الركض دون أحذية يحفز قوة الأربطة والمفاصل

الأحذية الرياضية تزيد الحمل على منطقة الحوض والمفاصل ولا تمنع تعرض العدائين للإصابات.
الأحد 2019/10/06
الركض حافيا ينشط جميع أجزاء القدم

بدأت ظاهرة الركض دون حذاء رياضي تتنامى في عدد من مناطق العالم. وفي الوقت الذي كان فيه الحفاة يتركزون أساسا داخل الدول الفقيرة أو في البلدان ذات الدخل المحدود لصعوبة شراء أحذية رياضية مناسبة، صار الغرب يميل إلى ترك الأحذية جانبا والالتصاق أكثر بالطبيعة وتضاريسها.

أطلنطا (الولايات المتحدة) - يرى مدربو اللياقة البدنية أن رياضة الركض يمكن أن تصبح أكثر متعة ومنفعة عند ممارستها دون أحذية، وذلك مع الحرص على اختيار المكان المناسب لتفادي وقوع أي نوع من الإصابات.

ويقول باحثون إن البشر طوروا الكثير من قدراتهم على الركض حفاة، لكنهم يحذرون من أن الأمر لا يلائم الإنسان العصري في الشوارع الحديثة.

وفي تقرير نشره موقع “هاو ستاف ووركس” الأميركي، يقول كيفن كيربي -وهو مختص في طب الأقدام والميكانيكا الحيوية- “في مجتمعنا اليوم، يطغى الإسفلت والخرسانة والزجاج والمسامير على شوارعنا. أخشى أن يتسبب الركض دون حذاء في إصابات قد تصل إلى الأجزاء الأهم في أسفل القدم”.

ويرى من يؤيدون هذه الفكرة أنها تجسّد الطريقة الطبيعية للركض. يقول المؤلف كريستوفر ماكدوغال “في عصرنا، أصبح الركض مرتبطا بالخوف من الإصابة. هل تعتقد أن جيرونيمو فكر في التهاب اللفافة الأخمصية قبل الشروع في الركض لمسافة 50 ميلا عبر صحراء موهافي ذات الأرض الصلبة؟”.

يسعى كتاب ماكدوغال، “بورن تو ران” (وُلد ليركض)، إلى إثارة الاهتمام بالركض دون حذاء؛ حيث يعرض تفاصيل عن قبيلة تاراهومارا التي تجمع السكان الأصليين في أميركا الشمالية، والتي لم يسجل أفرادها إصابات بارزة رغم ركضهم حفاة لمسافات طويلة.

وأشار التقرير إلى أن حذاء الركض تم ابتكاره في العصور الحديثة، فمنذ آلاف السنين كان البشر يركضون حفاة أو يرتدون الصنادل الخفيفة.

ومع أن الركض دون أحذية على الشاطئ يعد أمرا شائعا جدا، ثبت أن البشر كانوا يركضون بنفس الطريقة في أماكن أخرى على مدى قرون من الزمن.

من التقاليد الغريبة، يذكر الموقع الأميركي حدثا سنويا خارج مبنى يتوقف فيه المسافرون للراحة والتزود، ويقع في بلدة من بلدات ويلز. فلاختبار الفكرة التي تدعي تفوق البشر على الحيوانات عند الركض لمسافات طويلة، يستضيف صاحب مبنى الاستراحة حدث “ماراثون الإنسان ضد الحصان”، يجتاز خلاله مئات المتسابقين أكثر من 22 ميلا من المسارات الممتدة على التلال. يركض بعضهم على الأقدام ويركب آخرون فوق الأحصنة للمقارنة بين الفصيلتين. في سنة 2004، تفوق الإنسان على الحصان لأول مرة.

تدعم هذه النتيجة نظريات المختص في علم مستحثات البشر، دانيال ليبرمان، وعالم الأحياء دينيس برامبل. بحث الأخصائيان في النظرية القائلة بأن البشر تطوروا لركض المسافات الطويلة.

إن الأجسام البشرية تحمل عددا كبيرا من الغدد العرقية ولا يتكدس عليها الشعر، مما يسمح بتسريع خفض الحرارة. وتشمل قدم الإنسان كذلك وتر أخيل (وتر العرقوب) ومفاصل ركبة كبيرة وعضلة ألوية كبرى ذات حجم مهم. وعلى الرغم من أنها أسرع، تسخن أجسام الحيوانات التي لا تتمتع بهذه الميزات وتتعب عند الركض مسافات طويلة.

الأحذية الرياضية تمنح إحساسا خاطئا بالأمان
الأحذية الرياضية تمنح إحساسا خاطئا بالأمان

ويعتقد ليبرمان وبرامبل أن البشر طوروا سمات محددة للركض على مدى مسافة أبعد من أجل القبض على فريسة عندما تصاب بالإرهاق.

تشير نظريات منافسة طورها باحثون آخرون إلى أن عضلاتنا طورت للانحناء بحثا عن الطعام. ومع ذلك، يعترف المشككون بأن نظرية ليبرمان وبرامبل منطقية.

يستشهد الداعم لفكرة الركض دون حذاء، كريستوفر ماكدوغال، بأبحاث ليبرمان كدليل على أن أجسام البشر ليست مجرد آلات ذات قدرة أكبر على التحمل، بل شملت حياتهم على مدى آلاف السنين الركض حفاة الأقدام أو بأحذية خفيفة. ويتساءل ماكدوغال: لماذا تنفق المئات من الدولارات على أحذية الركض الغالية في الوقت الذي يكفي فيه الركض دون حذاء لإتمام المهمة والتقليل من الإصابات المرتبطة بالركض؟

على الرغم من أن الكثيرين يعتبرون الركض دون حذاء مجرد اتجاه مؤقت أو فكرة غير عملية، لا يوجد دليل يدعم الفكرة الشائعة المتمثلة في أن الأحذية الرياضية تقلل من معدل الإصابة.

تجدر الإشارة إلى أن الركض دون حذاء يفرض على المتدرب أن يضغط على الأرض بمقدمة قدميه وليس بكعبه.

عانى المؤلف كريستوفر ماكدوغال من ألم شديد في قدمه قبل أن يجرب الركض حافي القدمين، ونصحه الأطباء بالتخلي عن هذه الرياضة. وقال الكاتب “يصاب 8 من بين كل 10 من المتسابقين كل سنة. لا يغير حجمك وسرعتك أي شيء… فحظوظ إصابتك تساوي احتمال إصابة المتسابق الآخر”.

وتعد الأحذية الرياضية من العناصر المهمة في السوق، وأُحرز تقدم في صناعتها بتصحيح عدد من أوجه القصور في مجال الميكانيكا الحيوية للأحذية، بما في ذلك كعب القدمين.

وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التي شهدتها تكنولوجيا الأحذية الرياضية، بقيت معدلات الإصابة بين العدائين ثابتة منذ سبعينات القرن الماضي. وفي الحقيقة، زادت نسب التعرض إلى أنواع معينة من الحوادث.

لا يوجد دليل قاطع يبرز قدرة الأحذية الرياضية التصحيحية على منع الإصابة أو تحسين الأداء.

من ناحية أخرى، لا يوجد دليل يبين قدرة الركض دون حذاء على التقليل من احتمال الإصابة. ومع ذلك، تجرى البحوث لتحديد صحة الفوائد المزعومة لهذه الطريقة من الركض.

الفوائد

تخفيف هبوط الأقدام على الأرض: يميل المتسابقون الحفاة إلى ضرب الأرض بالجزء الأمامي أو الأوسط من القدم، مما يؤدي إلى مشية أخف وقوة تصادم أقل. من الناحية النظرية، قد يقلل الضغط على المفاصل والأربطة من الإصابات الناتجة عن الهبوط الثقيل.

تحسين الأداء: الركض حافي القدمين يخلص المتسابق من وزن الحذاء وما يزيده من حمل.

فوائد للميزانية: يبقى الركض حافي القدمين أرخص من الركض بأحذية باهظة الثمن.

الطريقة الطبيعية للركض: نحمل عددا مهما من النهايات العصبية في القدم. يعتقد المؤيدون للفكرة أنه عندما نجري دون حذاء ترسل لنا أقدامنا إشارات من الأرض، مما يمكننا من ضبط مشيتنا حسب التغييرات المحتملة في المسار.

لفتت هذه الفوائد اهتمام معظم الشركات الكبرى المصنعة للأحذية الرياضية.

 فتميزت ماركات معينة من الأحذية الرياضية بخفة الوزن وببطانة أقل سمكا من معظم الأحذية التي تصنعها الشركات عادة.

وعلى الرغم من كل تلك الفوائد، أشار المختصون في مجالات العلاج الطبيعي والطب إلى ارتفاع حاد في الإصابات المرتبطة بالركض دون أحذية. فقد أفاد المعالج الطبيعي داروين فوغت والطبيب الرياضي، لويس ماهران، بأن التهاب اللفافة الأخمصية المؤلم يصيب نحو 15 بالمئة من ​​العدائين. وترجع نسبة 90 بالمئة من الإصابات إلى العدائين الذين تحولوا إلى الركض دون حذاء. يحذر هؤلاء الأطباء المتسابقين الذين يعانون من عيوب في الحركة من خطورة التخلي عن أحذيتهم.

الركض في سن المراهقة يساعد على عدم تطور مرض الخرف لأنه يحفز خلايا الدماغ ويحمي الذكريات من النسيان

ومع ذلك، يعتقد رواد الركض دون أحذية أن معظم الإصابات تنتج جراء اللجوء إلى هذه الطريقة بشكل سريع ودون تدرّج. ويقترحون أن يقتصر أول تمرين دون حذاء على المشي حول المنزل.  ويقولون إن على المتسابقين أن يتأقلموا تدريجيا مع الظروف الخارجية؛ فأولا، يتعين المشي ببطء لبضع دقائق في اليوم على العشب أو التراب أو أي سطح ناعم آخر. وتدريجيا، وعلى مدى عدة أسابيع، يمكن أن يحاولوا الركض لأميال قليلة على سطح ناعم.

توفر بعض أحذية الركض الخاصة حماية من بعض إصابات الركض الشائعة، بما في ذلك التمزقات والجروح والإصابة الحرارية والكدمات. لكن قد تمنح الحماية التي تقدمها للعداء إحساسا خاطئا بالأمان، إذ يعتبر ضرب الأرض بقوة مفرطة سببا للعديد من الإصابات. وتعمل الأحذية التقليدية المبطنة على تغيير المشية لتوزيع هذه القوة.

وسواء كان خيار الركض دون حذاء بدعة أو موضة، فقد أحدث هذا الاتجاه تغييرا جذريا في سوق الملابس الرياضية. ففي سنة 2005، عندما علمت شركة نايكي الأميركية لإنتاج الملابس والأحذية والأدوات الرياضية بأن أحد المدربين الذين ترعاهم يدرب فريقه دون أحذية، عمل موظفوها على تطوير نايكي فري.

كانت دراسة أميركية سابقة قد كشفت أن الأحذية الرياضية الحديثة من الممكن أن تكون أكثر ضررا على المفاصل من الركض بأقدام حافية. وطلب باحثون في جامعة فيرجينيا من 68 رياضيّا سليم الجسم الركض على جهاز المشي والركض على “الممشاة” بالحذاء ومرة أخرى دون حذاء.

وخلص الخبراء إلى أن التدريب بالحذاء تسبب في تحمّل الركبة ومفصل القدم ومنطقة الحوض عبئا أثقل مما لو تمّ الركض دون حذاء. وأوضح الباحثون أن الضغط على المفاصل أثناء الركض مع ارتداء الحذاء الرياضي كان أشدّ على المفصل مما لو تم الركض مع ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي.

الحذاء يزيد الضغط

يزيد الضغط على منطقة الحوض أثناء ممارسة الركض على الممشاة مع ارتداء الحذاء بنسبة 54 بالمئة في المتوسط مقارنة باستخدام الجهاز بأقدام حافية، في حين تقدر زيادة نسبة الضغط على الركبة مع ارتداء الحذاء ما بين 36 و38 بالمئة .

أما القدم فتكتسب التوازن المطلوب إثر ارتداء الحذاء. ورجح الباحثون أن يكون سبب التأثيرات السلبية للأحذية الرياضية على المفاصل هو ارتفاع كعب الحذاء عن الأرض والمادة الواقية تحت القدم والتي تعد من السمات المميزة للأحذية الرياضية الحديثة.

وطالب الخبراء بتطوير أحذية رياضية جديدة تحدث التوازن المطلوب للقدم ولكن دون إجهاد المفاصل.

وقال الدكتور كارستين هولاندر -باحث في معهد “هيومن موفمنت ساينس” في جامعة هامبورغ بألمانيا- لرويترز عبر البريد الإلكتروني، إن بعض الشعوب -مثل شعب جنوب أفريقيا- تشيع بينها عادة الركض دون أحذية.

ويعد هولاندر وفريقه مراجعة علمية موسعة تقارن بين الأطفال الحفاة في جنوب أفريقيا والأطفال المنتعلين للأحذية في جنوب أفريقيا وألمانيا لبحث تطور القدمين والأداء الحركي.

وقال هولاندر إن الجسم يتأقلم جيدا مع السير أو الركض دون أي نعال “لكن الجسم يحتاج أيضا إلى الوقت للتأقلم مع هذا الأمر، كما أن كمية التدريب والتعافي التي يحتاج إليها الجسم تختلف من شخص إلى آخر”.

وقد أصبحت الاختلافات بين الركض بالأحذية والجري دونها موضوع بحث مكثف. ويأمل الباحثون أن تفيد الاستنتاجات التي توصلوا إليها جميع المتسابقين وأن تؤدي إلى تحسين أساليب الركض وأحذيته.

الركض علاج

الحرص على اختيار مكان آمن
الحرص على اختيار مكان آمن

أثبتت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية أن ممارسة رياضة الركض لمدة خمس دقائق في اليوم لها نفس التأثير الإيجابي على الصحة مثل الركض ثلاث ساعات أسبوعيا. وحسب الدراسة ذاتها فإن ممارسي الركض ينعمون بعمر أطول.

وشملت الدراسة 55 ألف شخص في ولاية تكساس الأميركية وأظهرت أن الركض المنتظم بين خمس وعشر دقائق يوميا له نفس التأثير الإيجابي على الصحة مثل الركض لثلاث ساعات في الأسبوع.

وحسب هذه الدراسة التي نقلها موقع دويتشه فيله الألماني عن مجلة فوكوس الأميركية فإن الركض -سواء اليومي أو الأسبوعي- يطيل عمر الإنسان ثلاثة أعوام تقريبا.

ولا يهم في ذلك ما إذا كان الإيقاع سريعا أم بطيئا؛ فمن يجري بسرعة عشرة كيلومترات في الساعة يستفيد بدوره من فوائد هذه الرياضة مثله مثل من يمارس الركض بإيقاع سريع. وللركض تأثير إيجابي خصوصا على مرضى القلب والشريان.

ويحذر الباحثون الذين أشرفوا على تقييم نتائج هذه الدراسة في جامعة أيوا، من الضغط على الجسم وتحميله ما لا طاقة له به أثناء الركض. فمن لا يرغب في الركض يمكنه الاكتفاء بالمشي. وحسب مجلة فوكوس فإن التجول مشيا على الأقدام لمدة 15 دقيقة يعوض الركض لمدة خمس دقائق.

كما أثبتت دراسات أخرى أن المشي يساعد على تحرير المرء من الشعور بالاكتئاب والقلق والتعب، حيث يؤدي إلى إفراز هرمون “إندورفين” المساعد على تحسين المزاج.

الركض يبعد شبح الخرف

مونتريال - كشفت دراسة كندية أن الركض في سن المراهقة يساعد على عدم تطور مرض الخرف في الثمانينات من العمر، حيث أظهرت العشرات من البحوث أن الركض يحفز خلايا الدماغ ويحمي الذكريات من النسيان. وأظهرت أبحاث الدراسة الكندية التي أجريت في جامعة تورنتو أن الآثار تكون أكثر قوة إذا اعتمد الأفراد الركض عادةً يومية في الصغر.

وفي تجربة على الفئران شهد فريق البحث تحسنًا طويل الأمد في التعلم والذاكرة لدى الفئران التي تم وضعها على عجلة الركض منذ الولادة. ويقول الخبراء إن “نتائج الدراسة يجب أن تكون علامة حمراء لنا جميعًا، حيث أن عاداتنا في سن المراهقة والعشرينات من العمر قد تؤثر على صحة الدماغ في وقت لاحق”.

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة مارتن فوغتويتز أنه من المعروف أن الركض يقوم بتحفز كبير وزيادة في تكوين الخلايا العصبية لدى الكبار ويقوم بتعزيز الوظيفة المعرفية لدى الحيوانات والبشر. وأضاف فوغتويتز “هذا هو أول دليل على مثل هذا التأثير على المدى الطويل وتأكيد نموذج حيواني على الاحتياطي المعرفي، واستند هذا النموذج إلى العديد من الدراسات البشرية”.

وضم فوغتويتز -وهو أستاذ قسم علم وظائف الأعضاء- مجموعة مكونة من 40 فأرا تبلغ من العمر شهرا واحدا في أقفاص مع عجلات تشغيل و40 أخرى في أقفاص دون عجلات. وأدخل الركض على العجلات لمجموعة منها بشكل تدريجي بينما لم تحصل الفئران الأخرى على أي شيء.

وفي النهاية وجد فريق البحث أن ستة أسابيع من الركض وأن شهر واحدا فقط من العمر كانا كافيين للحث على حدوث تأثير طويل الأمد على التعلم. كما أنهما حسّنا ذاكرة الفئران في الاستجابة للخوف والتي تعتمد في الأساس على الخلايا العصبية التي ولدت حديثًا في الدماغ.

وقد اتّضح أن نشاط الخلايا العصبية الوليدة البالغة عند مجموعة الفئران المصحوبة بالعجلة أكثر تقدمًا وقوة بالمقارنة مع الفئران الموجودة في قفص دون عجلة تشغيل. وتتفق النتائج على فكرة الاحتياط المعرفي حيث يعتمد المخ على إثراء الخبرات في الشباب للتعويض عن الانخفاض الوظيفي نتيجة التقدم في السن أو المرض. ولذلك فإن التدخلات في الحياة باكرًا بزيادة النشاط البدني قد تساعد على بناء هذا الاحتياط مما يؤخر ظهور الاضطرابات العصبية مستقبلًا مثل مرض الزهايمر.

 

18