المواطنة في العراق "الديمقراطي التعددي الفيدرالي" منتهية الصلاحية
بعد خدمة في الدولة العراقية تجاوزت العقدين، وعمل في ميدان الصحافة تجاوز الأربعة عقود، اكتشفت يوم السبت الماضي أن مواطنتي العراقية “منتهية الصلاحية” بسبب انتهاء مفعول جواز سفري العراقي. أي إن مواطنتي انتهت صلاحيتها لأنني لا أملك جوازا نافذ المفعول، ولا وثيقة أصلية من الوثائق المطلوبة للانتخابات، فكل ما عندي هي صوَر لوثائقي باستثناء الجواز الأصلي الذي مدّدته آخر مرة في عمّان عام 2004 وألغي العمل به فيما بعد.
بدأت الحكاية حين دُعينا يوم السبت 5 أبريل لحضور ندوة في مدينة لندن أونتاريو الكندية برعاية السفير العراقي في كندا الدكتور عبدالرحمن الحسيني، ومدير مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات السيد محمد ضرغام، للاستماع إلى تفاصيل تتعلق بالانتخابات المزمع إجراؤها نهاية هذا الشهر. فقد وُزّعت على الحضور ورقة ثبتت فيها المستمسكات الواجب توفرها لدى الناخب العراقي في كندا، وأولها جواز السفر العراقي.
وقد فوجئت بعبارة (نافذ المفعول) أمام الجواز، وحددت أصناف الجواز في الفقرة (A,D,E,G) وهو ما لم يكن موجودا في الانتخابات الماضية.
وبعد أن ألقى السيد السفير- وهو بالمناسبة أول سفير عراقي يتجول في المدن الكندية التي تضم جاليات عراقية، وهذا يسجل له- كلمة قصيرة، تحدث مدير مكتب المفوضية العليا للانتخابات، مستعرضا سياقات عملية الانتخابات القادمة، وحين بدأ الرجل بسماع الأسئلة من الحضور سألته عن عبارة (نافذ المفعول) الملحقة بالجواز، فأجابني بأن هذه هي التعليمات المركزية من المفوضية وأن هذه هي (المعايير الدولية).
والذي أعرفه ويعرفه الجميع أن الوثائق الصادرة في العهد السابق أكثر دقة من الوثائق التي صدرت بعد عام 2003 لأن النظام الدكتاتوري كان متشددا فيما يتعلق بقضايا التزوير التي كانت تصل أحكامها إلى الإعدام، أما حكومات ما بعد الاحتلال فيشهد أركانها بأن التزوير وصل إلى أعلى المستويات في الدولة وقد اعترف صالح المطلك نائب رئيس الوزراء في لقاء له مع قناة العراقية قبل أسابيع بأن هناك تأكيدات على أن أعلى نسبة تزوير موجودة في وزارتي الداخلية والعدل، بل إن هناك خبراء أكدوا حين تغيير وثائق شهادة الجنسية والأحوال المدنية بعد عام 2003 بأن الهدف من وراء التغيير كان منح هذه الوثائق لمن لا تنطبق عليه شروط حيازتها للتلاعب بـ”ديمغرافية البلد”.
أنا واحد من مئات، إذا لم نقل آلاف العراقيين الذين لا يملكون جواز سفر نافذ، وإن عدم تجديد هذا الجواز في سفارات الدول التي يقيمون فيها سببه عدم امتلاكهم للوثائق الأصلية المطلوبة لإصدار جواز جديد، مثل هوية الأحوال المدنية- شهادة الجنسية العراقية- التي فقدوها في رحلة الهجرة التي امتدت لسنوات طويلة، أو بعد مكان إقامتهم عن مقار هذه السفارات مما يحمّلهم تكاليف مالية كبيرة، كما أنهم يترددون من العودة إلى العراق لاستخراج وثائق بديلة، لأن الإجراءات قد تطول لأسابيع طويلة بسبب البيروقراطية والفساد الذي يعترف به أركان ما يسمى بالعملية السياسية أنفسهـم. هذا إذا لم يتعرض المواطن القادم من الخارج للاختطاف أو الموت بانفجار إرهابي، أو عبوة ناسفة تصفية لمواقف سياسية لا تعجب هذا الطرف أو ذاك من الأطراف الميليشيوية المتنفذة.
إن الجواز العراقي القديم هو وثيقة صادرة من الدولة العراقية تؤكد هوية حاملها الذي استخدمها في سفرات متعددة، مما يؤكد صحتها، وبالإمكان تدقيقها أيضا (أي إنه يستخدم في هذه الحالة للتعريف وليس للسفر الذي يشترط نفاذه). وقد اعتمد الجواز القديم للتعريف فعلا في الانتخابات السابقة واعتبرت النسخ المصورة من شهادة الجنسية العراقية وهوية الأحوال المدنية وثائق ساندة لهذا الجواز، فلماذا اشتراط نفوذيـة الجـواز في هـذه الانتخابات؟ وما هو الهـدف مـن ذلـك؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءهـا.
هل يتحول المواطن العراقي إلى “منتهي الصلاحية” بنظر المفوضية إذا لم يجدد جواز سفره القديم بسبب الفوضى السائدة في وطنه الأم، والتي تمنعه من استخراج أوراقه المفقودة المطلوبة لتجديد هذا الجواز؟
لست متحمسا إلى درجة كبيرة للانتخابات لأنني أعرف مسبقا أن نتائجها- مهما كانت- لن تغير شيئا، لأن القرار النهائي سيكون لسلطة “الانتداب” غير المعلن، وأن من سيقرر اسم رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هو قاسم سليماني وليس الشعب العراقي، وهذا ما أستنتجه كمتابع لأحاديث أقطاب العملية السياسية البائسة حين تحاورهم الفضائيات عن أسباب فشل اتفاقية أربيل، وإفشال عملية سحب الثقة من “أفشل” رئيس وزراء في تاريخ العراق نوري المالكي، حين يؤكدون بأن التوافق الأميركي- الإيراني هو سبب جميع العراقيل، وأن إيران تتدخل في كل مفاصل الدولة العراقية، ولكنني أرفض أن تصبح مواطنتي منتهية الصلاحية في شروط المفوضية .
قبل حوالي سنة حوّلتني نقابة الصحفيين العراقيين التي أحمل عضويتها منذ عقود، والتي عملت في صفوفها لسنوات طويلة منها (عضوية مجلس النقابة) لدورتيين متتاليتين، إلى صحفي (منتهي الصلاحية) حين رفضت تجديد هويتي النقابية لأن السيد النقيب قال لبعض من فاتحه بالأمر إنني أهاجم النقابة في كتاباتي، واليوم تُحَوِّل مفوضية الانتخابات بتعليماتها مواطنتي إلى (مواطنة منتهية الصلاحية) لأنني لم أجدد جواز سفري ولم استخرج وثائق بديلة لوثائقي المفقودة التي أملك صورها.
ويبدو أن كل شيء في العراق “الديمقراطي”، “التعددي”، “الفيدرالي” قابل لأن يصبح (منتهي الصلاحية)، وكل انتخابات وأنتم بخير.
صحفي عراقي مقيم في كندا