العقد التركي الذي سيلحقه العار

الاقتصاد التركي يتراجع في ظل وجود أردوغان بمفرده في السلطة، في ظل تململ واستياء شعبي كبيرين من سياسات الحزب الحاكم.
الجمعة 2019/12/27
من يلجم أردوغان من السير بها إلى حافة الهاوية

في عام 2010، كان البعض يعتبر تركيا مثالا يحتذى به للاستقرار الاقتصادي والداخلي، حيث نجت تركيا من الأزمة المالية العالمية بشكل أفضل من معظم الدول الأخرى. كان هذا العقد مميزا لاسيما مع اقترابها من الاحتفال بالذكرى المئوية كدولة حديثة في عام 2023.

أنشأت تركيا عملية سلام مع المسلحين الأكراد وتمتع المدنيون الأكراد بمستوى غير مسبوق من الحقوق مع رفع القيود المفروضة على حقوق البث ولغات الأقليات، وتم افتتاح قناة “تي.آر.تي.سيس” الكردية الحكومية في عام 2009.

تم افتتاح ميدان تقسيم في إسطنبول لأول مرة منذ عقود للمتظاهرين بيوم العمال ولاتحاديي التجارة في عام 2010. وقالت منظمة العفو الدولية، “إن التعديلات الدستورية منحت حق المفاوضة الجماعية لموظفي القطاع العام”، ووصفتها بأنها تحول كبير نحو حقوق العمال.

ومنذ عقد من الزمان، بدأت أنقرة في التمتع بالعلاقات القوية التي عملت بجد لتطويرها مع مجموعة من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الهامة (باستثناء إسرائيل، في أعقاب غارة شنتها إسرائيل على أسطول تركي كان متجها إلى غزة).

وفي عام 2009، وقعت تركيا اتفاقية لفتح العلاقات الدبلوماسية مع أرمينيا. ومع تولي عبدالله غول منصب رئيس الجمهورية ورجب طيب أردوغان كرئيس للوزراء مدعومين بأسطول من السياسيين المحليين ذوي الأيديولوجية المتحمسين المنتشرين في الأناضول، بدا المستقبل جيدا.

وبحلول عام 2013، أصبحت إسطنبول وغيرها من المدن في تركيا بمثابة ملاذ للآلاف من السوريين الفارين من الاضطهاد السياسي وغيره من أشكال الاضطهاد.

وفي شوارع حي بيوغلو في إسطنبول، بكى الأكراد السوريون علانية عند سماع الأغاني التقليدية، المحظورة في وطنهم الأم، والتي يتم عرضها في الأماكن العامة للمرة الأولى. وتجمع المثقفون السوريون في المقاهي وهم يحلمون بمستقبل ديمقراطي لوطنهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت تركيا تغييرا هائلا من خلال بناء مشاريع البنية التحتية بقيمة المليارات من الدولارات. وكان حزب العدالة والتنمية، الذي حكم طوال هذا العقد، حزبا بنّاء، فقد قام ببناء مرافق جديدة للشعب، مثل القطارات والمساكن والجسور والمطارات والطرق السريعة، والتي من خلالها ضمن مقاعده في الانتخابات. ومع ذلك، فقد شهد النصف الأخير من العقد انزلاق تركيا في قبضة استبدادية لا يبدو أن هناك مخرجا منها.

لقد كان تدخل أردوغان المستمر في السياسات النقدية لتركيا هو ما جعل الليرة تفقد معظم قيمتها مقابل العملات الرئيسية.

فقد ساهمت السياسات الفاشلة في سوريا، بما في ذلك تمكين المتمردين، الذين تحولوا بحلول عام 2015 إلى متطرفين، عبر الحدود الجنوبية، في شن داعش لسلسلة من الهجمات في إسطنبول وأنقرة وأماكن أخرى في هذا العام. وعادت الحرب المستمرة منذ عقود مع الانفصاليين الأكراد والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين في جنوب شرق تركيا.

وبالإضافة إلى ذلك، تسبب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 في ظهور واحدة من أكثر حملات حقوق الإنسان انتشارا التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، حيث احتُجز مئات الآلاف من المعارضين للحكومة، حتى أن العديد منهم اعتُقل دون محاكمة.

واليوم، يتراجع الاقتصاد التركي، حيث في ظل وجود أردوغان بمفرده في السلطة، وفي ظل عدم قدرة قادة البلاد على منعه من السير بالبلاد، من قصره الذي يقدر بقيمة 615 مليون دولار، والذي يضم 1100 غرفة في أنقرة، إلى حافة الهاوية، يبدو أن عزلته الدولية ستستمر. وبشكل غير معقول، يبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي أقل من 9 آلاف دولار، أي أقل بحوالي 1000 دولار عن عام 2010 وأقل بمقدار 3500 دولار مقارنة بعام 2013، وهو العام قبل تولي أردوغان الرئاسة.

وهذا يعني أنه على الرغم من توافر الرصيد بسهولة، فإن الأتراك اليوم يفقدون الربع عما كانوا عليه قبل عام من سيطرة أردوغان بالكامل على السياسة التركية. وهذا يدل على فشل حكومة الرئيس. وفي الشارع، يشعر الناس بالإحباط ويطلقون عبارات السخرية، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى إطلاق خطابات المؤامرة المستمرة في الصحف والتلفزيون والإذاعة، ولكن في الغالب بسبب نقص المال وتعثر الاقتصاد.

ويقول العديد من المراقبين إن المشكلات التي تسيطر على البلاد تعود إلى أحداث خارجة عن سيطرة تركيا، مثل الحرب في سوريا وما يترتب عليها من أزمة اللاجئين والانتقال العالمي الأوسع من الأسواق الناشئة من قبل المستثمرين.

ومع ذلك، تعتبر هذه العوامل بسيطة، ولاسيما وأن اللاجئين السوريين غذوا النمو الاقتصادي الكبير والتنمية في جنوب شرق تركيا وفي المناطق الأكثر فقرا في إسطنبول. لقد كان تدخل أردوغان المستمر في السياسات النقدية لتركيا هو ما جعل الليرة تفقد معظم قيمتها مقابل العملات الرئيسية.

وفي عام 2010، كان الحلفاء البارزون لأردوغان هم أحمد داود أوغلو وعبدالله غول وغيرهما من أصحاب الرؤية الذين غيروا كثيرا من السياسة التركية. واليوم، بينما يواصل الرئيس مهمته للاحتفاظ بالسلطة، أصبح هؤلاء أعداءه. يختبئ السوريون في إسطنبول هذه الأيام من الشرطة المكلفة بنقلهم إلى المناطق النائية التركية. وفي عام 2017، كتب الأكاديمي هاورد إيسنستات كيف أن “إحدى الحجج الأساسية التي عرضها الرئيس أردوغان من أجل توسيع صلاحياته من خلال الإصلاحات الدستورية هو أن زيادة مركزية السلطة ستزيد من الاستقرار. ومع ذلك، أثبتت تجربة السنوات العشر الماضية أن العكس هو الصحيح”.

وعلى الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن قاعدة شعبية كبيرة قد تكون سئمت من تصرفات الرئيس، إلا أن المعركة من أجل مستقبل تركيا لم تبدأ بعد، ويبدو أن الرؤية في السنوات العشر القادمة غير واضحة للغاية.

7