ندوة في الإمارات تبحث دور التسامح في التلاحم المجتمعي

التسامح قيمة مجتمعية أصيلة تساهم في تكاتف المجتمعات وشد بنيانها وترابط أفرادها في وحدة صماء، وهي ركيزة بناء أي مجتمع متطور وعصري. وتماشيا مع رؤية دولة الإمارات الهادفة إلى إقامة مجتمع آمن وواثق، في ظل الانفتاح على العالم، نظمت دار زايد للثقافة الإسلامية، الدورة الثالثة لـ”منتدى التسامح”، تحت شعار، “دور التسامح في التلاحم المجتمعي”، أكد خلاله المشاركون على دور الأسرة المتسامحة في تنمية التلاحم والترابط المجتمعي باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع ومصدر قوّته، ومركز بناء الشخصية السوية.
أبوظبي – تؤكد دولة الإمارات على أهمية دور التسامح في تدعيم وحدة المجتمع وتقوية أواصر المحبة والألفة بين أفراده، معتبرة إياه من القيم التي تمثل صمام أمان لتماسك الأسرة واندماج الفرد وتلاحم المجتمع.
وتعمل الإمارات على تكريس التسامح والتعايش والسلوك الحميد داخل الأسرة باعتبارها من الركائز الأساسية لتلاحم المجتمع ورصّ بنيانه بما يجعل الأسرة مساهما فعّالا، في تشكيل خصائص المجتمع البشري العصري، الذي تسعى إلى تحقيقه.
وفي هذا الإطار نظمت دار زايد للثقافة الإسلامية الثلاثاء الدورة الثالثة لـ”منتدى التسامح” تحت شعار “دور التسامح في التلاحم المجتمعي” وذلك على مسرح الأرشيف الوطني بأبوظبي.
وأكدت الدكتورة نضال الطنيجي المديرة العامة لدار زايد للثقافة الإسلامية في كلمتها أن تنظيم منتدى التسامح الثالث استمرار لِسلسلة المنتديات المُتخصّصة التي تعقدها الدار ضِمن مبادراتها ومشاريعها الاستراتيجية في إطار بناءِ جُسور التواصل الحضاري، وترسيخ مفهوم التلاحم المجتمعي، تَوافقاً مع رؤية الدولة التي تهدف إلى إقامة مُجتمع آمن وواثق، وبناء اقتصاد مستدام يمتلك القدرة على المنافسة في ظلّ الانفتاح العالمي؛ وتحقيقا لرؤية الإمارات ورسالتها السّامية التي تركز على التعريف بجوهر الإسلام وإظهار الصورة المتميزة للدولة كنموذج في التعايش السلمي والتسامح الديني وقبول الآخر.
وقالت الطنيجي إن منتدى التسامح لعام 2019 يهدف إلى إثراء المحتوى المعرفي والثقافي للتسامح، ومُناقشة دور قيم التسامح في تحقيق التلاحم المجتمعي بين أفراد المجتمع، وترسيخ مفهوم التلاحم المجتمعي، من خلال ما يتمتّع به أفراد المُجتمع مِن مبادئ وقيم مرتبطة بالهوية الوطنية، إلى جانب مناقشة دور الشراكة المجتمعية في تعزيز التلاحم، وتعميق قيم التسامح والانفتاح لدى مُختلف شرائح المجتمع، وإثراء المنصات الإعلامية والرقمية بقيم التّسامح والتلاحم المجتمعي بمشاركة نخبة مِن المتحدثين في مجالات التسامح والتلاحم المجتمعي، يمثلون جهات حكومية وإعلامية عدة.
التسامح الإنساني درعٌ منيع يُحافظ به المجتمع على الرابط الذي يجمع شمله من خلال المعاني الإنسانية الإيجابية، التي تعتمد على المواطنة والولاء
ولفتت الطنيجي إلى دور التسامح في التلاحم المجتمعي موضحة أن طبيعة العلاقة بين المنظومتين قائمة على مجموعة من القيم الاجتماعية والدينية، لاشتراكهما في الآثار المادية والاجتماعية على المجتمع، فالتسامح الإنساني درع منيع يُحافظ به المجتمع على الرابط الذي يجمع شمله من خلال المعاني الإنسانية الإيجابية، والتي تعتمد أساساً على روح المواطنة والولاء، والتآخي والمرونة في العلاقات المتبادلة بين مُختلف أطياف المجتمع؛ الأمر الذي يستلزم الاتِّصاف بالتسامح والإيمان بالمستقبل المُشترك وقبول التعددية والانفتاح على الآخر وبذلك يُستدام فضاء مُشترك بين أطياف المجتمع كافة للعيش في وئام تام.
وأكدت الطنيجي أن في سياق هذه المعاني السامية، والنهج الرّاسِخ؛ تُقدِّم دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً مُتميّزاً وتجربة رائدة لِمفاهيم الترابط الاجتماعي والتّسامح والمحبّة والسّلام والانفتاح والتّعايش مع الآخرين بينَ مُختلف شرائح وفئات المجتمع، وتحقيقها على أرض الواقع مِن خلال مبادرات وبرامج نوعية مكثفة ذات الصلة تروم صَون الحريات واحترام الآخر، والتَّنعم بالحياة الكريمة والاحترام، وتُجَرّم الكراهية والعصبية وأسباب الفرقة والاختلاف.
وأضافت الطنيجي، أن تنظيم المنتدى الثالث لعام 2019 إنّما هو استشراف مُبكّر للمستقبل واستعداد له، بما يعود على المجتمع بمختلف مكوناتِه بالنفع والخير، فالشعوب المُتسامحة دينيا وثقافيا وعرقيا هي الشعوب الأكثر تطبيقاً لمتطلبات التلاحم المجتمعي تعزيزاً للتعاون والتواصل والولاء للمجتمع وتحقيقاً للأهداف المشتركة.
وقد أعلن المنتدى توصياته حيث أكد المشاركون أن التسامح والتلاحم مفهومان متلازمان لا يتحقق أحدهما إلا بوجود الآخر وتربطهما علاقة طردية، وأن التعريفات الخاصة بالتلاحم المجتمعي تأخذ بالاعتبار مفهوم التسامح كعنصر في تحديد مفهوم التلاحم. كما أكد المشاركون بالمنتدى أن التلاحم المجتمعي ما هو إلا نتيجة ومخرج من مخرجات التسامح كالسعادة والولاء والإنتاجية والازدهار، فالشعوب المتسامحة هي شعوب مستقرة ومزدهرة وعصرية.
وشدد المشاركون على أهمية توفير بيئة أسرية إيجابية لكونها العنصر الأهم في تنشئة أبناء يتمتعون بالصحة الاجتماعية النفسية والعقلية والبدنية، ويمتازون بالمرونة الكافية للتكيّف مع محيطهم الاجتماعي، والسبب الرئيس في الحد من انخراط الأطفال والشباب اليافعين في الأنماط السلوكية غير السوية.
إلى ذلك أكد المنتدى على أهمية الدور الذي تقوم به المؤسسات الاجتماعية في دعم وتنمية التلاحم المجتمعي، وأهمية تفعيل دور المؤسسات الإعلامية في نشر الرسائل التوعوية وأهمية مشاركة جميع فئات المجتمع في تعزيز قيم التسامح والتلاحم.
وشمل المنتدى مشاركة سبعة متحدثين في جلستين ناقشو فيهما سبع أوراق عمل. جاءت الجلسة الأولى بعنوان “قيم التسامح في تحقيق التلاحم المجتمعي”. وناقشت أربع أوراق عمل تتحدث عن أهمية برامج المؤسسات المجتمعية في تنمية التلاحم المجتمعي منى الزعابي الوكيلة المساعدة لشؤون الخدمات المساندة بوزارة تنمية المجتمع. وتحدثت موزة الكتبي مديرة إدارة الشؤون الثقافية والتعليمية بدار زايد للثقافة الإسلامية عن سموّ قيم التسامح وأثرها في التلاحم المجتمعي، فيما تناول ضرار الفلاسي المدير التنفيذي لمؤسسة وطني ورقة عمل بعنوان التسامح وتعزيز الهوية الوطنية، والورقة الرابعة تحدثت فيها أمل محمد حسن العزام خبيرة اجتماعية بمؤسسة التنمية الأسرية عن التسامح الأسري في بناء مجتمع متلاحم.
أما الجلسة الثانية بعنوان “التلاحم المجتمعي مسؤولية مؤسسية” فقد ناقشت ثلاث أوراق عمل، أولها رسالة الإعلام في تعزيز قيم التسامح والتلاحم المجتمعي قدمها سامي الريامي رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم، وناقشت موضوع الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للتطوع وارتباطها بالتلاحم المجتمعي ومحمد سعيد الرميثي مستشار الشؤون المحلية والمساعدات بالهلال الأحمر الإماراتي.
وأكد خليفة الساعدي في تصريح لوكالة أنباء الإمارات “وام” أن عدد المشاركين بالوثيقة وصل إلى 790 ألف مشارك وعدد زوار المنصة 950 ألف زائر ومن المتوقع في نهاية شهر نوفمبر القادم أن يصل عدد المشاركين بالوثيقة إلى هدف المليون متسامح.
وعرض المنتدى الروبوت “هزاع” الذي جاءت تسميته تقديرا لرائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري الذي وجه رسالة للحضور للمشاركة في وثيقة المليون متسامح، معرفا بنفسه “أنا هزاع من عاصمة التسامح.. كن جزءا من المليون وشاركنا في وثيقة المليون متسامح..” كما يشارك الروبوت بمعلوماته حول رائد الفضاء الإماراتي.
وتجسد مهمة المنصوري أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية رسالة التسامح الراسخة في “دار زايد” كما تعكس قيم التعايش الإنساني في دولة الإمارات التي تمثل أرض تعايش بين أكثر من 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم.
وانضم المنصوري إلى كوكبة من رواد الفضاء من مختلف الجنسيات على متن محطة الفضاء الدولية حيث اجتمعوا في أجواء يسودها المحبة والتعاضد وذلك لتحقيق هدف واحد وهو التعاون من أجل خدمة البشرية مع قيامهم بالعديد من التجارب العلمية الفريدة التي تثري المعرفة وتسهم في تحقيق تقدّم علمي ملموس تستفيد منه الدول والشعوب.
واختتم المنتدى بورقة عمل قدمها مازن جابر الدهماني مدير إدارة الرياضة بدائرة تنمية المجتمع تحت عنوان أثر التسامح في تحقيق التلاحم المجتمعي من خلال دور دائرة تنمية المجتمع.