الشباب السعودي يجدون ملاذهم لتعلّم الموسيقى

المواهب السعودية الشابة تجد الطريق ممهدا لولوج عالم الفن، في ظل طلب متزايد من الشبان والفتيات على تعلّم فنون العزف والموسيقى والغناء.
الأحد 2019/09/22
أفاق جديدة

بدأت الكثير من المعاهد الجديدة تفتح أبوابها لتقديم دروس متخصّصة في تعليم الموسيقى خاصة للفتيات السعوديات، كواحدة من الآثار المترتبة على التحولات الجديدة في السعودية وتأثيرها الايجابي على حالة الفن فيها. واعتبر مهتمون بالشأن الموسيقي أن هذه البادرة يمكن اعتبارها بشرى للشباب المولعين بالموسيقى والفنون عموما، لأنها تتيح لهم فرص ممارسة هواياتهم وتطوير مواهبهم في مجال يستجيب لرغباتهم، كما أنها خطوة تؤكد مضي المملكة قدما نحو الانفتاح الاجتماعي ونحو تعزيز مكانة المرأة.

  بعد رفع الغطاء والحجب والعوائق بين الشبان والفتيات وعالم الفنون، والموسيقى أحد أهم عناصره، سوف تجد المواهب السعودية من الشباب الطريق ممهدا لولوج عالم الفن، وأمام بوابات النوادي والجامعات والكليات المشرعة لتتعلمها، تزيد حاجتهم للدعم والتدريب والظهور .

‏الأمر الذي سينعكس على مستقبل صناعة الموسيقى في السعودية نتيجة هذه التغييرات الجديدة، وستصبح المرأة صنو الرجل في تقديم الأداء الموسيقي والفني بأنواعه.

ومنذ مطلع العام الجاري أخذت تتزايد عروض ودعايات الدروس المختلفة للفن والمتاحة للجنسين معا، بدأها عازف الكمان المصري محمود سرور، الذي زادت شهرته في الآونة الأخيرة في المملكة كأحد أبرز العازفين من خلال ظهوره المتكرر في الحفلات، ومشاركته لعدد من الفنانين العرب في حفلاتهم .

وحصل سرور على سبق تأسيس أول معهد لتعليم الكمان في السعودية، ويعلن بين الفينة والأخرى عن إقامة عدة دورات لتعليم العزف على الكمان، وتأهيل المتميزين منهم للمشاركة في تكوين نواة لفرقة دار الأوبرا السعودية.

وفي نهاية يناير أعلنت جامعة الطائف بالسعودية عزمها تعليم الموسيقى وتدشينها دورات تدريبية لطلابها في هذا المجال، ودشّنت الجامعة مسارا تدريبيا خاصا بالموسيقى يتضمّن دورات في العزف والغناء، يقدمها ثلاثة مدربين سعوديين، وحظي المسار باهتمام كبير فور الإعلان عنه .

منذ مطلع العام الجاري أخذت تتزايد عروض ودعايات الدروس المختلفة للفن والمتاحة للجنسين معا، بدأها عازف الكمان المصري محمود سرور، الذي زادت شهرته في الآونة الأخيرة في المملكة

فيما بدأ معهد ثقف، وهو مبادرة تدريبية رسمية تحت مظلة الجمعية السعودية للثقافة والفنون، بتقديم برامج ودروس في مهارات الغناء والعزف في مناطق المملكة المختلفة .

فضلا عن جهود تطوعية تنظمها بعض المؤسسات الثقافية الأهلية التي استفادت من المناخ المشجّع والجديد في السعودية، ففي مدينة جدة على سبيل المثال تقدّم مجموعة أرباب الحرف بالتعاون مع بيت زرياب للموسيقى العربية ورشات للدروس الموسيقية في القانون للعازفة ومدربة القانون أمل التريكي والمجازة في العلوم الموسيقية من المعهد العالي للموسيقى بتونس، وتلقى إقبالا كبيرا من شباب متطلّع لصقل موهبته وتنمية ذائقته .

ومن جهته يعتزم الملحّن والمطرب السعودي ناصر الصالح إطلاق أول معهد لتدريس الموسيقى في السعودية، مؤكدا أنه يسابق الزمن لافتتاحه بعد الحصول على تصريح الجهات المعنية، بهدف الاستفادة من المواهب الفنية الكبيرة التي يمتلكها الشباب السعودي.

جزء من تعزيز مكانة المرأة

تقول المدربة الموسيقية شيماء محمد إن الإنجازات العظيمة التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المملكة ومن إعطاء المرأة حقها في الظهور الاجتماعي وتعزيز مكانتها بالمشاركة والمساواة، انعكس أثره على جميع المجالات الثقافية والعلمية والفنية كذلك، الأمر الذي يسمح باكتشاف مواهب شابة سعودية للكثير من الفتيات المتطلعات لمستقبل فني، وخصوصا ممّن لم تحصلن على فرصة للظهور من قبل.

وتستعد المدربة شيماء لتقديم سلسلة من الدورات في مناطق المملكة انطلاقا من الشرقية، وهي من الأسماء اللامعة في فن التدريب الموسيقي وخريجة كبرى الجامعات في القاهرة وتحمل البكالوريوس في التربية الموسيقية ومتمرّسة لعدّة سنوات. كما أنها تجمع الخبرة بالممارسة بالتخصصية الأكاديمية.

وتضيف “سيتم هذا من خلال تدريب أكاديمي مبني على أسس علمية، وليست مجرد هواية وسنقوم بذلك من خلال معهد الثقافة والفنون بالدمام، وفريق عمل يعمل بجد لاكتشاف المواهب الجديدة”. متمنية دوام التقدّم والتوفيق للملكة.

عبّر محمد سلامة، المهتم بشؤون الموسيقى، عن تفاؤله بهذه الخطوات المتسارعة في شراكة المرأة لتقديم الموسيقى وإنتاجها، مؤكدا أن هذا يخدم بشكل كبير صورة السعودية كبلد متحضّر ومؤثر ومنافس في مجالات الحياة المختلفة.

كما اعتبر أن تعليم الموسيقى سيربي جيلا واعيا وفاعلا ومنتجا يخدم زيادة تأثير ثقافتنا الناعمة على الواقع المحلي والمحيط الخارجي، وأن رؤية المملكة المستقبلية تعزز من قيمة المساواة التي تبدأ بالضرورات والممارسات اليومية وتنتهي بعمليات الإنتاج لصنوف الفن الراقي والموسيقى وتمتد لجلّ مجالات الإبداع الإنساني.

الشغف والموهبة لا يكفيان

 السعودية تمضي قدما نحو الانفتاح الاجتماعي وتعزيز مكانة المرأة
 السعودية تمضي قدما نحو الانفتاح الاجتماعي وتعزيز مكانة المرأة

ترى سوسن البهيتي، أول فنانة أوبرا سعودية، أن مجال الفن الموسيقي في السعودية كان للرجال أكثر من ‏النساء، بحكم التحفظات الثقافية المعروفة سابقا. لكن اليوم وبعد إطلاق رؤية المملكة 2030 ‏أصبح هناك دعم للمرأة السعودية من الدولة ليكون لها دور أكبر في المجتمع، تشارك فيه بمهاراتها وقدراتها ‏ولاسيما في تحقيق الرؤية.

ومن هنا شعرت بالدعم لإطلاق موهبتي الأوبرالية في الساحة الفنية السعودية، ‏وبالمسؤولية في الوقت ذاته لتشجيع الفتيات الموهوبات ودعمهم لإطلاق مواهبهن. واخترت أن أعمل على تطويرها ‏بكل ما أملك من علم، من تدريب صوتي وغناء الأوبرا، لتكون في مستوى فني رفيع يليق بالمواهب ‏السعودية.‏

وأردفت البهيتي “اليوم وبعد تحقيق العديد من التغيرات الإيجابية في المملكة، وللمرأة خصيصا، ليس لديّ شك بأن الساحة ‏الفنية ستلقى تطورا كبيرا جدا ليتم تقديم ألوان موسيقية متعددة وفنون جديدة تظهر لأول مرة، وهنا تأتي ‏أهمية رعاية المواهب الجديدة؛ فالشغف والموهبة غير كافيين لتقديم عمل فني بمستوى ينافس في ‏الساحة الفنية العالمية”.

وأكدت أن تدريب المواهب وتوجيهها بالشكل الصحيح أمر في غاية الأهمية، ليكون لها ‏البصمة الإيجابية في تطوّر الفن والحفاظ على الجودة الفنية العالية.

وتبذل المملكة ‏العربية السعودية في الفترة الراهنة جهودها في بناء المعاهد والمدارس المختصة في تدريب مختلف الفنون الموسيقية، فمثلا مشروع ‏دار الأوبرا هو الآن تحت التنفيذ وكذلك أكاديمية لتعليم الموسيقى، وستظهر المزيد من المراكز المختصة بتعليم ‏الآلات الموسيقية المتخصصة بألوان موسيقية محددة. ‏

وتعلّق البهيتي قائلة “الأمر الرائع الذي ألاحظه في الساحة الفنية السعودية هو القدرة على الابتكار في الفنون الموسيقية ليكون لها ‏طابع سعودي فريد من نوعه يميّزها عمّا سبقها من أعمال فنية عند الغرب، وإن كانت تعتبر من ‏اللون الموسيقي نفسه”.

إن مواهب كتلك التي يتمتع بها شباب المملكة تعطي مؤشرات إيجابية جدا لمستقبل صناعة الموسيقى في السعودية. ومع ‏نمط التغيرات الإيجابية السريع في المملكة “أتوقع أن نرى ونسمع إنتاجات هذه المواهب خلال بضع ‏السنوات القادمة على مستوى عالمي”، على حد تعبير البهيتي. ‏

انتهازية البدايات

يرى فاضل معتز، متتبّع للموسيقى في السعودية منذ بواكيرها اليتيمة، أن عهدا جديدا قد بدأ، تتنفس فيه المملكة عبق الفنون بمختلف أنواعها وتشهد المهرجانات شكلا منظّما ومدروسا تحت عباءة وزارة الثقافة. إن الاهتمام بتعليم الفنون يعمّم أجواء الجمال والأناقة التي تنعكس على المجتمع في تعاملاته ونظرته إلى الحياة.

ويضيف المتحدث “سعدت كثيرا بفتح المجال للمرأة السعودية بالمشاركة بحضور دورات تدريبية في تعلّم الموسيقى، وأنا متأكد أن هناك آلاف الفتيات السعوديات الموهوبات في مجال الموسيقى والراغبات في تعلّم العزف”.

ويوضّح معتز “لأجل ذلك أدعم هذا التوجه بقيادة وزارة الثقافة، وأتمنى النظر في مدة الدورات وأسعارها، وحماية المقبلات من انتهازية البدايات، إذ أن 8 حصص لمدة شهر قليلة جدا لتعلم الموسيقى أو التمهيد لها، كما أن سعر الدورة الواحدة يعدّ عاليا جدا بالنسبة إلى مشروع وطني يهتم بالثقافة الوطنية عموما وتنميتها”.

اقرأ أيضا:

جامعة الطائف أوّل منصّة حكومية لتعليم الموسيقى بالمملكة

19