مذاق جبن الحلومي في قبرص يعبر الحدود والخلافات

السياسة في الجزيرة المنقسمة تعرقل حماية الذهب الأبيض من التقليد.
الخميس 2019/12/19
صناعة تقليدية تتطور

يحاول منتجو جبن الحلومي في قبرص اليونانية الحصول على علامة الجودة من الاتحاد الأوروبي “حماية المنشأ” لحماية منتوجهم من التقليد لكن مسعاهم يواجه صعوبات في ظل انقسام الجزيرة إلى جزء يوناني وآخر تركي، ما يعني أن بيع هذا الجبن بأسعار عالية قد يتأخر.

نيقوسيا –  يسمي مزارعو الألبان في قبرص جبن الحلومي بـ”الذهب الأبيض”، فهم يفتخرون بمكانة بلادهم الرائدة في تصدير الجبن المالح والمطاط المصنوع من حليب الماعز والأغنام والذي يمكن شواؤه دون ذوبان.

أمضت السلطات القبرصية سنوات في محاولة لحمل الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بجبن الحلومي كمنتج تقليدي للدولة الجزيرة الواقعة في شرق البحر المتوسط، فالحصول على علامة الجودة من الاتحاد الأوروبي، وهي “حماية المنشأ”، قد يعني أن جبن الحلومي الذي صنع في قبرص يمكن تسويقه إلى الخارج بهذا الاسم.

ويريد المزارعون والمنتجون في البلاد تسمية المنتج حصريا باسم قبرص حتى يتم منع صانعي الأجبان الرديئة في الدول الأخرى من مشاركتهم في حصة من سوقهم التي تزيد قيمتها على 200 مليون يورو (222 مليون دولار).

وفرة المنتوج
وفرة المنتوج 

ويقول المنتجون القبارصة إنه من المتوقع أن يصل الطلب من الخارج إلى مستويات قياسية جديدة في السنوات القليلة المقبلة، وذلك بفضل شعبية جبن الحلومي المتحمل للحرارة كبديل للحوم. ومع ذلك، فقد أعاقت السياسة المعقدة في قبرص المنقسمة عرقيا حتى الآن محاولة حماية اسم جبن الحلومي.وتكمن الصعوبة في الخلاف حول كيفية ترويج الجبن الذي يتم تصنيعه في الثلث الشمالي الانفصالي للبلاد بشكل قانوني للأسواق الخارجية، حيث أن الدولة القبرصية التركية يتم الاعتراف بها من قبل تركيا فقط، ولا يمكن تصدير البضائع المنتجة هناك بشكل مباشر.

وانضمت قبرص اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، لكن قواعد ولوائح الاتحاد الأوروبي لا تنطبق إلا على الجزء الجنوبي من القبارصة اليونانيين من الجزيرة بقيادة حكومة معترف بها دوليا.

واتهم عضو قبرصي في البرلمان الأوروبي اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي بعدم تطبيق قانون “حماية المنشأ” لجبن الحلومي حتى الآن.  

وكان جبن الحلومي على وشك الحصول على حق جغرافي حصري وسط ضجة كبيرة في عام 2015، عندما أعيد إطلاق مفاوضات بين القبارصة اليونانيين والأتراك المتنافسين مليئة بالأمل في إبرام صفقة لإعادة توحيد الجزيرة كاتحاد يتكون من منطقتين.

وتم التوصل إلى حل توفيقي من خلال هيئة “بيرو فيريتاز”، وهي هيئة أوروبية تصادق على المنتجات الغذائية والزراعية، لإجراء فحوصات على جبن الحلومي الذي يتم إنتاجه في منطقتي الانقسام العرقي لضمان استيفائه لمعايير الصحة والسلامة في الاتحاد الأوروبي. لكن محادثات السلام انهارت في نهاية المطاف، وتراجع تنفيذ هذه الخطة منذ ذلك الحين. 

جبن الحلومي يجب أن يحتوي على ما لا يقل عن 51 بالمئة من حليب الأغنام والماعز وفق وصفة يعود تاريخها إلى حوالي 500 عام

وتقول الحكومة القبرصية إن الاتفاقية توقعت تصدير جبن الحلومي من قبرص التركية إلى الأسواق الأوروبية من خلال الموانئ الأوروبية المعترف بها الواقعة في الجنوب. وتعد بريطانيا والسويد وألمانيا حاليا من أهم ثلاثة أسواق تستورد جبن الحلومي من قبرص اليونانية.

 السلطات القبرصية التركية تقول إن ما قيل غير صحيح، وتتهم القبارصة اليونانيين بعرقلة جهود المفوضية الأوروبية لتمكين صادرات جبن الحلومي من شمال الجزيرة.

 وقال رئيس غرفة التجارة القبرصية التركية، تورغاي دينيز “يجب أن يكون المنتجون القبارصة الأتراك قادرين على تصدير جبن الحلومي. لا ينبغي أن يقتصر الأمر على التداول عبر (خط التقسيم) وعبر الموانئ في الجنوب”.

ووفقا لدينيز، فإن 13 من منتجي جبن الحلوم القبارصة الأتراك يصدرون ما تقرب قيمته من 30 مليون يورو (33 مليون دولار) من الجبن إلى تركيا ودول الخليج.

وتقول وزارة الزراعة القبرصية إنها تعتزم مواصلة الضغط من أجل الحصول على العلامة الحصرية و”حل المشكلات المتبقية المتعلقة بتسجيل جبن الحلومي قريبا لصالح جميع المنتجين القبارصة”.

وتقول المفوضية الأوروبية إنها على اتصال بالحكومة القبرصية والقبارصة الأتراك “لضمان الحصول على نتيجة”، لكن عضو البرلمان الأوروبي القبرصي كوستاس مافريديس يقول إن المفوضية تتبع نهجا “تعسفيا” من خلال تعطيل موافقتها على منح علامة “حماية المنشأ” للجبن، مضيفا، لا يوجد سبب قانوني لعدم حصول الجبن على هذا التصنيف.

ويحث مافريديس الحكومة القبرصية على إحالة الأمر إلى محكمة العدل الأوروبية حتى يحصل جبن الحلومي على التصنيف المطلوب.

وتدعم منظمات المزارعين بشكل كامل حملة الحكومة التي تطالب بتصنيف الجبن. وبالنسبة إلى جبن الحلومي، ومن أجل ضمان الحصول على التصنيف، يجب التوافق مع توجيهات حكومة قبرص، بأنه يجب أن يحتوي على ما لا يقل عن 51 بالمئة من حليب الأغنام والماعز.

ويتماشى ذلك مع الوصفة القبرصية التقليدية التي يعود تاريخها إلى حوالي 500 عام عندما كانت الأبقار سلعة نادرة، لكن الآن، يتم تصنيع أغلب الجبن من حليب البقر.

 ويحذر رئيس جمعية صناعة الجبن جورج بيترو من أن أكثر من ثلث الأسر القبرصية البالغ عددها 13 ألف أسرة التي تعمل بمجال تصنيع الجبن سوف تجد نفسها عاطلة عن العمل، إذا لم يتمكنوا من استخدام حليب الأبقار في تصنيع الجبن. ويقدر بيترو أن صادرات الجبن ستنخفض إلى النصف على الأقل، حيث سينخفض ​​الإنتاج بسبب النقص الحالي في حليب الأغنام والماعز.

جودة عالية
جودة عالية 

ويقول بيترو “بدلا من ذلك يريد مصنعو الجبن من السلطات أن تتبع تحديدا الأصل الجغرافي بقواعد أكثر مرونة بشأن مقدار حليب البقر الذي يمكن استخدامه”، مضيفا لصحيفة “أسوشيتيد برس” “بصفتنا مصنعي جبن، نريد حلا لا يقلل من الصادرات أو يؤدي إلى فقدان الوظائف”.

وترى جمعيات الصناعة الأخرى ثغرات في هذه الحجة، يقول ميشاليس ليتراس، رئيس اتحاد “باسيبريان” للمزارعين، إن رفض فكرة استخدام حليب بقري سوف يجعلنا نخسر الفوائد الطويلة الأجل التي ستوفرها علامة “حماية المنشأ” الأوروبية التي سيحصل عليها مصنعو الجبن القبرصي. ومن شأن التصنيف الجغرافي أن يحمي المنتجين المحليين من المنافسين الأجانب الذين قد يستخدمون حليب الأبقار الأرخص، وربما المدعوم من الحكومة، في صناعة الحلومي.

إن تصنيف “حماية المنشأ” لن يحول دون إيجاد حلول تعالج مخاوف مصنعي الجبن، مثل تسويق جبن الحلومي المصنوع في معظمه من حليب البقر تحت اسم مختلف، قال ليتراس “لا يمكننا التضحية بتلك الفوائد طويلة الأجل لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل”.

وقال تاكيس كريستودولو، رئيس حركة المزارعين الجدد، إن المحتوى العالي من حليب الأغنام والماعز يجذب المستهلكين الأوروبيين المهتمين بالصحة، والذين يساعدون في زيادة مبيعات جبن الحلومي. ويعارض كريستودولو قول إن الإيرادات من صادرات الجبن ستنخفض بشكل حاد كما ادعى بيترو. قال إنه في حين قد يكون هناك انخفاض في صادرات الجبن، فإن الحلومي الحاصل على علامة “حماية المنشأ” سيتم بيعه بأسعار أعلى في الأسواق الخارجية، مضيفا “هذا هو المنتج الطبيعي لقبرص، ولا يمكننا إلا أن نفخر به”.

20