بين زمنين

على زملاء الخزري والمساكني اختيار المسلك الأنسب لولوج التاريخ بين زمنين مختلفين ثم اختيار الزمن الأنسب، فإما انكسار واندثار وإما انتصار وترشح باقتدار.
الجمعة 2019/07/05
لا خيار سوى الانتصار

هي 90 دقيقة أو أكثر بقليل ستفصل المنتخب التونسي عن سلك طريقه في هذه البطولة الأفريقية للأمم.

مباراة واحدة ستحدد المصير وتوضح الصورة الكاملة بخصوص هذا المنتخب الذي ذهب إلى مصر وهو يلتحف بثوب المرشح القوي والبارز لنيل اللقب، لكنه خيّب كل التوقعات وكان من بين “أضعف” المنتخبات إلى حد الآن.

هو خيط رفيع يفصل بين الانتصار والانكسار، فإما “ثورة” ناعمة تقضي على رواسب مباريات الدور الأول بكل ما فيها من سلبيات وأداء مهزوز، وإما العودة إلى الديار بـ“جناح” مكسور وجرّ “أذيال الخيبة”.

ما قدمه المنتخب التونسي خلال مبارياته في الدور الأول من مستوى مهزوز ومتواضع للغاية بعد أن اكتفى بالحد الأدنى المطلوب الذي رشّحه إلى الدور الثاني، أعاد إلى الأذهان صورة قديمة جسّدت في السابق تفاصيل نكسة أو جرح لم يندمل بعد رغم مرور ربع قرن.

ما قدمه المنتخب التونسي في مبارياته السابقة ضمن البطولة كان تجسيدا متجددا لمشهد رديء حصل خلال دورة سنة 1994 التي نظمتها تونس.

ففي تلك البطولة كان الجميع يتوقع مشاركة لافتة لمنتخب “نسور قرطاج”، مشاركة تاريخية بأتم معنى الكلمة تختتم بالحصول على اللقب.

كل الترشيحات في تلك البطولة صبّت في صالح المنتخب التونسي الذي ضم آنذاك نخبة من النجوم مثل شكري الواعر وفوزي الرويسي وعادل السليمي وزبير بية، لكن هيهات.. فهذا المنتخب تلقى في مباراته الأولى لطمة قوية للغاية من المنتخب المالي الذي هزمه بثنائية بعثرت كل الأماني والأحلام وكشفت “عورة” هذا المنتخب الذي عصفت به “التناحرات” و“حروب” الزعامات بين اللاعبين.

الذاكرة تتوارثها الأجيال
الذاكرة تتوارثها الأجيال

لقد حصلت النكسة التي أفرغت “الفؤاد” وحيّرت كل المتابعين، لقد تجسد الانكسار بكل معانيه في تلك البطولة التي كادت تصيب الكرة التونسية في “مقتل”.

أما اليوم فالكل في تونس يخشى تجدد هذا السيناريو المخيف، فكل المؤشرات الراهنة تدل على ذلك، بل توحي بوجود “شرخ” كبير صلب هذا المنتخب الذي قدم إلى حد الآن أحد أسوأ عروضه على امتداد تاريخ مشاركته في البطولة القارية.

هي مؤشرات لا تخدع بل تؤكد بأن “الماء ينهمر تحت الأقدام” في ظل وجود مدرب فشل في توظيف قدرات هؤلاء اللاعبين وفرضِ أسلوب واضح، وفي ظل وجود تراجع رهيب غير مفهوم في أداء نجوم هذا المنتخب.

والسيناريو المرعب قادم لا محالة ما لم تتحرك الأقدام وترد على كل الكلام فتسير عكس التيار وتخدع كل التوقعات السيئة التي تعاظمت بعد المباراة الأخيرة ضد موريتانيا.

هناك سيناريو آخر قد يستدل به هؤلاء اللاعبون، قد يكون “مصباحهم” في هذا الدرب المظلم، وقد يكون بمثابة بارقة أمل أمام هذا المنتخب التونسي كي يقلب الطاولة على كل المشككين ويواصل المنافسة في هذه البطولة.

في السابق كان هناك زمنان مختلفان رغم أن المسافة الفاصلة بينهما لا تتجاوز السنتين، فبعد نكسة 1994 جاءت ملحمة 1996. ففي دورة جنوب أفريقيا التي تلت دورة تونس، حقق المنتخب التونسي نتائج فاقت كل التوقعات، فجسد مقولة “من رحم المعاناة يأتي الفرج”.

في تلك البطولة بدأ منتخب تونس على استحياء فتعادل مع الموزمبيق ثم خسر ضد غانا قبل أن ينهي الدور الأول بفوز تاريخي على ساحل العاج فصعد إلى الدور الثاني.

اكتسب المنتخب التونسي أجنحة إضافية فتجاوز المنتخب الغابوني في ربع النهائي وتجرأ على الفوز على المنتخب الزامبي وصيف الدورة السابقة برباعية كاملة ليبلغ النهائي الذي خسره بشق الأنفس ضد منتخب البلد المنظم.

ليعود “نسور قرطاج” إلى تونس ويتم رفعهم على الأكتاف بعد مشاركة ملحمية وتاريخية بأتم معنى الكلمة كان شعارها الأساسي تكذيب كل التوقعات.

أما اليوم فلا درب آخر قد يسلكه هذا المنتخب التونسي في الدورة الحالية سوى إعادة سيناريو دورة 1994 بكل سلبياته أو اختيار سلك درب جيل 1996 عندما قلب كل المعادلات وكان من أفضل المنتخبات في تلك الدورة.

على زملاء الخزري والمساكني اختيار المسلك الأنسب لولوج التاريخ بين زمنين مختلفين ثم اختيار الزمن الأنسب، فإما انكسار واندثار وإما انتصار وترشح باقتدار.

لا توجد منزلة وسطى بين الزمنين، ولا نعتقد أن هذا الجيل الذي شارك العام الماضي في المونديال وقدم عروضا قوية في بعض المباريات الودية السابقة سيختار الخروج من الباب الضيق، أعتقد أنه سيختار الانتفاضة والخروج من تحت ركام السقطات الموجعة التي حصلت في الدور الأول.

هذا المنتخب قدره محاولة النهوض بأقصى سرعة، قدره الاجتهاد، فللمجتهد نصيب حتى وإن كان بأجر واحد.

22