نجاحات التسوق الالكتروني عاجزة عن ضم سوق الخضروات

شركات توصيل البقالة تكافح لتلبية رغبات الزبائن لكنها لم تعثر حتى الآن على نموج عمل مربح.
الأحد 2019/03/10
ابتكارات عاجزة عن تحقيق الربحية

في وقت تدك فيه تجارة التجزئة الإلكترونية التقليدية جميع حصون المتاجر التقليدية وتتعالى الأصوات المحذرة من تداعياتها على البنية الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال الشركات عاجزة عن إيجاد نموذج عمل مربح لقطاع توصيل المواد الغذائية والخضروات إلى المنازل رغم تزايد عدد الشركات.

وهناك من الخبراء من يدعو للتخلي عن هذا القطاع أو تقليص نشاطه ليس لإنقاذ التجارة التقليدية بل بسبب اليأس من إمكانية تحويله إلى الربحية.

وتشير البيانات وآراء الخبراء والمحللين إلى أن بيع البقالة عبر الإنترنت وتوصيلها إلى المنازل، لا تزال نشاطا بلا جدوى اقتصادية بالنسبة للغالبية العظمى من شركات تجارة التجزئة، التي تواصل البحث عن نموذج أعمال يخرجها من ذلك المأزق.

ويتضح ذلك في رهان شركة أمازون الأميركية على متاجر الأغذية التقليدية، رغم أنها العنوان الأبرز للتجارة الإلكترونية، حين استحوذت في العام الماضي على سلسلة متاجر هول فودز الشهيرة مقابل 13.7 مليار دولار في أكبر صفقة تبرمها المجموعة الأميركية.

بل إن أمازون عززت رهانها على تلك المتاجر بالإعلان مطلع العام الماضي عن عزمها توسيع شبكة متاجر وول فودز في الولايات المتحدة، ولاقى ذلك ترحيب أسواق المال التي رفعت سعر سهم أمازون بعد إعلان الخبر، الأمر الذي يؤكد أنها تعتقد أن هذا القطاع سيبقى عصيا على زحف التجارة الإلكترونية.

وأكد جيف بيزوس المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون حينها أن الملايين من الأشخاص يحبون هول فودز لأنها تقدم الغذاء الطبيعي والعضوي الأفضل وتجعل من التغذية الصحية أمرا مسليا.

وقدمت أمازون حوافز وتخفيضات لجذب عملاء خدمتها “برايم” إلى سلسلة متاجر وول فودز في تأكيد على أنها لا تخطط لنقل هذا النشاط إلى عالم التجارة الإلكترونية في المستقبل المنظور.

وتشير خطط أمازون إلى أنها تسعى للعثور على توازن ملائم بين التجارة الإلكترونية في قطاع توصيل المواد الغذائية وتعزيز الاستثمارات في المتاجر التقليدية، حيث أعلنت أنها تنوي توسيع خدمة التوصيل والتسويق الإلكتروني لتشمل جميع فروع سلسلة وول فودز التي تضم أكثر من 400 فرع في الولايات المتحدة.

تيم شتاينر:  التشغيل الآلي المؤتمت وبضمنه شاحنات ذاتية القيادة في نهاية المطاف سيؤدي لخفض تكاليف التشغيل وزيادة الربحية
تيم شتاينر:  التشغيل الآلي المؤتمت وبضمنه شاحنات ذاتية القيادة في نهاية المطاف سيؤدي لخفض تكاليف التشغيل وزيادة الربحية

مناعة البقالة التقليدية

يرى بعض الخبراء أن تجارة المواد الغذائية الطازجة ستبقى معتمدة على المتاجر التقليدية القريبة من الزبائن ولن تنتقل في نطاق واسع إلى المستودعات خارج المدن مثلما هو الحال مع تجارة السلع الأخرى.

وتؤكد ذلك بيانات مؤسسة يو.بي.إس للاستشارات، التي تشير إلى أن عدد زبائن أمازون برايم، الذين يشترون منتجات البقالة عبر الإنترنت مرة واحدة في الشهر تقريبا

خلال العام الماضي تراجع عن المستويات المسجلة في عام 2017 رغم استثمارات أمازون في سلسلة وول فودز.

وتبدو الصورة أكثر وضوحا في بريطانيا حيث تؤكد التقارير أن انتشار خدمة توصيل البقالة يشكل عبئا على الشركات الكبرى، لكن الخوف من فقدان حصتها في السوق وتحول الزبائن إلى منافسيها، يجبرها على مواصلة هذا النشاط غير المجدي اقتصاديا.

ونسب تقرير في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية هذا الأسبوع إلى المدير التنفيذي لسلسلة متاجر ماركس أند سبنسر، ستيف راو قوله إنه كان يعتقد على الدوام أن الزبائن لا بد أن يتحولوا لشراء المستلزمات الغذائية والخضروات التي تبيعها متاجره عن طريق الإنترنت.

ودفع ذلك الصحيفة إلى التساؤل: لماذا إذن انتظرت سلسلة المتاجر كل هذا الوقت للاستحواذ على نصف أسهم شركة “أوكادو” لتوصيل طلبيات الأغذية مقابل 750 مليون جنيه إسترليني، رغم أن راو كان قبل تسلمه منصب المدير التنفيذي، يدير قسم الأغذية في متاجر ماركس أند سبنسر.

وتبدو تلك الصفقة غامضة وتستند إلى حسابات جانبية ورهانات بعيدة المدى في ظل تأكيد الخبراء أن هذا القطاع لا يحقق أي ربح للشركات السوبرماركت حتى الآن.

ونسبت فايننشال تايمز إلى بريتين لاد، وهو مستشار لتجارة المواد الغذائية مقره في الولايات المتحدة، قوله إن هذا القطاع هو “حقا أحد أسوأ النماذج التجارية في العالم حاليا… ببساطة لا يملك تجار التجزئة القدرة على ممارسة هذا النشاط بشكل مربح”.

ولم تكن ماركس أند سبنسر الشركة الوحيدة التي تساورها الشكوك بشأن الجدوى المالية لنشاط تسويق الأغذية الطازجة عبر الإنترنت وتوصيلها إلى المنازل. فسلسلة موريسون رابع أكبر سلسلة لمتاجر السوبرماركت في بريطانيا لم تدخل هذا القطاع إلى عام 2013 وكان ذلك أيضا عبر شراكة مع شركة أوكادو.

أما شركتا ألدي وليدل المنافستان الألمانيتان بأسعارهما المنخفضة، واللتان انتزعتا حصة كبيرة من السوق البريطاني خلال السنوات العشر الماضية، فلم تقتربا من هذا القطاع وليست لديهما خطط لدخوله في المستقبل المنظور.

ويؤكد قرار الشركتين أن هذا القطاع لن ينضج في المستقبل المنظور وأن الشركات التي دخلت في ميدانه تواصل مطاردة أهداف بعيدة.

لا رابح في القطاع

يرى نيك هاريسون المدير الشريك في شركة أوليفر وايمان الاستشارية المتخصصة في قطاع التجزئة أن “جميع الشركات القائمة لا تزال تدعم نشاط توصيل المواد الغذائية إلى المنازل من عوائد المتاجر”.

وقدرت تكلفة جميع وتوصيل أي طلبية إلى الزبائن في بيوتهم بأكثر من 10 جنيهات إسترلينية (13 دولارا)، في حين أن رسوم التوصيل التي تتقاضاها من الزبائن تقارب نصف ذلك المبلغ.

وتبقى كل تلك التقديرات في باب التكهنات لأن جميع الشركات الكبرى في بريطانيا لا تكشف عن أرقام المبيعات والأرباح المتعلقة بتوصيل البقالة إلى المنازل بشكل منفصل عن نشاطاتها الأخرى.

ويقول هاريسون إنه “نشاط ينطوي في أسسه العميقة على تبديد لجهود وموارد اللاعبين الرئيسيين، لكنهم لا يستطيعون تجاهله لأنهم يفكرون في حصتهم من السوق… إنهم لا يريدون فقدان أي زبون وتحوله إلى سلسلة متاجر أخرى”.

تجارة المواد الغذائية الطازجة في المتاجر التقليدية ستبقى عصية على زحف التجارة الإلكترونية لأن الزبائن يفضلون رؤيتها قبل شرائها
تجارة المواد الغذائية الطازجة في المتاجر التقليدية ستبقى عصية على زحف التجارة الإلكترونية لأن الزبائن يفضلون رؤيتها قبل شرائها

وتعتقد فايننشال تايمز أن ماركس أند سبنسر لديها سبق آخر للقلق، وهو أن قائمة السلع التي تعرضها ومعظمها من علامتها التجارية ليست كبيرة وهو ما يجعل قيمة الطلبيات صغيرة وتقارب نحو 13 جنيه إسترليني وهو ما لا يبرر تحضير الطلبية وإيصالها إلى الزبائن في بيوتهم.

لكن المدير التنفيذي لسلسلة ماركس أند سبنسر يأمل في أن تؤدي الشراكة مع أوكادو إلى توسيع قائمة السلع المعروضة للتسوق عبر الإنترنت لتغطية جميع ما تحتاجه العائلة.

وتتركز عروض ماركس أند سبنسر حاليا على محور قوتها الأساسية وهي وجبة المساء، في حين أن نموذج أوكادو يشمل جميع ما تحتاجه العائلة وتصل قيمة متوسط الطلبية إلى 100 جنيه إسترليني.

ووفقا لشركة فورستر، كانت بريطانيا من أوائل الدول التي انتشر فيها نشاط توصيل البقالة إلى البيوت، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى تأسيس أوكادو في عام 2000، لكن مع ذلك فإن الشركة لا تشكل سوى 6 بالمئة فقط من مبيعات البقالة في بريطانيا التي تقدر بنحو 192 مليار جنيه إسترليني.

ويرى بريتين لاد أنه دون طلبيات أكبر، سيكون من الصعب على محلات السوبرماركت تحقيق حجم المبيعات المطلوب لجعل النشاط مربحا بشكل مستقل عن نشاطاتها الأخرى.

ويضيف أن “بريطانيا خلقت مدمنين على شراء البقالة عبر الإنترنت مقتنعين بأن بإمكانهم تسجيل طلبيات صغيرة وانتظار وصولها في نفس اليوم… معظم الشاحنات تخرج نصف فارغة، في حين أن التحول إلى الربحية بالنسبة للشركات يتطلب خروجها محملة بالكامل”.

حسابات مستقبلية شاقة

تقول شركة أوكادو إن مراكز التنفيذ الآلي لديها أكثر كفاءة، رغم فترات التسليم الأطول نسبيا لديها، في وقت تواصل فيه البحث عن أفضل السبل للوفاء بطلبات الزبائن.

ويعتقد تيم شتاينر الرئيس التنفيذي للشركة أن المزيد من التشغيل الآلي المؤتمت وبضمنه شاحنات تسليم ذاتية في نهاية المطاف، سيؤدي إلى خفض تكاليف التشغيل وزيادة الربحية.

بريتين لاد:  توصيل البقالة للمنازل هو أحد أسوأ النماذج التجارية في العالم حاليا. المتاجر غير قادرة على تحويله إلى نشاط مربح
بريتين لاد:  توصيل البقالة للمنازل هو أحد أسوأ النماذج التجارية في العالم حاليا. المتاجر غير قادرة على تحويله إلى نشاط مربح

وتعتمد معظم المتاجر حاليا على تجهيز الطلبيات يدويا من المتاجر وهو ينطوي على تكاليف مرتفعة للأيدي العاملة، رغم أنها تتم من متاجر قريبة من مواقع الزبائن.

لكن لاد يشدد على ضرورة “إعادة تثقيف” الزبائن من أجل فهم المقايضة بين التكلفة والراحة، وتشجيعهم على التسوق في المتاجر خاصة بالنسبة للسلع المرتفعة الثمن وغير الملائمة للتوصيل إلى المنازل.

ويضيف أنه يمكن تحقيق ذلك عن طريق عرض أسعار أعلى لبعض السلع على الإنترنت مقارنة بأسعارها في متاجر السوبرماركت، للتمكن من تطوير نموذج عملها وتحسين هوامش الأرباح.

تلك الطريقة هي محور نموذج أعمال شركة بايمي الأيرلندية الناشئة والتي تقوم بتجميع عناصر الطلبيات من المتاجر وتوصيلها إلى الزبائن في محيط العاصمة دبلن. ويستخدم الزبائن تطبيقا للتسوق ويدفعون رسوما للمنصة ورسوما لخدمة التوصيل تعتمد على مدى السرعة التي يريدونها لاستلام السلع.

وتجمع شركات الاستشارات والدراسات على أن تجارة بيع المواد الغذائية الطازجة في المتاجر التقليدية ستبقى على الدوام عصية نسبيا على زحف التجارة الإلكترونية لأن شراء المواد الغذائية يمثل متعة بالنسبة لكثيرين ويرغبون برؤيتها قبل شرائها.

نجاحات القطاعات الأخرى

أما في قطاعات تجارة التجزئة الأخرى فقد حقق التسوق الإلكتروني نجاحات غير مسبوقة، بل إنه بدأ يثير المخاوف بعد أن أدى إلى انهيار الكثير من سلاسل المتاجر التقليدية.

وتثير التغييرات الهائلة التي تحدثها شركات التجارة الإلكترونية مخاوف الكثير من الحكومات من زعزعة الاستقرار الاقتصادي وهي لا تقف عند تجارة التجزئة بل تمتد إلى الكثير من شركات التكنولوجيا الأخرى.

ويجمع الخبراء على أن تداعيات غزو تجارة التجزئة بدأت تحدث تغييرات خطيرة في شوارع المدن والنشاطات المرتبطة بها وفي سوق العمل، بعد أن أصبحت توفر معظم السلع وتوصلها إلى المنازل.

وتشكو شركات مبيعات التجزئة التقليدية من أنها ضحية منافسة غير عادلة لأن شركات التجزئة عبر الإنترنت لا تدفع الكثير من الرسوم والضرائب التي تترتب على المتاجر التقليدية.

وتعاني الكثير من الدول من تراجع حصيلة الضرائب بسبب اختفاء المبيعات عن رقابتها بسبب اتخاذ شركات مبيعات التجزئة عبر الإنترنت مقرات في ملاذات ضريبية أو بلدان تمنحها إعفاءات كبيرة.

وقد أطلقت فرنسا قبل أيام سباق مطاردة شركات التكنولوجيا وخاصة التجارة الإلكترونية بفرض ضريبة تبلغ 5 بالمئة على إيراداتها.

ويرجح محللون أن تتزايد تحركات الحكومات لوضع الشركات العملاقة تحت رقابة مشددة رغم أن تحركاتها لا تزال تقتصر حتى الآن على فرض الغرامات من أجل حماية البيانات وحرية المنافسة ومنح الحصول على تسهيلات ضريبية غير عادلة.

17