نبل معلم بريطاني ووحشية حركة الشباب المتطرفة

السبت 2014/04/05

نشرت صحيفة ديلي ميل البريطانية، مؤخّرا، قصة مذهلة عن معلم بريطاني اسمه راي كو (53 عاماً) تبرع بإحدى كليتيه إلى تلميذته الصومالية الصغيرة المسلمة، علياء أحمد علي (13 عاماً). وصلني الخبر عبر البريد الإلكتروني من قبل أحد الأصدقاء الذي طرح أيضاً في رسالته هذا السؤال: “كيف يا ترى ستفسر حركة الشباب الإسلامية هذا العمل ؟ وأضاف: “أمام الله، أليس من الأفضل إنقاذ حياة من قتل إنسان؟”.

وكان ردي على هذا التساؤل، بعد أن قرأت الخبر، كالآتي: “ربّما تفتي حركة الشباب بقتل الفتاة لأنها الآن تحمل عضواً من شخص كافر في جسدها”. وهذه ليست مبالغة حيث لا يتوقع الواحد أن يأتي ردّ أفضل من هذه الجماعة، التي جعلت من واجبها إطفاء شعلة الحياة وكلّ شيء جميل فيها.

ورغم إيماننا بنبل هذا العمل الذي قام به هذا المعلم الجليل، وذلك بالتبرع بعضو من أعضائه لهذه الفتاة المسلمة، إلاّ أن المنطق السليم يقول أيضا، أنّ هذا الفعل، هو ما ينبغي لنا أن نتوقعه من كل شخص تربى على القيم الإنسانية العظيمة وتعلم منذ طفولته معنى أن يكون الشخص طيباً وكريما مع إخوته من بني البشر.

يقول كو أنه بينما كان يفكر في التبرع، تذكر حكمة من الكتاب المقدس تقول: “ربما كنت قد ولدت لمثل هذا الوقت”، و قال أنه منذ تلك اللّحظة عرف أنه يجب أن يتخذ القرار الصائب.

نحن نعلم، ويعلم كل مسلم كذلك، أنّ القرآن مليء بالآيات والحكم التي تأمر المؤمنين بإنقاذ الحياة لا بإزهاقها، ومن هذه الآيات قوله تعالى: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…” «المائدة: 32»

ولكن النص هو مجرد نص ويعتمد على المتلقي، إما أن يستفيد منه ويطبقه كما ينبغي له أن يكون، وإما أن يفسره بطريقة معوجة. وبما أن هذه الحكمة من الكتاب المقدس حركت مشاعر المعلم البريطاني وعززت همته للقيام بهذا العمل النبيل، فإنه من المؤسف أن يصبح القرآن الكريم ضحية للانتهاكات الوحشية التي ترتكب في حقه من قبل الجماعات التي تدعي أنها تؤمن به وتدافع عنه.

هذا المعلم البريطاني أنقذ حياة هذه الفتاة المسلمة، ليس لأنه يريد أن يدلي ببيان، أو لأنّه كان يريد تصفية حسابات مع شخص ما، أو لأنه يريد أن يُظهر أن دينه أفضل من بقية الأديان، أو لأنه أراد أن يدعو الفتاة إلى تغيير دينها، أو لأنّه تصفح الكتاب المقدس في ليلته تلك واستيقظ في الصباح مع رؤية لتغيير العالم، أو لأنه يريد أن يخلق حيلة لاستقطاب وسائل الإعلام والاستحواذ على عناوين الصحف، ولكنّ الحقيقة هي أنّ هذا المعلم الذي يعمل منسقا للاحتياجات التعليمية الخاصة، فكر فقط فيما يمكن أن يفعله كإنسان للمساعدة في تخفيف معاناة علياء ووالديها، وقام بما رآه عملاً صائبا. وهذا ما أكدته مديرة المدرسة حينما قالت إنّ: “السيد كو، وبهذا العمل الإنساني النبيل وهذه التضحية، قام بما هو أبعد من نداء الواجب”.

وفي تناقض صارخ مع تعاليم القرآن، فإن أتباع حركة الشباب يستيقظون كل صباح مع خطة حول عدد الأرواح التي يريدون إزهاقها، لا عدد الأرواح التي يريدون إنقاذها؛ يقرؤون القرآن في الليل، وبعقولهم المشوشة، يأتون بتأويلات خاطئة تخدم مصالحهم الذاتية. وبالنسبة لهم فإن القرآن الكريم ليس كتابا مقدسا يهدف إلى تحسين الحياة، بل هم يرون أنّهُ بيانٌ للحرب. وفي حين قدم المعلم البريطاني هذه التضحية لإعطاء الحياة لفتاة صغيرة، وكسر كل جدران التقسيم، بما فيها الخلفية والدين ولون البشرة، فإن حركة الشباب وغيرها من الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي، تقوم كلّ يوم بذبح الأطفال والنساء والشيوخ وتفجير المدارس والمساجد والمطاعم. وبينما جلبت ابتسامة علياء الدموع لعيون المعلم البريطاني، فإنّ حزن الأمهات والأطفال الذين فقدوا ذويهم في هجمات حركة الشباب لا تجلب الدموع إلى عيون هؤلاء المنتمين إلى الحركة، ولكن بدلا عن ذلك فإنهم يصرخون بلا خجل “الله أكبر” ويرددون الآيات القرآنية .

وإذا خُيّرت بين أن أكون في صحبة عناصر حركة الشّباب وغيرهم من القتلة المتطرفين في سوريا وأفغانستان وباكستان ونيجيريا و مصر ودول أخرى أينما سيكون موضعهم في الآخرة، أو أن أكون في صحبة راي كو، المعلم البريطاني النبيل، فليس عندي شك في الطّرف الذي سأختار رفقته، وهذا هو ما اقتبسته من روح القرآن.


كاتب صومالي

9