الساحر المتمرد على السجاد الأحمر

مارادونا فقط، من جعل كل عشاق الكرة في زمنه يدمنون متابعته ويعيشون حالة من الهوس والجنون بحكم تأثير سحره، قبل أن يدمن تناول المواد المحظورة.
الأحد 2019/05/19
لاعب له قدم يسرى تسحر الألباب

لن نضيف شيئا إذا استعرضنا شريط الذكريات العالمية المرتبطة بتطور لعبة كرة القدم، سنقول إن هذا التطور كان ملتصقا أساسا بتضاعف الميزانيات المرصودة لهذه اللعبة التي سلبت العقول على امتداد عقود.

سنؤكد أن الأموال وعائدات الإشهار والتسويق والبث التلفزيوني والاهتمام الإعلامي الذي يزيد يوما بعد يوم، كلها عوامل جعلت كرة القدم من أهم الأمور التي تدار حولها التظاهرات الكونية في العالم.

سنشدّد على أن اختلاف الأمكنة وتعاقب الأزمنة ساهما في بروز نخبة من اللاعبين الأساطير والنجوم الذين بصموا بالعشرين على أنهم خلدوا أسماءهم في السجل العالمي لكرة القدم.

لن نختلف بلا شك مع من تحدثوا عن بيليه وبوشكاش وكرويف وبيكنباور وأوزيبيو وغيرهم في العهد الأول من تطور هذه اللعبة، سنقول إنهم كانوا فعلا أساطير.

لن نختلف معهم أيضا عند الحديث عن أساطير العهد الثاني الذي ضم نجوما كتبوا أسماءهم في هذا السجل الفريد، مثل زيدان ورونالدو البرازيلي وفان باستن وخوليت ومالديني ودل بييرو وباجيو وتشفشينكو وأوين وريفالدو والقائمة طويلة.

أيضا لن نكون ضد التيار وننكر حجم الإضافة التي قدمها نجما القرن الجديد ميسي ورونالدو البرتغالي، فهذا الثنائي دشن العهد الثالث من تاريخ تطور كرة القدم بطريقة مدهشة، أهم ما فيها أنها كانت عنوان تحطيم كل الأرقام القياسية على المستوى الشخصي.

لكن بقي شخص وحيد، هو لاعب استثنائي وفريد، صنع الحدث بكل المقاييس والتجليات والتفاصيل، لاعب أسطوري قد لا يكفي ألف كتاب كي يجسّد مسيرته الكروية المنفلتة والمنفردة، لكن ربما من خلال فيلم يعرض على شاشات السينما يمكن اختصار كل هذه التقلبات والعبقرية.

ألم يتفق الكل على أن صورة واحدة أبلغ من ألف كلمة؟ إذا فلتكن ألف صورة في فيلم واحد يتمحور حول حياة هذا اللاعب، لعلّ هذا الفيلم يوفيه حق قدره.

ليس غيره، إنه ذلك المدهش الأرجنتيني دييغو أرمندو مارادونا من يكون بطل الفيلم، ربما لا أحد غيره من الأساطير قد يكون مؤهلا كي يستحوذ على عقول صناع السينما في العالم، فهو من قلب كل المفاهيم ونواميس كرة القدم في عصره وأسّس لقاعدة اللاعب الأوحد المنقذ والقائد، فلخّص فريقا أو منتخبا بأكمله في سطوة وسحر قدمه اليسرى.

من غيره كتب التاريخ الكروي بكل الإيجابيات والإبداع الخارق، ومن غيره دخل التاريخ الكروي كلاعب ومدرب متهوّر ومارق.

هو مارادونا فقط من جعل كل عشاق الكرة في زمنه يدمنون متابعته ويعيشون حالة من الهوس والجنون بحكم تأثير سحره، قبل أن يدمن تناول المواد المحظورة، هو فقط اللاعب الأسطوري الوحيد الذي ولج عالم الكرة من الباب الكبير قبل أن يغادر من الثقب، هو فحسب اللاعب الوحيد الذي لا يزال كلما ارتحل وحلّ يثير الإعجاب والتقدير حتى وإن مرّ على اعتزاله حوالي ربع قرن من الزمان.

إذا حقّ له أن يلج عالم السينما ليس كممثل أو مخرج، بل كبطل فيلم وثائقي سيتم عرضه في مهرجان كان السينمائي بفرنسا.

في أحد أعرق التظاهرات السينمائية في العالم، ربما يكون مارادونا ضمن الحاضرين، إذا ما وجهت له الدعوة مثل كبار نجوم السينما، ربما سيسير على السجاد الأحمر.

لو حضر سيكون بلا أدنى شك نجم المهرجان دون منازع، سيكون عريس التظاهرة السينمائية، رغم أنه لم يكن يوما ممثلا أو وجها سينمائيا.

نسيت يا جماعة لقد مثّل مرة واحدة في حياته، حين تقمص دور “الإله” ووضع الكرة في الشباك بيده ذات مونديال مكسيكي سنة 1986.

هو قطعا أحد “آلهة” الكرة، هو أحد صانعيها ومبدعيها، فكم سيربح المهرجان ويزداد ألقه لو حضر الفتى الذهبي.

منذ حوالي 11 سنة صنع الأسطورة الأرجنتيني الحدث في هذا المهرجان عندما تم إنتاج فيلم وثائقي يروي مسيرته الكروية، فهل هناك لاعب آخر نال هذا الشرف؟

هو مارادونا لوحده من يدير الرقاب ويسيل مجرد ذكر اسمه اللعاب، ولو كتب له الحضور، ربما سيحدث ذلك ضجة كبرى ضمن فعاليات هذا المهرجان الذي سيحتفي بلاعب فنان.

هو المتمرد، البطل، المحتال، هو الساحر، كلها صفات وردت في عنوان الفيلم، فمارادونا اختصر كل شيء، وجمع كل المتناقضات.

كان متمردا على كل من سبقوه في عالم هذه اللعبة، تمرّد على الأساليب القديمة، تمرّد على مدربيه وكذلك بعض الأندية التي لعب لها، تمرّد على ماضيه الطفولي البائس فصنع لنفسه مجدا أزليا.

كان بطلا قوميا وأسطوريا في بلده وأيضا في إيطاليا، لقد قاد منتخب الأرجنتين لإحراز كأس العالم، ثم انبرى ليكتب التاريخ لنادي نابولي الإيطالي.

كان محتالا، احتال على الجميع وسجل هدفا في مرمى إنكلترا في مونديال 1986 ولم يتفطن إليه أحد، أراد الاحتيال مجددا وشارك في مونديال 1994 مستعينا بمنشطات محظورة، فلم يفلح.

كان أحد “آلهة” الكرة، والزمان لن يجود بلاعب مثل مارادونا، لاعب صنع كل شيء من لا شيء، لاعب له قدم يسرى تسحر الألباب، لاعب حاز أغلى الألقاب، كل هذا وأكثر يجعلنا نقول السجاد الأحمر يليق بك أيها “الإله” المتمرد.

23