احتفل مثلما شئت

"أنا ممتن كثيرا لليفربول وسعيد بأنني مررت على هذا النادي، لقد لعبت له كثيرا وفتح أمامي أبواب الشهرة، لكن ذلك لن يمنعني من الاحتفال إذا سجلت في مرماه".
هي كلمات بسيطة وموجزة، لكنها معبّرة صدرت عن نجم برشلونة لويس سواريز قبل أيام من المواجهة المرتقبة التي تنتظر فريقه الحالي ضد ناديه السابق.
مشاعر سواريز كانت صادقة وخالية من كل تزويق، لقد أعلنها صراحة مؤكدا أنه لن يتورّع عن إبداء مشاعره عند اللقاء المرتقب بين الفريق الكاتالوني وضيفه “الليفر” الأربعاء المقبل ضمن ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال.
فسواريز لخّص كل شيء وأوجز كل المسيرة في ركن واحد، هو ركن البيت الكاتالوني الذي عاش معه المجد وكتب من خلاله التاريخ الكروي الخاص به.
هو لم يتنكر لتجاربه السابقة، هو لم يضمر العداء لليفربول، بل أثبت فقط الولاء لناديه الحالي، أظهر أن زمن الاحتراف لا يتعاطف مع الماضي بل هو انصهار فقط في ما هو حاضر، ولم لا تطلع إلى ما هو آت.
سواريز، هذا اللاعب البالغ من العمر 32 عاما بدأ مسيرته فتى يافعا متألقا في مسقط رأسه بالأوروغواي، حيث تألق مبكرا فلعب مع نادي ناسيونال قبل أن تلحظه أعين الكشافين من أوروبا لتكون هولندا بوابته إلى القارة العجوز.
بدأت الرحلة نحو أضواء أوروبا من الأبواب الخلفية حيث انضم إلى فريق غرونينغن المغمور، لكنه تمكن بسرعة من خطف الأنظار، فتلقفته أيادي صناع القرار في نادي أياكس أمستردام.
وبما أن الأياكس هو “منجم” الذهب الذي لا ينضب، وهو مصنع النجوم الواعدة، فقد تم صقل جوهرة مدينة مونتيفيديو وأصبحت جاهزة للتصدير، فدفع نادي ليفربول الغالي والنفيس من أجل الظفر بهذا الكسب الثمين.
بدأت رحلة النجومية والشهرة، انطلقت ماكينة الأهداف في العمل الدؤوب، ونجح سواريز في أن يثبت للجميع أنه موهبة نادرة وهداف بارع وماهر، لقد سجل عددا كبيرا من الأهداف، لقد أظهر خلال المواسم الثلاثة التي قضاها بقميص “الريدز” أنه لاعب موهوب.
بيد أن سواريز لم يتمكن من تذوّق حلاوة البطولات والتتويجات في إنكلترا، لقد اكتفى بلقب يتيم لا يساوي شيئا في دفاتر نجم يسعى للهيمنة والتفوق واكتساح البطولات ليس محليا فحسب، بل أوروبيا وعالميا.
ربما يتذكر سواريز تلك الحادثة التي لن ينساها أبدا جمهور ليفربول عندما ضاع لقب الدوري الإنكليزي في آخر جولات موسم 2013 ـ 2014 بطريقة درامية ومبكية بعد السقطة الشهيرة للقائد السابق ستيفن جيرارد.
لقد أيقن أن هذا الفريق تحاصره “لعنة” مزمنة تجعل الألقاب مستعصية عليه في كل مرة، تجعل لقب الدوري الإنكليزي الغائب عن خزائن النادي منذ سنة 1990 أشبه بسراب.
إذًا، فالرحيل أفضل والهروب أسلم واختيار الوجهة القادمة بحكمة أمر ضروري، وسواريز اختار الرحيل إلى درب سالك يجنب المخاطر والمهالك، ويوفر الاستقرار الدائم والغنائم، هو درب برشلونة بقائدها الأسطوري ميسي.
لم ينتظر فتى الأوروغواي كثيرا، حيث تمكن منذ موسمه الأول من تذوّق حلاوة الألقاب محليا وأيضا أوروبيا.
في موسمه الأول مع النادي الإسباني، عاش سواريز على وقع بداية صعبة حيث كان معاقبا من قبل الفيفا بسبب اعتدائه على الإيطالي كيليني في كأس العالم 2014، لكنه لم يتأثر، بل صبر ونال ما أراد.
فبرشلونة كان بمثابة الملاذ الآمن حيث وفر له كل أسباب الراحة والعيشة الهانئة، لقد أنساه سريعا كل تجاربه السابقة وفتح أمامه أبوابا بعرض الآفاق الممتدة كي يمرح وينجح ويفجر كل طاقاته ومواهبه الكروية.
لقد منحه شرف مزاملة لاعبين رائعين للغاية يعتبرون من الصنف الأول عالميا، لقد كان له شرف اللعب مع نيمار وشابي وإينييستا وبوسكيتس، والأكثر من ذلك اللعب مع نجم النجوم ميسي.
فهل ما زال يحنّ إلى الماضي كل من لعب وزامل وأصبح صديقا مقربا لميسي؟ هل من بات يحصل على البطولات في كل موسم وفصل ما زال يتعاطف مع تاريخه السابق؟
بلا شك يبدو الأمر صعبا وغير وارد خاصة مع سواريز الذي وجد راحته في ظل ميسي، وجد النعيم الذي طالما حلم به في السابق.
فكيف لا يحتفل إذا نال من مرمى فريق الأمس خصم اليوم؟ سيحتفل ويفرح ويمرح وإن لزم الأمر فليرقص.
لقد انتهت إلى الأبد مرحلة الحنين إلى الماضي، لا مجال للعواطف والمشاعر الجياشة المفتعلة والكاذبة، فسواريز سقط في هوى فريق واحد فقط، هو برشلونة.
لقد عشقه وكم تمنى أن يرتدي زيه، أما بقية الفرق التي لعب لها فكانت مجرد سلالم كان يتعين عليه أن يتسلقها كي يصل إلى قلب “محبوبته” الكاتالونية.
لكن ماذا لو انقلبت الآية وحصل العكس وتمكن نجوم ليفربول من التلاعب ببرشلونة؟ ماذا لو فشل سواريز مجددا مثلما حصل في السنوات الثلاث الأخيرة ولم يتمكن من مساعدة فريقه على الوصول إلى المباراة النهائية؟
بلا شك فإنه لن يسعد أبدا لو تأهل ليفربول، بكل تأكيد سيصاب بالإحباط وربما لن يساند ليفربول في النهائي، هو لن يحتفل إلاّ إذا فاز برشلونة، فاحتفل مثلما شئت، لكن ليس قبل أن تسجل وتتأهل.