انتهاك لحرية الصحافة: شرطة لندن تلاحق من ينشر وثائق حكومية مسربة

فتح سياسيون وإعلاميون بريطانيون نيران النقد والغضب على شرطة لندن بعد أن حذّرت الصحافيين ووسائل الإعلام من نشر أي برقيات مسربة بحوزتهم عقب فضيحة دبلوماسية تتعلق بسفير بريطانيا لدى الولايات المتحدة.
ويبستون (المملكة المتحدة) - ندّد صحافيون وسياسيون في بريطانيا بانتهاك حرية الصحافة ردا على توجيه الشرطة البريطانية تحذيرا لوسائل الإعلام التي تنشر وثائق سرية، وإعلانها عن بدء تحقيق جنائي في تسريب برقيات دبلوماسية أدت إلى استقالة السفير البريطاني في الولايات المتحدة كيم داروتش.
وحضّ مساعد قائد الشرطة البريطانية نيل باسو، الجمعة، أي شخص يملك وثائق حكومية مسربة من “مالكي وسائل إعلام أو رؤساء تحرير ومحررين في وسائل إعلام تقليدية أو على الإنترنت” على الامتناع عن نشرها وتسليمها للسلطات.
وقال باسو إن “نشر أي وثائق مسربة مع العلم بالضرر الذي تسببت به أو يمكن أن تتسبب به يمكن أن يعد جريمة جنائية”، وذلك في بيان أعلن فيه فتح تحقيق جنائي حول تسريب المذكرات الدبلوماسية التي تتضمن انتقادا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأدت إلى استقالة السفير البريطاني في واشنطن.
وانتقد بوريس جونسون، المرشح الأوفر حظا لخلافة تيريزا ماي في رئاسة الوزراء، القرار، مشيرا خلال لقاء لناشطين من حزب المحافظين في ويبستون في جنوب شرق إنكلترا، إلى أنه “من غير المعقول تعرض صحف أو وسائل إعلام أخرى تنشر وثائق مماثلة للملاحقة”.
ورأى جونسون، وهو صحافي سابق، أن نشر وثائق مماثلة لا يعد “تهديدا للأمن القومي”، وأن ملاحقة صحافيين على هذا الأساس تعتبر “انتهاكا لحرية الصحافة”، فيما شدد منافسه جيريمي هانت في تغريدة على أن المسؤول عن تسريب هذه الوثائق “يجب أن يتحمل مسؤولية أفعاله”، لكنه دافع بحزم عن حق الصحافة في نشرها.
وأعربت شخصيات سياسية أخرى عن التزامها تجاه حرية الصحافة. ودعا النائب المحافظ بوب سيلي، العضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الشرطة إلى “إعادة النظر بموقفها”، معتبرا، في مقابلة مع صحيفة ذي تلغراف المحافظة، أن ما تقوم به يشكل “سابقة خطيرة جدا”.
ونقلت ذي تلغراف عن وزير الثقافة السابق جون وتينغدايل قوله أيضا إنه ضد ملاحقة الصحافيين، مؤكدا أن “عملهم هو نقل الوقائع، سواء كانت مزعجة أو لا للأشخاص المذكورين فيها”. واعتبر وزير المال السابق المحافظ جورج أوزبورن، الذي يتولى حاليا إدارة تحرير صحيفة إيفنينغ ستاندارد، عبر تويتر، أن إعلان الشرطة فتح تحقيق جنائي “خطوة غبية جداً وغير حكيمة”. وحض نيل باسو على أن ينأى بنفسه من هذا التحقيق لـ”يحافظ على مصداقيته”.
في المقابل، ندد الصحافي السياسي في تايمز تيم شيبمان عبر تويتر ببيان الشرطة واصفا إياه بأنه “مخيف وعبثي وضد الديمقراطية”، فيما أبدى وزير الدفاع السابق مايكل فالون دعمه لموقف الشرطة. وقال لقناة بي.بي.سي إن على الصحافيين أن “يعوا الأضرار الحقيقية التي تتسبب بها أفعالهم والأضرار الأكثر خطورة التي يمكن أن تتسبب بها خروقات أخرى للقانون المتعلق بأسرار الدولة”.
وكان داروتش وصف في المذكرات التي نُشرت السبت الماضي الرئيس الأميركي بأنه “مختل” و”غير كفؤ”، موجها أيضا انتقادات قوية لأداء الإدارة الأميركية. وأثارت التسريبات غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أكد أنّ الولايات المتحدة “لن تجري بعد الآن” اتصالات مع داروتش واصفا الدبلوماسي البريطاني بأنه “غبي جدا”. كما طالت انتقادات ترامب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي كانت قد سارعت إلى التعبير عن دعمها لسفيرها.
وكتب الدبلوماسي في رسالة استقالته التي وجّهها إلى رئيس السلك الدبلوماسي البريطاني سيمون مكدونالد “منذ تسريب الوثائق الرسمية الصادرة عن هذه السفارة، أطلقت تكهنات حول منصبي ومدة ولايتي كسفير”، موضحا أن “الوضع الحالي يجعل من المتعذر بالنسبة لي أن أواصل القيام بواجبي كما أرغب”.
وأعربت ماي عن أسفها لاستقالة داروتش. وأعلنت الأربعاء خلال جلسة المساءلة الأسبوعية في مجلس العموم “من المؤسف جدا أنه اعتبر أن الضرورة تقتضي أن يتنحى كسفير في واشنطن”.
وأضافت أن “الحكومة الجيدة تعتمد على قدرة موظفيها على تقديم النصائح الصريحة والكاملة. أريد أن يتمتّع جميع موظفينا بالثقة اللازمة للقيام بذلك”. وأثار هذا الإعلان بلبلة في المملكة المتحدة على خلفية انعكاساته السلبية على العمل الدبلوماسي.
ويعد داروتش البالغ 65 عاما من الدبلوماسيين الأكثر خبرة خصوصا أنه يعمل منذ 42 عاما في السلك الدبلوماسي. وكان قد تولّى منصب سفير بريطانيا لدى واشنطن في يناير 2016 قبل فوز ترامب بالرئاسة. وشغل سابقا منصب الممثل الدائم للمملكة المتحدة في بروكسل من العام 2007 حتى العام 2011، ويعتبر من المؤيدين للاتحاد الأوروبي.