سقوط المثقف: ماذا يجني واسيني من مصاحبة الملالي؟

ترى ماذا يجني روائي في شهرة السيد واسيني الأعرج من زيارة بلد تخنق فيه الحريات وتنتهك فيه الأعراض وتغتال فيه الأنوثة ويسجن العقل؟
الأحد 2019/03/03
اللوحة للفنان محمد عمران

ليست هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الروائي الجزائري واسيني الأعرج إيران بدعوة رسمية. والسؤال المطروح هو كيف يمكن لكاتب بمستوى واسيني أن يُستدرج ويقبل تلبية دعوة تأتي من نظام إجرامي كنظام طهران ظل يرتكب الجرائم في حق إخوتنا السوريين ويساهم في تهجير الملايين منهم إلى الخارج. هل نسي الروائي سوريا الجريحة التي عاش فيها ضيفا مكرما لسنوات طويلة لمّا كان طالبا في جامعة دمشق؟

قد يعترض معترض أن الزيارة والمشاركة في ندوة فكرية أو حوار لا تعنيان اصطفافا وراء سياسة إيران العدوانية التوسعية، أو رغبتها في الهيمنة على الشرق الأوسط كله، بل هي زيارة ثقافية أدبية لا غير.

يمكن أن يقتنع بهذا التبرير من يعتقد أن في هذا البلد جمعية أو مؤسسة أو مدرسة أو جامعة أو هيئة ثقافية غير منضوية تحت عباءة المرشد اللاهوتي خامنئي. ومن لا يعرف طبيعة نظام الملالي وأهدافه الاستدمارية ومن لم يرد رؤية احتلاله للكيان العراقي، وما ترك من شرور في لبنان واليمن والجزائر، بلد السيد واسيني الأعرج ذاته!

 لقد وقف هذا النظام الثيوقراطي وقفة طائفية لا مشروطة مع نظام دمشق منذ بداية الانتفاضة السورية إلى اليوم وقد كانت له مساهمة عسكرية كبيرة في بقاء نظام الأسد بعدما ثار عليه الشعب السوري مع بداية الربيع العربي سنة 2011. ومن العجب العجاب أن يعتقد البعض ومنهم السيد واسيني الأعرج أن لنظام طهران رؤية ثقافية ومشروعا أدبيا وفنيا! وهو نظام لا يؤمن بالإنسان أصلا ومعاد للحياة الطبيعية لشعبه. أفليس من العبث بعد ذلك أن يتحدث المرء في طهران الحرس الثوري عن الخيال الفني؟

يكاد المرء ينفجر بكاء أو قهقهة حينما يستمع إلى المدير التنفيذي للمدرسة الوطنية للسينما السيد روح الله حسيني، وهو يقول أمام السيد واسيني الأعرج إنه يريد استخدام تعريف مارسيل بروست في الأدب والذي يرى أن “الحياة الحقيقية، التي عيشت فعلا، هي الأدب”. وقد نسي أن حكم ولاية الفقيه القروسطي الذي يشرف على هذا الملتقى وغيره قد قتل الحياة وكل ما هو حي في إيران وفي البلدان التي احتلها.

قتل الملالي الحياة فعمت في البلاد روحانية شعبوية لم يعرفها بلد قطّ، ممّا حدا ببعض المتفكهين إلى القول “كنا نرقص في الشارع ونصلّي في البيت وأصبحنا اليوم نصلي في الشارع ونرقص في البيت”.

كل ما يهدف إليه حكم الملالي من اصطياد بعض الأسماء العربية والاجنبية المعروفة هو محاولة الظهور بمظهر المنفتح على الآخر والمهتم بالفنون والآداب، ليوهم العالم بأن في طهران حكما عصريا، وكل ذلك من أجل نفي الطابع الإرهابي الذي اشتهر به وليضفي على نفسه وعلى دولته المارقة نوعاً من الاحترام على حساب ضيوفه السذج أو المتواطئين معه.

بالأمس غير البعيد، لم تجد المناضلة الجزائرية الشهيرة جميلة بوباشا من ينصحها بعدم تلبية دعوة الملالي لتكريمها سنة 2014 هي والسيد واسيني الأعرج من طرف جامعة بهشتي في إطار ما سمي بالندوة العالمية حول الأدب الجزائري بمناسبة الذكرى الستين للثورة الجزائرية. وقد حاولت الندوة بطريقة مقززة إيجاد قواسم مشتركة وهمية بين الثورة الجزائرية العظيمة وما يسمى ثورة إسلامية أو خمينية!

وليس هذا فحسب، لقد استغلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) تقدم سن السيدة لتستل منها ما لم تناضل من أجله أبدا فقالت في جمهورية القمع ما ليس فيها: “الأمر الذي يفرحني كثيرا أن الشعب الإيراني منسجم مع قيادته ويبذل مجهوده من أجل مساعدتها في مهمتها لتطور إيران أكثر فأكثر.. عندما ترون أميركا تنهال على واحد بالشتم، فاعلموا أنه غلبها بنظامه وثقافته وشعبه. وأنا أحيي الشعب الإيراني كثيرا وأشكره من كل قلبي على الاستضافة التي استضافني، وأقول لشبيبته ابقوا كما أنتم”!

ماذا حقق الملالي منذ تنصيب أنفسهم أوصياء على الشعب الإيراني يا سيدتي المحترمة؟ هل من الديمقراطية في شيء أن يصبح الدخول إلى الحياة السياسية مشروطا بالإيمان بولاية الفقيه وبالغيب؟ لقد عاثوا في حقوق الإنسان فسادا بتكميم أفواه المعارضة، وتكفين النساء في تشادورات، وفرض أخلاقوية قروسطية على المجتمع، وشنق أبناء القوميات غير الفارسية والتي تشكل ثلاثة أرباع السكان على الرافعات، وقمع اللغات غير الفارسية، ومنع أبناء القوميات من تسمية أبنائهم بأسمائهم القومية، فما علاقة كل هذا هذه الإنجازات القمعية لملالي إيران بالثورة الجزائرية التي كانت جميلة بوباشا من أكبر رموزها؟

وبالعودة إلى السيد واسيني، فهذه لم تكن المرة الوحيدة التي يخيب فيها الروائي الجزائري محبي الحرية والاستقامة الفكرية، فقد سبق له وأن شارك في ملتقى بطرابلس الليبية تحت مسمى “القذافي كاتبا ومبدعا” مقدما دراسة تحت عنوان «المدينة والمثال في مجموعة معمر القذافي القصصية»، ولا تضحكوا! لقد تحدث فيها واسيني الاعرج عن تداخل فن القص بالدياليكتيك!

 كيف يمكن أن يشارك كاتب في وليمة دعائية يبذر من أجلها نظام العقيد ملايين الدولارات من أموال الشعب الليبي؟ ثم يكون هو نفسه من أول مناصري الربيع العربي، ويكتب في اليوم السابع بتاريخ 2 أبريل سنة 2011 متحدثا عن شرعية الثورة الليبية وضرورة نجاحها، وينتقد نظام القذافي الذي سرق من الشعب الليبي عشرات السنين من إمكانية التطور والحياة!

في الحقيقة أن كل زيارة لإيران الملالي وكل مشاركة في مهرجان أو ندوة تحت إشراف المرشد، وأي قبول لدعوة منه هي تطبيع مع نظام إجرامي مارس القتل الممنهج ضد العرب، وعلى رأسهم الشعب السوري واليمني واللبناني والعراقي.

والسؤال الآن:  ترى ماذا يجني روائي في شهرة السيد واسيني الأعرج من زيارة بلد تخنق فيه الحريات وتنتهك فيه الأعراض وتغتال فيه الأنوثة ويسجن العقل؟

10