مؤتمر المنامة الاقتصادي ومبادرة الرئيس ترامب

مقدمة واجبة: هل المشاركة الفلسطينية في التصدي للحراك الأميركي تعكس موافقتها على المؤتمر الاقتصادي ومفاوضات المبادرة الأميركية؟ أم هي واجب وطني وأخلاقي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الشرعية وأهدافه ومقدساته وثوابته؟
ثم هل الأفضل لشعبنا أن تعلن قياداته رفضها المطلق وتختفي في مكاتب رام الله أو غزة وكفى الله المؤمنين شرّ القتال؟ أم يكون ممثلوها في مواقع المؤامرة وأماكن اجتماعاتها جنباً إلى جنب مدعومين بإخوانهم العرب والمسلمين ودول العالم الغالبة والمؤيدة لأهدافنا وقرارات الشرعية الدولية؟
ما الذي يمنع الرئيس محمود عباس من رفض الحراك الأميركي سواء أكان في مكتبه في فلسطين أم في أي عاصمة أو مدينة أخرى، فكلاهما سواء، ولكنّ الحل الأول قد يتسبب لنا في أزمات مع حلفائنا العرب والدوليين، كما سيقلص قدرة هذه الدول على المساهمة الرافضة، حيث أن صاحب “المولد” غير متواجد في ساحة الحدث.
نظرة سريعة للمديرين والمتحدثين والمشاركين في المؤتمر الاقتصادي في العاصمة البحرينية، المنامة، تبرز تميّز وتنوّع هؤلاء من دول لا نستطيع أن نصفها بكونها مؤيدة للولايات المحتدة وإسرائيل. فبعضهم من روسيا وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي ونيجيريا والبنك الدولي وعدد من الدول العربية، ويشاع أن عددا من رجال الأعمال الفلسطينيين يشارك أيضاً. كيف يمكننا أن نترك جمعاً كهذا دون متحدث فلسطيني يشرح الظلم والاحتلال وما يعانيه شعبنا المنكوب؟
أن نقوم بواجبنا في الدفاع عن شعبنا ليس الموافقة على ما يجري، بل هو ما يتوقعه شعبنا وحلفاؤنا والعالم بأسره من الدفاع المنشود عن حقوقنا الشرعية.
جاءت التصريحات الوردية الأخيرة في ما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية والدعم المادي الذي سوف يترافق أو يتوالى مع التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي تتضمنه المبادرة الأميركية، وتأكيداً بحل كل المشاكل المالية والاقتصادية التي تعاني منها السلطة الوطنية وحكومة حماس والمجتمع الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، وكذلك مناطق التماس التابعة للدول العربية المجاورة للأراضي الفلسطينية.
كانت تلك التصريحات تحمل في طياتها ما يريد الفلسطينيون أن يسمعوه، نظرا للوضع الصعب والقاسي الذي فرضته قوات إسرائيل المحتلة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية التي تسيطر السلطة الوطنية وحركة حماس عليها. ولم تتطرق تلك التصريحات المفرحة إلى الثمن المطلوب من الفلسطينيين لتحقيقها، والذي سبق التصريح عنه والإعلان له والذي لا يملك الفلسطينيون، أهل السلطة الوطنية أو أهل حركة حماس الإسلامية، إمكانيات تقديمه.
ما لم تشرحه تلك التصريحات هي النتائج أو العقوبات التي ستفرض على الفلسطينيين في ما لا يملكون أو حين لا يتجاوبون أو يقبلون الشروط التي لا يمكنهم قبولها أو التجاوب معها. وتلك هي الطامة الكبرى.
كيف يُمكن الظن أو المنطق أو العدل أن يوافق الرئيس عباس على أن يتخلى عمّا تبقى من أرض أجداده ومقدساتها نظير ميناء أو طريق أو فرص عمل؟ وكيف يمكن الضغط والتهديد والترغيب له من أجل الموافقة على ذلك؟ وكيف يمكن لقادة حماس، أو أي مواطن فلسطيني، أو حكومة عربية أو مواطن عربي أن يقبل ذاك؟
ليس سرّاً أن الولايات المتحدة سوف تتبع تلك الدفعة من الإغواء بدفعة من العقوبات التي ليس أولها إسقاط السلطة الفلسطينية من الداخل بوقف المساعدات التي تقدمها للمجتمع الفلسطيني، والعمل على إلغاء “الأونروا” في الأمم المتحدة، ومنع أيّ نوع من المساعدات للحكومة الفلسطينية وتحويلها إلى البلديات كعودة للمحاولات السابقة في هذا الشأن.
ليس هناك خلاف على ما يمكن أن تفعله أميركا أو إسرائيل، ولكن التساؤل هو ماذا سوف نعمل نحن الفلسطينيون؟
إن الاستراتيجية التي نتبعها كفلسطينيين، والمعتمدة على التقوقع والالتفاف حول النفس والرفض، وعدم المشاركة ولا الإقناع ولا الاتصال ولا التحشيد، لا يمكن أن تحقق أهدافنا. ولا تحمي أرضنا ولا شعبنا. إن قوة صمود شعبنا المناضل تعتمد على تأييد حلفائنا من إخوتنا العرب والمسلمين، والدول العالمية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. ولهؤلاء يجب أن نتّجه.
علينا أن نتّجه إلى دول العالم لنقول لها إننا نريد أن نعيش كما شعوب العالم الأخرى، وأننا نبغي السلام لشعبنا ولشعوب العالم، وأننا قد دفعنا ثمناً باهظاَ خلال قرن من الزمن للحفاظ على حقوق شعبنا، وأن ضحايانا يملأون مقابرنا، وأننا نريد العيش بسلام في بلادنا، وأننا لا نستطيع أن نتخلى عن القدس، ولا نتنازل عن أرضنا التي تبني عليها إسرائيل مستوطنات تضمّها إليها.
نقول للعالم دون تردد أو وجل، إننا دافعنا عن حقوقنا ومقدساتنا خلال قرن من الزمن. وقدّمنا الشهداء وخضنا النضال وروينا أرض فلسطين بدمائنا، وأنّا لن نتخلى عن الأقصى ولا أي شبر مما تبقى لنا من أرض آبائنا وأجدادنا. وسوف نبقى ندافع عن بلادنا وشعبنا وحقوقنا في أي محفل أو بلد أو زمن.