سقوط الإخوان دوليا بعد سقوطهم عربيا
الدول الغربية تفتح الآن ملف النشاطات الإخوانية على أراضيها بعد ما رشح أن بريطانيا تستعد لحظر جماعة الإخوان. والإخوان، الذين عولوا على الغرب وملاجئه لعقود من الزمن واعتبروه ظهرا بديلا للظهر العربي، أصيبوا، تبعا للنوايا البريطانية المتوقعة، بالجنون والتخبط إلى درجة أن أحد قادتهم إبراهيم منير، المقيم في لندن، هدّدَ بأن حظر الجماعة في بريطانيا سيزيد احتمال تعرضها لهجمات إرهابية.
وهذا يعني أن الإخوان يعترفون بممارستهم للإرهاب مباشرة أو عن طريق وسطاء. ويعني، من جانب آخر، أن ورقة التوت التي يسترون بها عورة (الإرهاب) أمام الغرب قد سقطت، إذ ليس أكثر وضوحا من قول منير في تصريحه لصحيفة «التايمز» أنه إذا وقع «الحظر على الجماعة، فإن هذا سيدفع كثيرين في مجتمعات مسلمة إلى الاعتقاد بأن قيم الإخوان لم تنجح، وأنهم جماعة إرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام الاحتمالات كافة».
ونتيجة هذا التصريح، الذي عدّته وسائل الإعلام وبعض الجماعات الإسلامية بعيدا عن الدبلوماسية، هي التأكيد على مجموعة من المؤشرات طالما أنكرها وجادل حولها الإخوان لينقذوا ما يمكن إنقاذه من سمعتهم وتهشم صورتهم لدى الشعوب العربية وغير العربية.
المؤشر الأول أن من يدير مصنع الإرهاب في مصر حاليا هو جماعة الإخوان التي تستثمر في المتطرفين والخارجين على القانون لتنفذ غاياتها في إرهاب المصريين وإجبارهم على العودة إلى حكم المرشد والجماعة، الذي أسقطته جموع أطياف الشعب المصري، بعد أن فشل في إدارة دفة البلاد وفي جمع كل المصريين على مبادئ ثورتهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وعلى وطنيتهم ووحدة هدفهم ومصيرهم.
وكلنا يعرف أن قرار اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية اتخذ في مصر، في ديسمبر الماضي، بعد الهجوم الذي راح ضحيته 11 شخصا إثر تفجير استهدف مبنى مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة. وقبل هذا الحادث وبعده لا تزال آلة الإرهاب الإخوانية تُمعن في حصد الأرواح من الأبرياء وضباط وجنود الشرطة والجيش.
والمؤشر الثاني أن إرهاب الإخوان كان يتهدد الدول العربية قاطبة، فالإخوان تاريخيا ينظرون إلى هذه الدول باعتبارها حدائق خلفية لمصر وينظرون إلى أتباعهم في هذه الدول باعتبارهم عمقا بشريا سيستخدم في الوقت المناسب لتنفيذ الأجندة السياسية المتفق عليها للجماعة، وهي الإمساك برقبة المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا ومن ثم، بعد التمكين، يمكن التحكم بمصائر شعوب هذه المنطقة بالطريقة التي يتحكم بها قادتها تاريخيا بأتباعهم ضمن مبدأ السمع والطاعة والانجرار الأعمى إلى أوهامهم في إعادة الخلافة الإسلامية إلى الحياة.
أما المؤشر الثالث فهو أن جماعة الإخوان، وقد حل بها من النكبات ما حل، تعقد النية على مواصلة وتيرة الإرهاب والتلويح به حتى في مناطق اللجوء الغربية التي احتضنتها لعقود. وهو ما يعني انحرافها إلى حافة اليأس، حيث يبدو أنها تقع الآن بين خيارين لا ثالث لهما؛ الموت الطبيعي أو الانتحار. وأظن أن الجماعة، بإرهابها في مصر، وبملفاتها السيئة في الدول العربية والخليجية، وبتهديداتها المبطنة لمصالح الغرب وفتح عواصمه على كل الاحتمالات الإرهابية، اختارت أن تنتحر، إذ لن يتبقى لها، سوى قطر الملتبسة في أجندتها الغربية الأميركية، وتركيا التي ستبيعها عند أول مساومة غربية تحقق مصالحها.
وإذا اختارت جماعة الإخوان، في ظل الرفض العربي والغربي لوجودها، أن تدخل إلى الملعب الإيراني فلن تكون في هذا الملعب سوى ورقة خاسرة على الصعيدين: العربي القومي والإسلامي السني. وتكون في هذه الحالة قد غيرت مكان الانتحار ولم تنج منه، فالعرب اليوم، حتى قبل أن تظهر لهم لعبة إخوانية إيرانية علنية، يصنفون الإخوان مع الإيرانيين كأعداء يتربصون بهم وبدولهم، ويطالبون باتخاذ أقصى درجات الحذر والحيطة السياسية والأمنية من الطرفين.
وتبعا لكل هذه المؤشرات فإنه ليس أمام جماعة الإخوان، إن أرادت تجنب الموت، سوى السير على نهج الجماعة الإسلامية التي أجرت مراجعاتها الشهيرة في الثمانينات وأوقفت كافة أعمالها القتالية ضد الدولة والمجتمع لتتحول، عدا بعض شظاياها، إلى عنصر فاعل في الإصلاح السياسي والاجتماعي في مصر. بل إن هذه الجماعة شكلت في مصر وغيرها، بعودة العقل إلى قادتها، اختراقا لعائلة العنف الإسلامية حين تناولت مراجعاتها الفكر الجهادي وقربه أو بعده من الأسس الشرعية على أساس ما يعرف بفقه المراجعات.
وإذا لم تقم جماعة الإخوان بهذه المراجعات الآن فمن المؤكد أنه لن تكون لديها فرصة أخرى بعد أن تكون ماتت ودفنت. وهذا ما يطرحه بعض قراء الواقع الإخواني، الذين يعتبرون أن هذه الجماعة خسرت تاريخها وأصدقاءها وحاضرها المصري والعربي. وأن ما تعيشه هو مجرد فترة احتضار قد تطول أو تقصر بعض الشيء. وما سيعجل بدفنها هو رفع اليد الغربية عن وجودها. وهو ما سيحدث قريبا ابتداء من بريطانيا وصولا إلى كل دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحالة سيعود الأميركيون مع حلفائهم الكبار في أوروبا إلى حسابات الربح والخسارة التي يجيدونها والتي أحرقت تاريخيا- تبعا للمصالح الأميركية الثابتة- أنظمة وجماعات أذكى وأهم من الإخوان بكثير. ووقتها سيعرف بعض أهل الهوى الإخواني، في الدول الخليجية والعربية، أنهم راهنوا على حصان خاسر، حيث لم يكن الأمر يستحق أن يكفروا بأوطانهم ويهددوا استقرارها لحساب جماعة لا تحفل سوى بمجدها ومكاسبها السياسية ومغانمها الفئوية.
كاتب سعودي