بعد رحيل قائد السبسي.. مصير مجهول لقانون المساواة في الميراث

تونس- ترك الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي خلفه ملفات سياسية واجتماعية عالقة من أبرزها قانون المساواة في الميراث، أمام تساؤلات عن مصيره. ومع انتهاء العهدة النيابية الخامسة والأخيرة للبرلمان التونسي (31 يوليو 2019)، يبقى الغموض يلف مصير المبادرة التشريعية المتعلقة بإقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، التي اقترحها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، قبل سنتين.
وعلقت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان منذ فبراير الماضي، النقاشات حول هذه المبادرة، بعد تنظيم عدد من جلسات الاستماع لجهة المبادرة (رئاسة الجمهورية)، دون أن تقدم اللجنة مبررات لتعليق النقاش حولها.
ويرى نواب تونسيون أنه لا مجال لتدارك التصويت على المبادرة مع انتهاء العهدة النيابية للبرلمان، خصوصا في ظل وجود رفض واسع لها، فيما يؤكد آخرون أنه يمكن ذلك مع البرلمان المقبل.
ويجمع حقوقيون على أن المساواة في الميراث خطوة تاريخية لتعزيز حقوق النساء، وتكشف مدى تقدير الرئيس الراحل للمرأة، غير أنها تصطدم على غرار رفض شريحة واسعة من الرأي العام، بمعارضة حزب حركة النهضة الإسلامي ذي المرجعية الإسلامية وذي الثقل السياسي والبرلماني، فهو الحزب الأكثر تمثيلا في البرلمان الحالي بـ68 نائبا من أصل 217.
ومنذ اقتراحه عام 2017، أربك قانون المساواة في الميراث حزب النهضة التي باتت تروج للرأي العام على أنها حركة مدنية تتبنى الإسلام الديمقراطي، في حين أبانت معارضتها الشديدة للقانون خضوعها لتوجهات قواعدها المتشددة، وأنها لم تنجح في فصل الدعوي عن السياسي كما تتدعي.
وتطبع الازدواجية موقف حركة النهضة من قانون المساواة في الإرث؛ ففي حين صرحت قيادتها خارج حدود البلاد بعدم ممانعتها للمبادرة، كثفت شخصيات ومنظمات محسوبة عليها من تحركاتها داخليا لإسقاطها.
وقال النائب عن حركة النهضة محمد بن سالم، في تصريحات صحافية إن المبادرة المقترحة من الراحل قائد السبسي “لم تجد قبولا، وقد وجدوا (أصحاب المبادرة) صعوبة في إقناع أعضاء حزبهم (نداء تونس) بها”. وتابع بن سالم أن “هذه السنة هي سنة انتخابية، إلى جانب وجود رفض شعبي واسع جدا للمبادرة، ليس فقط من قبل الشريحة المتدينة، بل من عامة الشعب التونسي، لذلك توقف النقاش حولها”.
انتهاء العهدة النيابية
يخيم الغموض على مصير المبادرة مع انقضاء العهدة النيابية والدخول في إجراء المواعيد الانتخابية بعد تقديم موعد السباق الرئاسي في 15 سبتمبر القادم والحفاظ على موعد إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر.
من جهته، أوضح النائب عن “الكتلة الديمقراطية” (12 مقعدا) غازي الشواشي، أن “هذا البرلمان غير قادر، ولم تعد له الفرصة لا من حيث الوقت ولا الإمكانات، للتصديق على المبادرة”.
وأشار إلى “إمكانية أن يتبنى البرلمان المقبل هذه المبادرة، والذي سيجد مشاريع قوانين أخرى معطلة وذات أهمية تفوق 80 قانونا، وليس فقط هذه المبادرة، في إطار تواصل مؤسسات الدولة”. ويعتبر كثيرون أن المبادرة فشلت، غير مستبعدين إمكانية إعادة طرحها من قبل البرلمان أو الرئيس القادم في صورة فوز القوى الحداثية في الانتخابات المقبلة.
تكريم قائد السبسي
رغم أن أنصار مبادرة المساواة في الإرث فقدوا الأمل في إمكانية نجاحها أمام مماطلة البرلمان في النظر فيها، إلا أن هؤلاء يعتقدون أن تمرير القانون أفضل تكريم لقائد السبسي بعد رحليه. وكان قائد السبسي الذي توفي يوم 25 من يوليو الماضي عن 92 عاما، أيد خلال مسيرته السياسية العديد من الإجراءات المهمة لمصلحة المساواة بين المرأة والرجل، في إطار توجه تبناه قدوته الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس المستقلة.
وكان مدافعا شرسا عن حقوق المرأة التونسية ويتمتع بشعبية واسعة في صفوف النساء. ورأت النائبة عن “كتلة الائتلاف الوطني” (45 مقعدا) بشرى بالحاج حميدة،، أن “التكريم الحقيقي للرئيس الراحل قائد السبسي، هو التصديق على المشروع المتعلق بالميراث”.
وتقول بالحاج حميدة، التي ترأست لجنة الحريات والحقوق الفردية التي أذن بتركيزها (إنشائها) الرئيس الراحل قائد السبسي عام 2017، وانكبت على صياغة مشروع المبادرة، إن “البرلمان القادم إذا أراد تكريم الرئيس قائد السبسي، يجب عليه أن يواصل النظر في المشروع، ويحيله إلى الجلسة العامة للتصويت عليه”.
واعتبرت بالحاج حميدة، أنه “من الصعب تدارك مناقشة المبادرة مع البرلمان الحالي”.ويستند مؤيدو المبادرة ورافضوها إلى الدستور لتمريرها أو إسقاطها. وفي حين يؤكد داعموها أن الدستور ينص على المساواة التامة بين الجنسين، يستند معارضوها على المرجعية الإسلامية للدولة التي يؤكد عليها الفصل الأول من الدستور.
وفي جلسة استماع برلمانية سابقة حول مشروع المبادرة، اعتبرت المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قرّاش، أنها “تندرج في إطار تنزيل ما جاء به دستور 2014، وملاءمة القوانين في البلاد مع المبادئ والحقوق التي جاء بها الدستور”. وأشارت قرّاش إلى أن “البند 21 من الدستور، يقر المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل، وأن الدستور يضع على الدولة إلزامية حماية هذه الحقوق وتطويرها”.