سوريون يطلبون العلم في الحافلات والخيام وتحت الشجر

مبادرة مخصصة لتعليم الأطفال السوريين النازحين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدارس بسبب بعدها.
السبت 2019/09/21
العلم نور

في الوقت الذي عاد فيه الأطفال إلى مدارسهم بملابسهم النظيفة ومحافظهم الجديدة، يبحث الأطفال النازحون في سوريا عن مكان يتعلمون فيه شيئا من اللغة والحساب وبعض العلوم، فكانت الحلول الوقتية حافلات وخيما وأشجارا.

حزانو (سوريا) – بين أشجار الزيتون، يركض عدد من الأطفال وهم يحملون الكتب والحقائب، ما أن يلمحوا حافلة ملونة تحولت قاعة تدريس للعشرات من الطلاب النازحين جراء التصعيد الأخير في شمال غرب سوريا، تتوقف في المكان.

خرجت العشرات من المدارس في محافظة إدلب ومحيطها، من الخدمة قبل بدء العام الدراسي. وقد تضرر بعضها من القصف وتحولت أخرى مراكز إيواء لنازحين فروا منذ نهاية أبريل.

ويشكل مخيم عشوائي جديد قرب قرية حزانو في ريف إدلب الشمالي محطة يومية لهذه الحافلة-المدرسة المتنقلة. أمامها، يقف فتيان وفتيات بشكل منظم ثم يصعدون الواحد تلو الآخر إليها بعدما يخلعون أحذيتهم.

داخل الحافلة المزينة برسوم متحركة وعليها شعار “العلم نور”، تتوزع طاولات برتقالية بينما تغطي أرضيتها سجادة كبيرة. يأخذ الأطفال أماكنهم قرب النوافذ التي علقت عليها ستائر وبالونات ملونة بانتظار بدء الدرس.

ويقول الفتى حسن عزكور (11 عاما) النازح من ريف حماة الشمالي “حين نزحنا إلى هنا، لم تكن هناك مدارس، أحضروا لنا الباصات. وإن ذهبت، نبقى من دون تعليم”.

ويضيف ببراءة وهو يرتدي قميصا أصفر اللون “ثمّة مكيفات في الحافلات، ولذلك فهي أفضل ألف مرة من المدرسة”.

والحافلة غير مخصصة لمراحل دراسية معينة، بل لأطفال تتراوح أعمارهم بين الـ5 والـ12 عاما، يدرسون اللغة العربية والحساب وأحيانا اللغة الإنكليزية والعلوم، لضمان معرفتهم بالمبادئ الأولية علهم يلتحقون بالمدارس لاحقا.

وكان من المفترض أن تفتح مدارس إدلب أبوابها في 21 سبتمبر، إلا أنه مع تخطي أعداد النازحين عتبة 400 ألف وفق الأمم المتحدة منذ بدء التصعيد، يبدو أن عشرات الآلاف من الأطفال سيحرمون من التعليم في العام الدراسي الحالي.

وفي مخيم أطمة للنازحين يدرّس باسل وزوجته وئام الأطفال تحت ظل شجرة زيتون كبيرة، وبعد المناداة تبدأ حصة القراءة تليها حصتا الكتابة والحساب.

عن فكرة المدرسة في الهواء الطلق يقول باسيل نسر خريج معهد الكمبيوتر “طرحت زوجتي عليّ فكرة إنشاء مدرسة في مخيمنا كونها المرأة الوحيدة المتعلمة بين نساء المخيم، وأصرّت على فكرتها كونها كانت معلمة في إحدى مدارس خان شيخون قبل نزوحنا، وتجيد التعامل مع الأطفال الذين لا ينقسمون حسب الفصول والمستويات”.

وتفتقر المدرسة الشجرة إلى أبسط مقومات المدرسة، حيث يستعمل المعلمان لوحا خشبيا كسبورة، يكتبون عليه بأقلام الحبر السائل إضافة إلى بعض الدفاتر والأقلام.

وقد عمد باسل إلى طريقة بسيطة لترغيب الأطفال بالدراسة، فهو يذهب كل يوم إلى دكان قريب من المخيم ويشتري كيسا من السكاكر، ويقوم بتوزيعها على الأطفال خلال دوامهم.

أحمد علاوي أبٌ لأحد الأطفال الذين يدرسون في مدرسة المخيم أشار إلى أنهم يثقون بوئام وتعليمها لأطفالهم. فهي تقدم ما تستطيع لتعليمهم، علما أنها لا تتقاضى أيّ راتب أو مساعدة، فهي تعمل بشكل تطوّعي في سبيل إنقاذ هذا الجيل الذي أنهكته الحرب.

الحافلة غير مخصصة لمراحل دراسية معينة، بل تجمع الأطفال لضمان معرفتهم بالمبادئ الأولية علهم يلتحقون بالمدارس لاحقا

وللحيلولة دون بقاء الأطفال من دون تعليم، ومع ارتفاع عدد الطلاب النازحين في المخيمات أو المدن أو حقول الزيتون، بادرت منظمة “سيريا ريليف” غير الحكومية، ومقرها بريطانيا، إلى تنفيذ مشروع الحافلات المتنقلة.

يوضح مسؤول التعليم في مشروع الحافلات فريد باكير أن المبادرة “مخصصة للأطفال الذين نزحوا مؤخرا ولم يتمكنوا من الوصول إلى المدارس بسبب بعدها عن أماكن نزوحهم، إذ أنها عبارة عن حقول زيتون وليست مراكز مدن أو قرى”.

وتتنقل حافلتان حاليا بين بضعة مخيمات عشوائية جديدة في ريف إدلب الشمالي. ومنذ مايو الماضي، استفاد أكثر من ألف طفل من هذا المشروع.

وحذرت منظمة “سايف ذي شيلدرن” الشهر الحالي من أن الآلاف من الأطفال يواجهون خطر عدم الالتحاق بالعام الدراسي الجديد، خصوصا أن 87 منشأة دراسية تضررت أو تأثرت جراء الحرب. وتحولت 205 مدارس إلى مراكز إيواء للنازحين.

ولا تزال 635 مدرسة فقط من أصل 1193 قيد الخدمة، وفق المنظمة التي أشارت إلى أن تلك المدارس المتبقية قادرة على استيعاب 300 ألف من أصل 650 ألف طفل في سنّ الدراسة.

وتؤوي إدلب ومحيطها نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم تقريبا من النازحين.

وعلى لوح أبيض صغير، يشرح الأستاذ درس الحساب، وبعد الانتهاء، تبدأ التسلية. ينهمك الطلاب بالرسم والتلوين، ثم يستمعون إلى الأغاني، يرددونها ويصفقون معها.

ومع انتهاء الدروس، يعود الأطفال أدراجهم، فيما تغادر الحافلة على أن تعاود المجيء صباح اليوم التالي.

ويعرب راغب حسون وهو أب لثلاثة أطفال عن ارتياحه لهذا المشروع ويعتبره “بادرة جميلة”، لكنه ليس بديلا عن المدارس.

ويقول الوالد الذي نزح أكثر من مرة خلال عامين ونصف العام، “نريد أكثر، نريد خيما للأطفال تصبح مدارس دائمة. لا نريد أن يأتي الباص كل يوم أو يومين، نريد مدرسة على الأراضي التي نعيش فيها”.

لا يتمنى حسون المستحيل، فما يريده يطبق في مخيمات أخرى مثل خيمتي الدراسة في مخيم شرق مدينة الدانا في ريف إدلب الشمالي.

ووفق ما يقول مسؤول المخيم حمود الصياح، تتسع الخيمة الواحدة لعدد يتراوح بين ثلاثين وخمسين تلميذا كحد أقصى، إلا أن العدد تخطى مؤخرا 375 نتيجة موجة النزوح الأخيرة.

ولتوفير التعليم لهذا العدد الكبير، جرى اعتماد دوامين يوميا في الخيمتين؛ واحد مخصص للإناث وآخر للفتيان.

Thumbnail

ويوضح الصياح “أصبح الضغط كبيرا والوضع التعليمي سيئا”، مضيفا “لا نستطيع أن نقدم لهم المياه ولا الحمامات ولا الإضاءة ولا حتى ساحة للاستراحة”. ورغم ذلك، لم يجد أحمد الأسود سبيلا لتعليم ابنه البالغ خمس سنوات إلا الخيمة.

ويقول “تجد الطلاب من عمر 12 و15 عاما مع آخرين أعمارهم سبع وثماني سنوات”، مضيفا “يجب أن تكون هناك مدارس أوسع”.

وتكتظ إحدى الخيام بأكثر من ثمانين تلميذا، يرددون بصوت واحد أحرف الأبجدية. منهم من جلس على المقاعد وآخرون افترشوا الأرض ومنهم من بقي واقفا على قدميه. ويحمل معظمهم حقائب زرقاء عليها شعار منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

ويشكو عبدالرزاق الحسن (عشر سنوات) من الاكتظاظ، يقول الطفل الأسمر البشرة والذي ارتدى قميصا أزرق اللون “لا أستوعب  الدرس بسبب العدد الكبير”، مضيفا “إذا تكلم كل منهم كلمة واحدة يصدر صوت قوي، لا أنا أسمع ولا هم يسمعون ولا الأستاذ يسمعنا”.

ولهذا الطفل أمنية واحدة تتمثّل في “مدرسة أكبر وعدد طلاب أقلّ في كل قاعة”.

وأقصى ما يريده أن “نجلس على المقاعد بشكل مريح لنفهم على المعلمين ويفهموا علينا”.

17