هل عقلك مستأجر؟

يقال إن العقل زينة، وهو أثمن ما يملك الإنسان ويتميّز به، وهذه مسلمات، الأهم تحكم الإنسان بعقله أو لا تحكمه نعم لا تحكمه، فقد جال الباحث ديلا استا في مؤلفه “التفكير المقصود” في مسألة باتت تشكل تحديا للوعي وتشخيصه، حيث يرى أن أغلبية الناس تؤجر عقولها طوعاً من خلال سلسلة من الظواهر الدالة، التي تكشف أن الناس منقادة لغيرها وكأنها تخلت عن عقولها وعرضتها للإيجار!
وإلا كيف تفسر الكثير من الظواهر اللامنطقية التي لا يقبلها عقل أو منطق؟، إذ يذهب الباحث بعيداً “بأن عقول البشر مجرد أجهزة تسكن في الدور العلوي مِن أجسادنا وقد تم تأجيرها للآخرين للتحكم بها”.
وهذه المسألة لا تقتصر على الأميين وأنصاف المتعلمين بل يشترك فيها أشخاص يحملون الشهادات العليا وأشخاص يصنفون نجوماً.
ولكي تختبر سلامة ملكية عقلك، يضع الباحث خمس علامات كمؤشر على امتلاك العقل أو إيجاره للغير طوعاً أو كرهاً، في مقدمها التسليم التام بمسلمات غير قابلة للنقاش، فتجد أن شخصية صاحبها لا تحاول مجرد التفكير في تلك المسلمات، أو أعطاء فرصة لمراجعتها، ويعلق الباحث نزار عوسجي على ذلك بأنه “من أبرز علامات العقل القابل للتأجير والمنتهي بالتملك، حيث يترك لغيره فرض المسلمات، وبذلك يتحول إلى عقل مستأجر بالكامل”.
والمؤشر الثاني للعقل المستأجر أن لديه افتراضات لا منطقية مبنية على اجتهادات فردية غرسها الآخرون ويقوم أصحابها بتطبيقها من دون عناء التحقق منها.
المؤشر الثالث للعقلية المستأجرة هي تقديس صاحب الفكرة لا الفكرة، وتحويل الأشخاص إلى شخصيات مقدسة، وتفضيلها على سواها، وتحويل العقل إلى مستأجر دائم وبالمجان على مدى الحياة.
المؤشر الرابع الانسياق خلف التفكير الجمعي “عقلية القطيع” بدعوى تماسك المجموعة وانصهارها وذوبان الآراء فيها من أجل تماسكها ووحدتها والخروج على الموضوعية، بل يخفي الشخص صوته حتى يتوافق مع صوت المجموعة ويتنازل عن قناعاته لصالح التوجه الافتراضي الجمعي، على حد وصف الباحث عوسجي.
أما المؤشر الخامس للعقول المستأجرة فهو لجوء المصاب بهذه الحالة إلى إصدار الأحكام الفورية القاطعة غير القابلة للنقاش والمبنية على أحكام مسبقة وموروثات متراكمة لا علاقة لها بسلطة العقل الحر، الذي يعتمد القراءة الموضوعية والتمحيص والمقارنة والاستدلال التي تسبق الخروج بقناعات تتناسب مع حقيقة الموقف والحالة التي أُعطي فيها رأي.