الحكومة المصرية تنتصر للأهلي على اتحاد الكرة في معركة الكأس

جاء إعلان اتحاد الكرة المصري، الثلاثاء، تأجيل جميع مباريات كأس مصر إلى أجل غير مسمى بناء على توصيات أمنية، ليكشف نفوذ الأهلي وهيمنته النابعة من الدعم الرسمي الذي يحظى به. وخرج النادي المعروف بـ”الأحمر” منتصرا في معركته مع الاتحاد والأندية المنافسة ليكتب الفريق صاحب الشعبية الكبيرة حلقة جديدة ضمن العديد من الشواهد التاريخية التي تشي بترجيح المسؤولين لكفته، وأنه فوق الجميع دائما.
القاهرة - قال عامر حسين رئيس لجنة المسابقات باتحاد الكرة المصري الثلاثاء، “هناك خطاب رسمي وصل اتحاد الكرة أعلن فيه الأمن تأجيل مباراتي الزمالك ومصر للمقاصة في دور الثمانية والأهلي وبيراميدز المؤجلة من دور الـ16 لأسباب أمنية”.
وفي وقت سابق أعلن مجلس إدارة الأهلي رفض خوض مباراة بيراميدز، الخميس، عقب قرار اتحاد الكرة تأجيل مباراة الفريقين في بطولة الدوري واستبدالها بمباراة الكأس. ورغم إعلان الزمالك تراجعه عن طلب التأجيل، إلا أن مسؤولي الكرة رأوا أن التأجيل العام للمباريات الحل الأفضل، استنادا إلى تقارير أمنية رفضت إقامة المباريات في التوقيتات المعلنة.
عاشت الكرة المصرية الأسبوعين الماضيين سلسلة من الأحداث والتراشقات المتعاقبة كشفت عن تناقض بين موقف الأندية والاتحاد المصري لكرة القدم. وظهر المشهد ضبابيا بسبب مباراة الأهلي وبيراميدز، وأثارت خلافات بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب اعتراض الأول على تغيير المباراة من إطارها في الدوري إلى مباراة في بطولة الكأس، وتصادف أنها بين الفريقين أنفسهما. وحاول الاتحاد حفظ ماء وجهه أمام الأهلي عبر التلويح بأن الأمن هو من قرر التأجيل لعدم خسارة صورته كمهيمن على تنظيم فعاليات الكرة.
ويرى نقاد رياضيون أن مجلس إدارة الأهلي والجمهور كسبا رهانهما بتدخل الحكومة لصالح النادي، ما يدعم الشواهد التاريخية التي خرج فيها الأهلي منتصرا باعتباره ممثلا (ضمنيا) للدولة ولا يجب المساس بهيبته.
وساهمت البطولات التي حصدها الأهلي على الصعيد القاري في الترويج لكرة القدم المصرية، وتعزيز صورة القاهرة في الكثير من العواصم الأفريقية، وهو ما منحه قيمة جعلته إحدى أدوات القوة الناعمة المصرية، التي بدأت الحكومة تلتفت إليها مؤخرا.
الأهلي فوق الجميع
يكشف التاريخ الرياضي عدم انكسار الفريق الأحمر أمام اتحاد الكرة في أيّ معركة، منذ انطلاق بطولة الدوري عام 1948، واعتادت الحكومة التدخل لصالحه وتكون كلمته العليا، ولذلك أصبح أحد شعارات مشجعي النادي “الأهلي فوق الجميع” يتردد بقوة في المناسبات الكروية المهمة.
في كل مرة يكون رئيس اتحاد الكرة ينتمي إلى مدرسة نادي الزمالك تنشب أزمة مع الأهلي، ما أدخل المسألة دربا من دروب تصفية الحسابات بين الناديين، لكن في النهاية كان النادي الأحمر يكسب جميع الجولات بالضربة القاضية الحكومية.
الاتحاد حاول حفظ ماء وجهه أمام الأهلي عبر التلويح بأن الأمن هو من قرر التأجيل لعدم خسارة صورته كمهيمن على تنظيم فعاليات الكرة
لا ينسى مشجعو الكرة في مصر ما جرى خلال موسم 1954، عندما كان يرأس اتحاد الكرة عبدالعزيز سالم، لاعب الزمالك الأسبق، وانتهت مباراة الأهلي وفريق الترام بفوز الأول بثلاثة أهداف مقابل اثنين، وقام حكم المباراة بإنهاء المباراة مبكرا بسبب مشاغبات في الملعب، وألغى اتحاد الكرة نتيجة المباراة وقرر إعادتها دون جمهور.
اعترض الأهلي على قرار اتحاد الكرة، واجتمع مجلس إدارة النادي وقرر بالإجماع الانسحاب من عضوية اتحاد الكرة، وفي اليوم التالي تراجع الاتحاد واعتمد نتيجة اللقاء، لكنه قرر أن تكون مباراة الأهلي اللاحقة خارج ملعبه، ما رفضه الأحمر، وهنا قرر الاتحاد شطب الأهلي من سجلاته، وتدخلت الحكومة، عبر اللجنة الأولمبية بسحب قرارات اتحاد الكرة وإعادة قيد النادي مرة أخرى.
تكررت واقعة مشابهة في عام 1966، عندما اعترض لاعبو الأهلي أثناء مباراة مع الزمالك بسبب هدف للفريق الأبيض من تسلل واضح ونزلت الجماهير أرض الملعب، وألغيت المباراة، وأعلن اتحاد الكرة برئاسة المشير عبدالحكيم عامر، نائب رئيس الجمهورية، فوز الزمالك ووقف خمسة من لاعبي الأهلي مباراتين، وهدد الفريق الأحمر بتجميد نشاط كرة القدم، إذا عوقب لاعبوه، وارتضى باعتباره خاسرا المباراة فقط، وتراجع الاتحاد عن عقوبة الإيقاف.
ويشير تراجع اتحاد الكرة حاليا عن قراره بلعب مباريات الكأس في موعدها، إلى غضب حكومي من إدارة الاتحاد لأزمات الكرة.
من الشواهد الدالة على ذلك غياب هاني أبوريدة (المنتمي إلى عائلة زملكاوية) رئيس الاتحاد المصري عن اللقاء الذي استقبل فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لأحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، الخميس الماضي.
كثيرون يبنون رؤيتهم عن علاقة الأهلي بالحكومة، من نمط تعامل الجهات الهامة في الحكومة مع هذا الكيان الرياضي، والتعامل معه كأنه دولة داخل الدولة
ورغم تبرؤ الحكومة الدائم من دعمها لناد بعينه، لتجنب مواجهة غير محسوبة مع جماهير باقي الأندية، فإنه على أرض الواقع يحظي الأحمر بدعم غير محدود، ويظهر ذلك في العديد من الأمثلة، أبرزها قيام الهيئة الهندسية التابعة للجيش بتنفيذ أعمال تطوير مقرات النادي على أحدث الطرز العالمية، وتقديم شركات قريبة من الدولة عقود رعاية مميزة مثل شركة بريزنتيشن سبورت للتسويق الرياضي (مملوكة لجهات حكومية)، وصرح رئيس مجلس إدارتها محمد كامل يوم توقيع عقد رعاية الأهلي “الآن حققت أهم حلم في حياتي، ومشوار الشركة، بأن دخلنا النادي الأهلي، ليست لدينا أحلام أخرى”، ثم بكى، وقام بتقبيل رأس محمود الخطيب رئيس النادي.
حزب الحكومة
يرى نقاد أن شعبية النادي الأهلي بين الأندية العربية والأفريقية، بفعل البطولات التي حصدها، ووجود عدد كبير من اللاعبين ضمن قوام المنتخب الوطني، تضع الأهلي كحزب الحكومة الرياضي وقوتها الناعمة. ويبدو من تعامل الجهات الرسمية، أن الأهلي يمثل للحكومة نسخة من المنتخب الوطني، لا يجوز تعطيل مسيرته وتهديد كيانه، وعلى الجميع دعمه وتقديم العون له.
ويدرك الأهلي هذه الحقيقة، ويعزز هذه الصورة بإدارة الكيان بطريقة احترافية تجبر الأفراد والمؤسسات على التعامل معه كجهة لها مبادئ وقيم يصعب تجاوزها، وقد يخسر بطولات، لكن لا يمكن أن يكسب على حساب المبادئ التي تحكمه. ولم ينفِ عدلي القيعي، مستشار التعاقدات بالنادي الأهلي، أن يكون اسم ناديه مرتبطا بـ”الدولة”، وتفاخر بذلك، وقال في تصريحات إعلامية “نعم.. الأهلي نادي الدولة، ولا عيب في ذلك، والنادي الذي يستطيع فعل ذلك غيرنا، فأهلا به.. من يقدر على الوصول إلى قمة الهرم مثل الأهلي، فليتقدم، لكن لا يوجد”. ويبني كثيرون رؤيتهم عن علاقة الأهلي بالحكومة، من نمط تعامل الجهات الهامة في الحكومة مع هذا الكيان الرياضي، والتعامل معه كأنه دولة داخل الدولة، وهو مسمى لا تمانع وسائل الإعلام التابعة للحكومة أن تكتبه وتصف به النادي الأهلي، صاحب الشعبية الواسعة.