شبح إلغاء مشروع قناة إسطنبول يحاصر أردوغان

يواصل رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو إظهار منافسته الشرسة لكل أحلام الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك من خلال تجديد تأكيده، الثلاثاء، على أن مشروع قناة إسطنبول الذي يحلم بإنشائه أردوغان هو بمثابة إهدار للمال العام، وذلك في تأكيد لمواقف المنتقدين له بأنه سيزيد في مديونية تركيا وبأنه سيفيد فقط رجال الأعمال المقربين من الرئيس.
إسطنبول – يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه مصمم على إنجاز مشروع قناة إسطنبول. لكن يبدو أن محاولاته لتحقيق حلمه بالمضي قدما في تنفيذ مشروع قناة إسطنبول ستواجه العديد من المطبات وقد تطيح المعارضة بهذا المشروع لاسيما بعد تقدم رئيس بلدية إسطنبول بطلب لإلغائه.
واصطدم حلم أردوغان بحفر قناة في إسطنبول مشابهة لقناتي السويس وبنما، بمعارضة شرسة من رئيس البلدية الجديد الذي يكرس نفسه منافسا رئيسيا له بشكل متزايد.
قطع الطريق أمام أردوغان
اعتبر أكرم إمام أوغلو عضو حزب المعارضة الرئيسي ورئيس بلدية إسطنبول، الذي انتخب في عام 2019، أن المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 11 مليار يورو، يشكل هدرا وله تبعات كارثية على البيئة وسيزيد من مخاطر الزلازل.
وكان إمام أوغلو قد قال في وقت سابق إن “قناة إسطنبول مشروع إجرامي”، وأطلق حملة بعنوان “إمّا القناة وإمّا إسطنبول” معلنا انسحاب البلدية من مشروع البناء الذي وقعه سلفه. وأضاف “سنبذل قصارى جهدنا لمنع تنفيذ هذا المشروع”.
وفي عام 2011، عندما كان أردوغان رئيسا للوزراء، أُعلن عن بناء “قناة إسطنبول” التي ستربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، كأحد “المشاريع الجنونية” التي يعتزم الرئيس الحالي تنفيذها.
وأشرف أردوغان بالفعل على بناء نفق تحت مضيق البوسفور في إسطنبول، وعلى جسر عملاق وعلى مطار ضخم جديد. لكن مشروع القناة، التي يبلغ طولها 45 كيلومترا يبدو أكثر تعقيدًا.
منتقدو المشروع يعتبرونه نزوة من شأنها أن تزيد من مديونية تركيا، ويستفيد من المشروع رجال الأعمال المقربون من الرئيس
ويعتبر منتقدوه أن المشروع “نزوة” من شأنها أن تزيد من مديونية تركيا، وسيستفيد من المشروع رجال الأعمال المقربون من الرئيس. وأصرّ أردوغان، الاثنين “سنبني هذه القناة، سواء شاؤوا أم أبوا”، في وجه انتقادات رئيس بلدية إسطنبول.
وصرح “سننجز مشروع قناة إسطنبول وفق مبدأ الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية، أو عبر ميزانيتنا، فتركيا لديها القدرة على إنجاز هذا المشروع بإمكاناتها الذاتية”. وفي عام 2018، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن البدء بمشروع إنشاء قناة “إسطنبول” الملاحية، والتي ستكون رديفا لمضيق البوسفور التركي.
وقال أردوغان خلال المؤتمر العام لحزب “العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة حينها، إن “طول الممر المائي الجديد يبلغ 43 كيلومترا، كما ستنشأ مدينتان حديثتان على ضفتيه.. المشروع هو الأضخم في تاريخ تركيا، وسيقدم خدمة استراتيجية للبلاد”. وبين أن المشروع سيخفف من عبء الملاحة البحرية في مضيق البوسفور.
يذكر أن مشروع “قناة إسطنبول المائية”، والتي أطلقت الحكومة التركية عليه اسم “المشروع العظيم”، هو عبارة عن مضيق صناعي، يصل البحر الأسود ببحر مرمرة، بهدف تخفيف حركة الملاحة البحرية في مضيق البوسفور، والضغط الكبير لحركة المرور على الجسرين المعلقين على المضيق.
ووفقا للمعلومات الأولية، فإن طول القناة يبلغ ما بين 40 إلى 45 كيلومترا، وعرضها على السطح يتراوح ما بين 140 و150 مترا، بينما عرض القاع يصل إلى 125 مترا، بعمق 25 مترا.
وتوقف العمل بمشروع القناة اعتبارا من عام 2018، وهو العام الذي شهد صعوبات اقتصادية. ويرى الخبراء أن أسباباً سياسية دفعت أردوغان لوضع هذا المشروع على جدول الأعمال.
ويقول الأستاذ في جامعة بيلكنت في أنقرة بيرك ايسن “إنه يحاول إبقاء مواضيع النقاش تحت السيطرة” و”تحدي أكرم إمام أوغلو، الذي ارتفعت شعبيته بشكل كبير منذ فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة”، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يكون “خطأ استراتيجيا كبيرا”. وأوضح “أعتقد أنه سيكون من الصعب على الرئيس التركي تسويق هذا المشروع نظرا للوضع الاقتصادي في تركيا”.
ووافق إمام أوغلو، الذي غالبا ما يعتبره المراقبون منافسا محتملا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية لعام 2023، “بحنكة ثاقبة” على خوض التحدي ويجهد لـ”تسييس هذا الموضوع لحشد الدعم، في إسطنبول وفي سائر أنحاء البلاد”، وفق الأستاذ الجامعي.
مصالح ضيقة

تؤكد الحكومة أن القناة ستكون عامل جذب لإسطنبول كما أنها ستؤدي إلى تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور، وهو من أكثر مضائق العالم ازدحامًا.
وشدد إمام أوغلو على أن الحكومة لا يمكنها ببساطة تجاهل حججه “أنا رئيس بلدية إسطنبول. المشروع الذي أعارضه ليس في كاليفورنيا”.
وتتهم المعارضة التركية أردوغان بإعداد مشروع في غرف مظلمة معتبرة أنه بمثابة ممر مائي سيربط البحر الأسود وبحر مرمرة، شمال غرب إسطنبول.
ويضيف أوغلو في هذا الصدد “لقد جئت إلى هنا للاعتراض على تقرير تقييم الأثر البيئي لإنشاء الممر المائي من أجل حماية حقوق 16 مليون مواطن (في إسطنبول)”. ومساء السبت، قبلت لجنة “قناة إسطنبول” التقرير النهائي لتقييم “الأثر البيئي” لإنشاء القناة الاصطناعية، التي يقول الرئيس رجب طيب أردوغان، إنها ستخفف التكدس المروري وستمنع الحوادث في مضيق البوسفور الذي يشق المدينة وهو أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم.
وأضاف إمام أوغلو أنه “لا يمكن تحضير خطط المشروع خلف أبواب مغلقة”. وانتقد وزارة البيئة والتحضر “لعدم الاستماع إلى المنظمات غير الحكومية والأكاديميين”، كما قال.
وذكر أن هذه المنطقة الجغرافية التي توحد قارتين (أوروبا وآسيا) فريدة من نوعها، مدعيا أن القناة ستجذب أكثر من مليون شخص إلى العاصمة المكتظة بالفعل.
ويعارض رئيس بلدية إسطنبول الكبرى مشروع شق القناة وحدد، قبل أيام، 15 سببًا يرى أنها كافية للعدول عن المضي قدمًا في المشروع الذي أعلن الرئيس أردوغان أن بلاده ستطرح مناقصة بشأنه وتباشر تنفيذه “في أقرب وقت”.
وقال وزير البيئة والتعمير مراد كوروم مؤخراً، إن عملية إعداد تقرير الأثر البيئي حول مشروع القناة كانت شفافة للغاية. لكن أعضاء في البرلمان من أحزاب المعارضة وخبراء بيئة يقولون إن تقرير التأثير البيئي للقناة، وهو خطوة أساسية لأي مشروعات ضخمة للبنية التحتية، لا يتصدى بشكل كاف لجميع المشاكل التي يمكن أن تترتب على إقامة القناة.
وقال كوروم في مؤتمر صحافي في العاصمة أنقرة في الـ26 ديسمبر “كان تقرير تقييم الأثر البيئي لمشروع قناة إسطنبول من أكثر العمليات شفافية وحضورًا جيدًا”.
ومن المقرر أن تربط قناة إسطنبول المزمع إنشاؤها على الأطراف الغربية لأكبر مدينة في تركيا بطول 45 كيلومترا، بين البحر الأسود شمالا وبحر مرمرة جنوبا.
وينفي المناهضون لخطط أردوغان أن يكون لهذا المشروع أثر في القريب العاجل على إسطنبول، لكن الرئيس التركي يقول إن القناة سوف تقلل حركة المرور البحري المزدحمة في البوسفور إلى الصفر، لكي تعود إسطنبول إلى سابق عهدها، حيث سيؤدي المشروع إلى الحد من حوادث اصطدام ناقلات النفط وتسرّب حمولاتها إلى مياه المضيق والتداعيات البيئية المحتملة وبشكل يحمي الطبيعة البحرية والنباتية في مدينة إسطنبول ومحيطها.