واشنطن تلتحق باجتماع منتدى غاز شرق المتوسط: باب مواجهة آخر مع أنقرة

قلق من توسع خارطة التحالف التركية الروسية لتشمل شرق المتوسط بعد إرسال أنقرة سفينتين حربيتين ترافقان سفينة تنقيب عن الطاقة قبالة سواحل قبرص.
الخميس 2019/07/25
أنقرة تفتح جبهة جديدة من الصراع

تؤكد مشاركة وفد أميركي في اجتماع منتدى شرق المتوسط بالقاهرة، رغبة واشنطن في توجيه رسالة ردع شديدة إلى أنقرة، التي تبدو حريصة على استفزاز المجتمع الدولي وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال تصميمها على التنقيب بشكل غير قانوني عن الغاز في المياه الإقليمية القبرصية، رغم قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها الأسبوع الماضي.

القاهرة – أعطت التطورات بعد إتمام تركيا لصفقة الصواريخ الروسية أس-400 وتصعيدها في شرق المتوسط زخما لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذي تستضيفه مصر يومي الأربعاء والخميس، ووضعته تحت الأضواء خاصة مع إعلان الولايات المتحدة حضورها لهذا المنتدى الذي اتفقت مصر وقبرص واليونان على إنشائه، واختيار القاهرة مقرا له.

منذ بدأت التحركات المصرية والقبرصية واليونانية، وحتى بعد الإعلان عن تأسيس المنتدى، إثر الاجتماع الوزاري الأول بالقاهرة، في منتصف يناير الماضي، لم تبد واشنطن اهتماما كبيرا بالأمر، وبقيت متابعتها محصورة في حدود التأييد والمراقبة، لذلك اعتبر الإعلان عن مشاركة وفد أميركي يقوده وزير الطاقة ريك بيري، في فعاليات منتدى غاز شرق المتوسط، أمرا لافتا، ويقرأه المتابعون على أنه رسالة لتركيا التي صعّدت مؤخرا من عمليات التنقيب في شرق المتوسط. كما يشارك الاتحاد الأوروبي في المنتدى ممثلا بالمفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة والمناخ.

وأشادت واشنطن باستضافة مصر لهذا المنتدى، الذي يجمع إلى جانب مصر إيطاليا واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإسرائيل، مؤكدة على أنها ستبذل قصارى جهدها كي تكون هناك اتصالات فعالة بين المشاركين في المنتدى، باعتباره ضمانة لتحقيق مصالح شركات الغاز الأميركية في شرق البحر المتوسط، وتقليص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، ودعم إسرائيل واليونان وقبرص لبناء كيان إقليمي ضاغط ورادع للقوى المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة، وفي مقدمتها تركيا.

شركات أميركية

لم تتدخل واشنطن من قبل بشكل مباشر في اللقاءات بين قبرص ومصر واليونان، لأن الوضع لم يكن مقلقا لها، خاصة وأن علاقتها بأنقرة كانت متذبذبة تارة تشهد تقاربا وتارة أخرى توترا، إلا أن الأمر لم يشهد تصعيدا كما هو الحال اليوم بعد إتمام أنقرة لصفقة أس- 400 وتهديدها بشكل مستمر باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك الخيار العسكري، في مواجهة المشروعات القبرصية للتنقيب عن الغاز، والتي أصبحت تشارك فيها عدة شركات أميركية وأوروبية في الوقت الراهن.

وفي تحدّ واضح، وفيما يبدو العالم منشغلا بأزمة تهديدات إيران للناقلات البحرية في مضيق هرمز، فتحت تركيا جبهة توتر أخرى بإرسال سفن حربية إلى شرق المتوسط. وأظهر شريط فيديو نشرته وزارة الدفاع التركية، على حسابها الرسمي عبر موقع تويتر، سفينتين حربيتين ترافقان سفينة تنقيب عن الطاقة.

ويضع هذا التطور على المحك المصالح الأميركية في المنطقة، حيث اكتشفت شركة إكسون موبيل، عملاق الطاقة الأميركي، في فبراير الماضي خزانا عملاقا للغاز الطبيعي في حقل جلاوكوس-1 قبالة شواطئ قبرص في البلوك رقم 10.

وتدرس شركة إكسون موبيل أيضا مع إسرائيل المشاركة في مزايدة للبحث والاستكشاف عن النفط والغاز في قطاعات بحرية من المقرر عقدها قريبا في تل أبيب، وتجري أيضا مباحثات مع شركات إسرائيلية لإنشاء منصة عائمة للغاز المسال بهدف زيادة القدرة التصديرية لتل أبيب.

وتوصلت الشركة مؤخرا إلى اتفاق مع القاهرة للقيام بأنشطة البحث والاستكشاف في امتياز شمال شرق العامرية البحرية، ما يعني أن هناك آفاقا واسعة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من التعاون، ما ينعكس على جوانب من العلاقات السياسية والاقتصادية بين القاهرة وموسكو.

بينما العالم منشغل بأزمة تهديدات إيران للناقلات البحرية في مضيق هرمز، تفتح تركيا جبهة توتر أخرى بإرسال سفن حربية إلى شرق المتوسط

وتلعب شركة نوبل إنرجي الأميركية دورا مؤثرا في إنتاج الغاز في إسرائيل وقبرص. وتدير هذه الشركة حقل تمار الإسرائيلي، وتقوم بتطوير حقل ليفياثان الإسرائيلي العملاق. وفي قبرص لعبت دورا مهما في اكتشاف حقل أفروديت، لكنها لم تنجح بعد في تطويره وتنميته نتيجة تعثر التفاوض بشأن اتفاق تقاسم الإنتاج مع الحكومة القبرصية.

وتأتي المشاركة الحيوية لواشنطن ضمن اجتماع منتدى شرق المتوسط في إطار إعادة تشكيل الاستراتيجية الأميركية في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تشهد، إلى جانب التحركات التركية، نشاطا عسكريا واقتصاديا روسيّا، ما يجعلها نقطة لصراع قوة محتمل بين الدول الكبرى.

قلق من روسيا أيضا

تنظر واشنطن بقلق شديد إلى تزايد النفوذ الروسي في المنطقة خلال السنوات الماضية، حيث عززت موسكو من علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع دول كثيرة، مثل تركيا واليونان وقبرص ومصر وحتى إسرائيل.

وزاد التواجد العسكري الروسي في سوريا بشكل غير مسبوق من هواجس واشنطن عقب التدخل في الحرب الأهلية، وهو ما يمثل مصدر قلق شديد للمخططين للسياسات الأميركية، خاصة مع توقع أن يستمر الوجود العسكري الروسي في قاعدتي “طرطوس” و”حميميم” السوريتين لفترة طويلة قادمة، بعدما تم مد الاتفاقات التي تحكم هاتين القاعدتين لمدة 49 سنة، قابلة للتجديد إلى 25 سنة أخرى.

يضاف إلى ذلك أن شركة غازبروس الروسية تمتلك حصة كبيرة في غاز شرق المتوسط، إلى جانب شركة إيني الإيطالية، الأمر الذي يؤثر على سوق الغاز في العالم، وقد يجعل ذلك الولايات المتحدة خارج دوائر التأثير الاستراتيجي مستقبلا.

وفي خضم هذه التطورات تأتي مشاركة الولايات المتحدة في منتدى غاز شرق المتوسط في ظل مساعي واشنطن من أجل إعادة التموضع في شرق المتوسط، وإقناع حكومات المنطقة بأن نجاحها في مجالي الأمن والطاقة في المستقبل سيعتمد على الدعم الأميركي.

الوجود الروسي في سوريا يشكل مصدر قلق شديد للمخططين للسياسات الأميركية
الوجود الروسي في سوريا يشكل مصدر قلق شديد للمخططين للسياسات الأميركية

ويتعزز هذا الاتجاه بقيام العديد من المسؤولين الأميركيين بزيارة العواصم الكبرى في المنطقة مؤخرا، لحثها على تعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية في ما بينها، وتخفيف حدة التوترات المتصاعدة، خاصة بين الإسرائيليين واللبنانيين بسبب الخلافات الحدودية.

ونظمت مؤسسات فكر ورأي أميركية، مثل المجلس الأطلسي، بعض الفعاليات والأنشطة مؤخرا للبحث في مستقبل منطقة شرق المتوسط. وعقدت الولايات المتحدة واليونان أول حوار استراتيجي بين الدولتين في ديسمبر الماضي. كما شارك وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في القمة الثلاثية التي جمعت قادة إسرائيل واليونان وقبرص بالقدس في 20 مارس الماضي.

ووافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مؤخرا على مشروع قانون قدمه السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، في الـ10 من أبريل الماضي بعنوان “قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط لعام 2019”. ويتيح، حال إقراره من جانب الكونغرس ثم توقيعه من جانب الرئيس دونالد ترامب للولايات المتحدة تقديم المزيد من الدعم إلى كل من إسرائيل واليونان وقبرص من خلال عدة مبادرات للتعاون في مجالي الطاقة والدفاع.

كما تم رفع الحظر المفروض منذ عام 1987على مبيعات الأسلحة الأميركية إلى قبرص، وزيادة المساعدات العسكرية إلى اليونان، وإنشاء مركز لتسهيل التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة ودول منطقة شرق المتوسط، وإعاقة حصول تركيا على طائرات أف35 الأميركية طالما أصرت أنقرة على المضي قدما في خططها لشراء نظام الدفاع الجوي أس- 400 من روسيا.

لا شك في أن مشاركة الوفد الأميركي في اجتماع منتدى شرق المتوسط ستترتب عليها تداعيات بالغة الأهمية على مستقبل الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وعلى هيكل التوازنات القائمة داخلها، بما تطرحه من متغيرات جديدة أمام أدوار إقليمية ودولية.

7