هي تريد وردا يا إبراهيم!

"عايزة ورد يا إبراهيم"، جملة شهيرة طافت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نجاح الفيلم المصري “أحلى الأوقات” من سيناريو وحوار وسام سليمان وإخراج هالة خليل.
هي تريد وردا يا إبراهيم، وإن لم تكن تقدر على ثمن باقة فوردة واحدة تكفي واحذر أن تقول لها إنّ رطلا من الكباب خير من باقة الورد وإنّ الكباب أكثر رومانسيّة من الورود. هي تريد وردا يا إبراهيم وقد تهديك وردا أيضا وتريد دعوة للعشاء وقد تدعوك أيضا وتشتهي علبة شوكولاتة وقد تأتيك بواحدة مثلها أيضا.
هي، وفي الحقيقة، يا إبراهيم، تريد اهتمامك لا غير. ومن اللّباقة، يا سيّدي، أن تهديها باقات الورد في كلّ الأيّام ما عدا يوم واحد، ذلك اليوم الذّي يتّفق كلّ سنة مع الثّامن من شهر مارس ليكون يومها العالمي ومناسبة يحتفي فيها الجميع بما حقّقته المرأة لنفسها ومجتمعاتها. ولذا، يا إبراهيم، لا تقدّم لها وردا في ذلك اليوم وكن سندا لها في تحقيق ما تنشده من حريّة وحقوق.
وإبراهيم، كما أراه، هو ذلك الرّجل العربيّ الذّي ينغمس في مشاغل الحياة فتجتمع عليه هموم المعيشة وينسى في نهاية الأمر أن يهتمّ بمن يستحقّ الاهتمام فعلا. ولعلّه لا يتفطّن لزلّته تلك أصلا لأنّ العقليّات البالية التّي مرّرها له الآخرون على أنّها قواعد سلوك عاديّة قد لا تسعفه في الاستفاقة من غيبوبته.
طبعا، هي عقليّات بالية وليست ثقافة لأنّ ثقافتنا في العالم العربيّ كما عرفناها من خلال تاريخنا تُبوّئ المرأة مكانة متميّزة وتشجّع على الاهتمام بها والاعتماد عليها واحترامها. فكم من قصيدة قيلت في المرأة وكم من نصّ عربيّ أصيل قام بتدوين وتوثيق إسهاماتها وبطولاتها؟ بل وكم من امرأة عربيّة تألّقت حتّى صارت مرجعا في مجالات مختلفة كالسّياسة والشّعر والأدب والعلم والطبّ والفنّ وغيرها؟
على مرّ القرون، كان تاريخنا العربي حافلا بإسهامات المرأة، ورغم ذلك وللأسف مازال بعضنا يستسلم لعقليّات مستحدثة تغلغلت في مجتمعاتنا وصارت متواترة بقدر كبير ممّا جعل منها ظواهر بالية ومسيئة في نفس الوقت لرجالنا ونسائنا على حد السّواء. ولعلّ من المفارقات العجيبة أن نرى البعض يتغنّى بمحاسن وفضل النّساء في نفس الوقت الذّي يهاجم فيه وبشراسة حقوقهنّ غير آبه بما قد يعكسه هذا السّلوك السّخيف من فصام حادّ.
وبالطّبع أعداء حقوق المرأة كثر فيهم من يتعلّل بالتّقاليد عن جهل وفيهم من يستشهد بالأوضاع في الغرب ويعبّر عن مخاوفه من العدوى الثّقافيّة وفيهم من يستغلّ الدّين في غير محلّه ولعلّ أسوأ أعداء المرأة من بين هؤلاء جميعا هنّ تلك النّساء اللّاتي استبطنّ الخضوع والوهن ورحن يحاربن حقوقهنّ عن دراية أو جهل.
تلك النّساء من محاربات حقوق المرأة بالتّأكيد موجودات تقريبا في كلّ دول الشّرق الأوسط ولعلّ أشرسهنّ في المراقبة والمطاردة هنّ تلك الإيرانيّات اللاتي تأثّرن بفكر مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة روح الله الخميني. وقد رأينا في عديد المناسبات عددا منهنّ يلعبن أدوارا مختلفة أغلبها بوليسيّة بحتة تتراوح بين التّفتيش والتصّنت والتتبّع وقد تصل أحيانا حدّ التدخّل العنيف لقمع غيرهنّ من النّساء.
وبما أنّي أريد أن أتفاءل ولو قليلا فإنّي سأترك هذا الموضوع جانبا لألتفت لظاهرة إيجابيّة رأيناها تنتشر في السّنوات الأخيرة وهي ظاهرة مساندة الرّجال لقضايا المرأة. فمثلا في تونس لم تعد مسيرات النّساء نسائيّة فقط بعد أن التحق بها عدد كبير من الرّجال وصاروا بذلك حليفا أساسيّا وفاعلا في نضالات المرأة. وهذه الظّاهرة ودون شكّ ترتقي بمطالب المساواة والتحرّر إلى مستوى القضيّة الوطنيّة التّي يطمح لها الجميع بغضّ النّظر عن الجنس أو النّوع.
في الدولة الشّقيقة لبنان أيضا، رأينا مثل هذا التّحالف بعد مناداة العديد من الرّجال بضمان حقوق المرأة ومطالبتهم بحمايتها وتمكينها من الفرص الضروريّة التّي قد تساعدها على لعب دور بنّاء في مجتمعها.
أمّا في المملكة العربيّة السعوديّة، فالأمر الإيجابي في السّنوات الأخيرة كان الإرادة السياسيّة التّي وبعد سنين من مقاومة التّغيير فرضت إصلاحات هامّة واختارت بذلك أن تكون حليفا قويّا للمرأة ولتطلّعاتها. ولا يخفى على أحد أنّ الإرادة السياسيّة في مثل هذا السّياق هامّة جدّا بل هي ضروريّة لتحقيق الإصلاحات وتغيير العقليّات.
ومن المهمّ في هذا الإطار تثمين تحالف القيادة السّعوديّة مع المرأة كما من المهمّ أن يتزامن هذا التّحالف مع التفاف نسائي سعودي وعربي حول القيادة الحاليّة التّي تمثّل في جوهرها فرصة ثمينة قد لا يعيدها التّاريخ.
ونحن في عالمنا العربيّ نعرف حقّا أهميّة الإرادة السياسيّة فقد رأيناها وهي تنجز وتحقّق طموحات المرأة في تونس في عهد الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة ونحن نراها اليوم وهي تعمل وتجتهد لتحقيق الإصلاح في المملكة العربيّة السعوديّة. وبالطّبع متى اتّفقت القيادة السياسيّة مع تطلّعات شبابها من النّساء والرّجال صارت وبامتياز قوّة دفع في اتّجاه مستقبل أفضل.
وقد يتساءل البعض من النّاس عن سبب إصرارنا على حقوق المرأة ومطالبتنا بتوسيع دائرة حريّاتها وتمكينها من أدوار قياديّة في جميع المجالات وكأنّ إصرارنا فيه إجحاف لها. ولكنّنا نؤمن بأنّ التّمييز الإيجابي ضروري وبأنّ المرأة أحقّ من غيرها من الرّجال بالمساعدة والدّعم في ظلّ تواصل حملات التّحامل والتحيّز وتغلغل العقليّات البائسة التّي تسعى ودون هوادة إلى جعل المرأة مواطنة من درجة ثانية.
أمّا عند الحديث عن مسألة الكفاءة فأنا ممّن يعتقد أنّ المرأة كما الرّجل تماما وذلك بقدر متساو جدّا. فبعض النّساء متميّزات في عملهنّ وبعضهنّ الآخر، كما هو الحال مع بعض الرّجال، متقاعسات جدّا ولعلّها مسألة إرادة قبل كلّ شيء.
لكن يبقى من الثّابت أنّ المرأة العربيّة أكّدت على جدارتها في أكثر من مجال حتّى أصبحنا اليوم نأتي على ذكرها كمختصّة في علم الفضاء والطبّ البيطري والصّحافة والسّياسة والتّاريخ وغيرها من المجالات. وهنا يمكننا أن نجزم أنّ تميّز المرأة وتألّقها قد تحقّقا، في جانب منهما، كردّ على النّظرة الدونيّة ومحاولات الاستنقاص. ففي ظلّ العقليّات المعادية نوعا ما، صارت المرأة العربيّة تعمل دوما على مضاعفة المجهود والعمل بجديّة تامّة ممّا يمكّنها من تحقيق قفزات هامّة ويجعلها في عديد المناسبات الأجدر بتسيير الأمور وتحمّل المسؤوليّة.
ونهاية، كامرأة عربيّة، أودّ أن أشكر كلّ النّساء العربيّات وعلى رأسهنّ أمّي لأنّها وببساطة كانت ومازالت مثالا يقتدى به في مواجهة التحديّات بأنواعها وفي الطّموح لتحقيق الأفضل، لا يثنيها في ذلك مرض أو كبر سنّ ولا تضع من همّتها تعاليق الآخرين أو أفكارهم الرجعيّة. وأمّي، وهي في الستّين من عمرها اليوم، أشبه بمدرسة لا تغلق أبوابها في سبيل أن تترك رسالة مفادها أنّ الحريّة مسؤوليّة قبل كلّ شيء وأنّ الاحترام واجب على الرّجل كما المرأة وأنّ الأمل موجود للقضاء على كلّ الظّواهر الرّديئة كالتحرّش والعنف والتّهديد والإقصاء وغيرها.
كلّ سنة وأمّي بخير وكلّ سنة ونساء العرب متميّزات ومتألّقات كما عوّدننا دوما.