أسنان الأدب

الأربعاء 2014/04/02

في حكاية من “ألف ليلة وليلة” خلع الأمير أسنان عبد السوء لأنه أكل فاكهته العجيبة، كان عقابا عابرا، وبدون أبعاد، مثله مثل السجن؛ لكن مشهد خلع الأسنان لم يتكرر كثيرا في “ألف ليلة وليلة”، وعلى النقيض من الحكايات كلها، تجلت الأسنان في حكاية “مريم الزنارية” باعتبارها ماهية الحكاية وسداها، لم يعد للفاكهة العجيبة معنى بعد ذلك. والشيء الأكيد أن مسألة الأسنان، ستتخذ تجليات حافلة بمثيرات الكلام والوصف البلاغيين في مصنفات الأخبار والأسمار؛ بيد أن ما سيمنح جواهر الفم آفاقا جمالية أكثر تعقيدا ودرامية هو التاريخ الروائي ولا سيما حين نقرنها بصورة شديدة الدلالة في رواية “دون كيخوطي” حين يحكي هذا الأخير آلام أسنانه على خادمه صانشو أثناء مشهد بديع من الرواية الخالدة في مسار تاريخ الأدب، بعد ذلك، سيكون للأسنان موقع محوري في مشاهد الأكل والعض والقبل، وفي صور السخرية من شخصيات القاع، حيث تشكل الأسنان المسوسة والأضراس المنخورة ملمحا أساسيا في تخييل مضامين الرداءة المضحكة للشخصيات الروائية في نصوص بالزاك وستاندال ودوستويفسكي.

إنما بعد هذا المسار الروائي الفخم، ستحضر الأسنان بشكل جوهري في السير الذاتية لا سيما في تلك التي تروي مسارات السجناء السياسيين، لا أنسى بتاتا لحظة قلع الضرس المنخور التي ضمنها السجين أحمد المرزوقي في مقطع محوري من سيرته “الزنزانة رقم عشرة”، حيث كان السجناء لعزلتهم التامة عن العالم الخارجي يلجؤون إلى ربط أضراسهم بخيوط وشدّها إلى أبواب الزنزانات، ثم العودة بقوة إلى الوراء، على نحو يفك طاقم الفم، وبعد نزع الضرس تمتزج الدماء بالقيح وبالدموع.

وبعيدا عن خلع الأضراس والأسنان المرزئ والقميء هذا، تبدو الأسنان الذهبية في روايات نجيب محفوط جوهرية، ومثيرة في آن، بالنظر إلى كونها تمثل علامة أساسية في تمييز الرفاه السوقي بالنص، لا يمكن أن ننسى صورة الحانوتي الذي يخلع السن الذهبي للميت بعد دفنه بساعات، ولا الأسنان الذهبية للبرمجية، في رواياته عن الفتوّات، حيت يتحول السن إلى مثير بليغ للتغلغل في متاهات المدنية الملتبسة، التي يقف البدوي مشدوها أمام بريقها، في العوالم الروائية الساحرة، والمفعمة بسخرية سوداء.

“الضرس” أو “السن” شيء جوهري جدا، عزيزي القارئ، أنفس من كل الأحجار الكريمة، استحضرت كل هذه المشاهد الأدبية اليوم، وأنا أفتح فمي في عيادة طبيبة الأسنان، كان الأمر يتعلق بترميم بسيط، وإذا بالضرس البائس ينهار، شيء درامي فعلا ومفعم بالتوتر وبواقعية القاع السحيق.. أعتقد مجددا أن الرواية هي فن الفنون لأنها الوحيدة التي تستحضر حقوق الأسنان.


كاتب من المغرب

15