العراق مهدد بجني أشواك الإذعان لإملاءات إيران

تداعيات باهظة الثمن تنتظر الاقتصاد العراقي بعد مصادقة البرلمان العراقي على قرار طرد القوات الأميركية وتطور التهديدات الأميركية بفرض عقوبات خطيرة.
الثلاثاء 2020/01/14
البقاء أو انهيار الاقتصاد

بغداد - تقود الخيارات السياسية التي انتهجتها السلطة في العراق وتحديدا البرلمان الذي صادق مؤخرا على قرار يقضي بطرد القوات الأميركية، البلد إلى أزمة جديدة قد تؤول بالنهاية إلى انهيار اقتصادي تام.

وباتت بغداد مهددة بجني أشواك مواقفها التي توصف بأنها ناتجة عن إملاءات إيرانية هرول على إثرها البرلمان للمصادقة على قانون يقر بطرد القوات الأميركية بعد مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في مطار بغداد الدولي رغم علمه بأن مثل هكذا قرار ستكون له تداعيات باهظة الثمن.

وتطورت التهديدات الأميركية بفرض عقوبات خطيرة من مجرّد التغريدات التي يطقلها دونالد ترامب إلى إعلام رسمي أبلغ به رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي الذي قيل له إن واشنطن تعتزم تجميد حسابات مصرفية في الولايات المتحدة.

وأعرب مسؤولون عراقيون عن خشيتهم من انهيار اقتصادي إذا فرضت واشنطن عقوبات سبق أن لوحت بها، منها تجميد حسابات مصرفية في الولايات المتحدة تحتفظ فيها بغداد بعائدات النفط التي تشكل 90 في المئة من ميزانية الدولة.

وغضب الرئيس الأميركي بعد تصويت البرلمان العراقي في الخامس من يناير الحالي على إخراج القوات الأجنبية من البلاد، ومن ضمنهم نحو 5200 جندي أميركي ساعدوا في دحر تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014.

وقال مهددا إنه إذا طُلب من الجنود المغادرة “فسنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل”.

ويقول مسؤولان عراقيان إن الولايات المتحدة سلمت بعد ذلك رسالة شفهية غير مباشرة استثنائية إلى مكتب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.

وصرح أحد هذين المسؤولين بأن “مكتب رئيس الوزراء تلقى مكالمة تهديد بأنه إذا تم طرد القوات الأميركية فإننا (الولايات المتحدة) سنغلق حسابكم في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك”.

ووتأسس حساب البنك المركزي العراقي في الاحتياطي الفيدرالي في عام 2003،بعد الغزو الأميركي الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين.

وبموجب القرار رقم 1483 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي رفع العقوبات الدولية المشددة والحظر النفطي المفروض على العراق بعد غزو صدام حسين للكويت، فإن جميع عائدات مبيعات النفط العراقي تذهب إلى ذلك الحساب.

Thumbnail

والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويعتمد بأكثر من 90 في المئة من ميزانية الدولة التي بلغت 112 مليار دولار في 2019، على عائدات النفط.

وتُدفع العائدات بالدولار في حساب الاحتياطي الفيدرالي يوميا، ويبلغ الرصيد الآن حوالي 35 مليار دولار، بحسب ما أكد مسؤولون عراقيون لفرانس برس.

ويدفع العراق كل شهر تقريبا ما يتراوح بين مليار وملياري دولار نقدا من هذا الحساب، للمعاملات الرسمية والتجارية.

ويقول المسؤول العراقي الأول “نحن دولة منتجة للنفط، وهذه الحسابات بالدولار. تجميدها ومنع الوصول إليها يعني إغلاق الحنفية تماما”.ويشير الثاني إلى أن ذلك سيعني أن الحكومة لن تستطيع القيام بالأعمال اليومية أو دفع الرواتب، وأن قيمة العملة العراقية ستهبط.

ويضيف أن “هذا سيعني انهيار العراق”.ويؤكد مسؤول عراقي رفيع المستوى أن الولايات المتحدة تدرس تقييد الوصول إلى النقد إلى نحو ثلث ما يرسلونه عادة.

ورفض الاحتياطي الفيدرالي التعليق على تهديد ترامب. لكن مسؤولا في وزارة الخارجية الأميركية أكد أن إمكانية تقييد الوصول إلى حساب الاحتياطي الفيدرالي “أثيرت” مع العراق بعيد التصويت.

ويقول المسؤول “يمكنكم أن تتخيلوا لماذا إذا تم طرد القوات، قد تشعر المصارف بالقلق حيال إرسال الكثير من الأموال إلى بغداد”.

لكن التهديد الأميركي لا يزال غير عادي إلى حد كبير، إذ من المفترض أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستقلا عن السياسة الخارجية.

ويضيف المسؤول في الخارجية الأميركية أن “محاولة تسييس شحنات الدولارات تثير قلق المصرف لأنها تؤثر على مكانته ونزاهته في التعامل مع العملاء”، معتبرا أنه “من الواضح أن ترامب مستعد لتسييس كل شيء”.

ونظرت واشنطن في هذا الإجراء منذ أشهر، إذ قال دبلوماسي أميركي رفيع في السفارة الأميركية ببغداد في يوليو إن الولايات المتحدة تدرس “الحد من تدفق الأموال إلى العراق”.

وأضاف هذا الدبلوماسي حينها “سيكون هذا هو الخيار النووي (الضربة القاضية)”.

عادل عبدالمهدي تلقى تهديدا بأنه إذا تم طرد القوات الأميركية فإن واشنطن ستغلق حساب العراق في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك

وقبل تصويت البرلمان العراقي، حذر رئيسه محمد الحلبوسي من أن العالم قد يتوقف عن التعامل مع المصارف العراقية ردا على هذه الخطوة.

ويمكن تجميد حساب الاحتياطي الفيدرالي للمصرف المركزي العراقي من خلال وضع هيئة حكومية في القائمة السوداء، مما سيقيد على الفور وصول بغداد إلى الدولارات.

وسبق للولايات المتحدة أن فرضت عقوبات على مواطنين عراقيين وفصائل مسلحة وحتى مصارف لها صلات بإيران.

لكنها لم تقترب من عائدات النفط. وقال مسؤولون سابقون إن خطوة مماثلة ستكون مضرة للغاية بدولة تعتبر حليفة للولايات المتحدة.

لكن العلاقات تدهورت في الآونة الأخيرة، مع إصابة واشنطن بإحباط من تحالف العراق مع إيران، والهجمات الصاروخية المتكررة على المصالح الأميركية التي حملت واشنطن فصائل عراقية موالية لطهران، مسؤوليتها.

وشهدت العلاقات بعد ذلك ضربة قوية مع اغتيال سليماني والمهندس، ما اعتبره العراق انتهاكا لسيادته.

ويشير مسؤولون أميركيون وعراقيون إلى أن الولايات المتحدة تدرس أيضا خيارات أخرى أقل إثارة للوضع.

ومن بين تلك الخيارات هو أن ترفض واشنطن تجديد الإعفاء المؤقت الذي منحته للعراق في 2018، والذي يسمح لبغداد باستيراد الغاز من إيران لتغذية شبكة الكهرباء المدمرة، رغم العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني.

وفي حال لم تجدد واشنطن الإعفاء في فبراير، فإن المصرف التجاري العراقي، الذي يشتري الغاز، قد يواجه عقوبات ثانوية للتعامل مع كيانات إيرانية مدرجة في القائمة السوداء.

ويقول مسؤولون عراقيون إن التهديد الأميركي المتمثل في منع الوصول إلى عائدات النفط، قوبل بالصدمة والغضب وعدم التصديق تقريبا. وقال أحد المسؤولين “كان رئيس الوزراء غاضبا ويشعر بالإهانة”.

6