي إلى الإمبراطورية العثمانية. لكن المقامرة فشلت. ويرصد التقرير تفاصيل هذه المقامرة ورهاناتها التي كلّفت تركيا باهظا في علاقاتها الإقليمية، الأوروبية والعربية.

لورا بيتل: مقامرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشلت
لورا بيتل: مقامرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشلت

إلى حد سنوات قليلة ماضية، كان ينظر لتركيا، التي جاءت في المرتبة الـ91 في “مؤشر مدركات الفساد لعام 2019”، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، باعتبارها دولة “هادئة” في سياستها الخارجية، رغم كثرة الانقلابات والتقلبات الداخلية. وأثارت “معجزتها الاقتصادية” خلال العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية (وصل إلى الحكم في انتخابات 2002) الإعجاب. لكن، تبدلت ملامح هذه الصورة، خلال السنوات الأخيرة التي ترأس فيها رجب طيب أردوغان الوزراء وازدادت قتامة مع وصوله إلى الرئاسة.

لم يشمل التغيير السياسة الداخلية لتركيا، التي انتقلت من سطوة الجيش وانقلاباته، إلى حكم الرجل الأوحد، بل طال أساسا سياستها الخارجية التي تحولت من “صفر مشاكل” إلى صناعة المشاكل مع الجميع. لتجد تركيا نفسها اليوم دولة منبوذة، أوروبيا وعربيا، بسبب رهانات أردوغان الخاسرة.

إثر ثورات الربيع العربي، خيّل لأردوغان أن الظروف الدولية التي فرضت معاهدة لوزان تغيّرت وأن مناخا جديدا قد يساعد تركيا على استعادة بعض مما خسرته بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

ويعلق يكتان تُرك يلماز، المحلل في موقع أحوال تركية، على هذه الأحلام لافتا إلى أن النظام التركي، داخليا وعلى مستوى الدبلوماسية، صار بعيدا عن أن يكون مؤسسة سياسية قوية تسعى إلى بناء إرادة مشتركة مع الأطراف السياسية الأخرى عبر الحوار والتوافق، من أجل تحقيق الأهداف الممكنة.

وبدلا من ذلك، يتحول النظام بسرعة إلى دائرة من السخط والغطرسة وعدم الاستقرار، تُسخّر كل قوتها وطاقاتها لتحقيق أوهام الوصول إلى العصر الذهبي. ذاك العصر منسوج من خيوط من الخيال، مادتها خليط انتقائي عفا عنه الزمن، يُغري بأوهام القوة المطلقة والتفوق الذي يعكس نظرة القيادة لنفسها على أنها شيء عظيم.

لم تجر الرياح بما تشتهيه سفن أردوغان، الذي مني بهزيمة مضاعفة: تراجع صورته في الداخل والخارج، وتسبب في تبديد السمعة الدبلوماسية التي بنتها البلاد على مدى 70 عاما، بما في ذلك تحالفاتها الإستراتيجية، ومكانتها الدولية، وتطلعاتها الجيوسياسية الطويلة الأجل.

بعد فشل سياسة الاختراق الناعم وهزيمة الإسلاميين، تبنى الرئيس التركي نهجا يقوم على العمليات العسكرية المباشرة. ظهر هذا الاتجاه بعد أن أدى الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في سنة 2016 إلى إضعاف الحكم الذاتي الذي كان الجيش يتمتع به ومكّن الرئيس التركي من تعزيز سلطته.

وشنّت تركيا ثلاث عمليات توغل عسكرية منفصلة في شمال سوريا. وصعّدت تركيا من التوتر في شرق المتوسط عبر إرسال سفن حربية لمنع شركات النفط الأوروبية من التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.

وأثار الرئيس التركي الجدل خلال الشهر الماضي عندما قرر التعمق في النزاع الليبي بإرسال مستشارين عسكريين ومرتزقة سوريين مدعومين من تركيا لدعم الحكومة المحاصرة في طرابلس، حيث وضع أنقرة في مواجهة المجتمع الدولي.

يكتان تُرك يلماز: سياسة تركيا المتهورة قد تدفع إلى تشكيل تحالف ضدها
يكتان تُرك يلماز: سياسة تركيا المتهورة قد تدفع إلى تشكيل تحالف ضدها

ويلفت تقرير فاينانشال تايمز إلى أن التدخل في ليبيا حقق رغبة تركيا في الحصول على مقعد على طاولة المحادثات التي ستحدد مستقبل الدولة التي مزقتها الحرب، لكنه أثار انتقادات شديدة من واشنطن والعواصم الأوروبية والعربية.

ولا يستبعد يكتان تُرك يلماز أن “تدفع أحادية تركيا المتهورة والعدوانية أطرافا دولية منافسة إلى تشكيل تحالف ضدها”.

يحمّل الدبلوماسي التركي السابق الذي يترأس مركز الدراسات “إدم”،  سنان أولغن، الدول الغربية مسؤولية هذا التحول الحاد في السياسة التركية، حيث تنقل عنه لورا بيتل قوله، “مع انهيار علاقة أنقرة بالولايات المتحدة وعدم الفعالية التامة للاتحاد الأوروبي كشريك أمني بديل شعرت تركيا بأن عليها أن تتحول إلى بلاد أكثر نشاطا في محاولة لمعالجة مخاوفها الأمنية”.

في المقابل، ترى بيت هامرغرن، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد السويدي للشؤون الدولية، أن الكثير من المشاكل الحالية في تركيا، والدول الإقليمية، تعود إلى سعي أردوغان إلى حكم الرجل الواحد، في الداخل، وحساباته الخارجية الخاطئة.

لكن، رغم هذا الفشل، تقول هامرغرن، إن الرئيس التركي لم يتراجع عن مساره بما ورط البلاد في مشاكل كانت في السابق بعيدة عنها بفضل سياسة صفر مشاكل التي اتبعتها لسنوات طويلة، وجعلتها تركز أكثر على الاقتصاد وتطوير البلاد من الداخل. وحزب العدالة والتنمية نفسه عندما اتبع هذه السياسة في سنواته الأولى حقق أكبر قفزة اقتصادية تشهدها البلاد، لكن بمجرد أن تم التخلي عن سياسة صفر مشاكل وبدأت تركيا تتدخل في شؤون غيرها انقلب الأمر، وما كان مصدر شعبية حزب العدالة والتنمية تحول إلى مصدر سخط وغضب شعبي.

وألقت سياسات أردوغان الخارجية بظلالها على السياسة الداخلية للبلاد. ورغم أن نسبة كبيرة من الأتراك دعمت تدخله في سوريا، خاصة بعد التلويح بورقة الأكراد، لم يلق التدخل في ليبيا ترحيبا، بل بالعكس زاد من قلق الأتراك الذين يخشون أن تُدخل مغامرات الرئيس البلاد، التي تعتمد على الغرب كشريك تجاري ومصدر للاستثمار الأجنبي، في أزمة اقتصادية خانقة، كما حدث عندما غرقت البلاد في أزمة اقتصادية بعدما فرض عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات لحل النزاع الدبلوماسي سنة 2018.

وتفسر هذا القلق، المحللة بمعهد إلكانو الملكي في مدريد، إيلك تويغور، التي قالت في تصريحاتها لفاينانشال تايمز، إن “تركيا تنوع من شركائها في الأمن والدفاع ولكن ليس في الاقتصاد. لذلك، إذا أضرت بالعلاقة التي تجمعها مع الغرب بسبب مصالحها الأمنية أو تحركاتها من جانب واحد، فإنها ستخاطر بأن تتحول إلى طرف ضعيف على الصعيد الاقتصادي”.

7