زحمة معارض الكتاب العربية

إن الافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية لدى أغلب الناشرين العرب واتحادهم العتيد، قد حال دون تحقيق معرض كتاب عربي دولي حقيقي.
الأربعاء 2019/02/27
جملة من المعوقات تعترض انتشار الكتاب وتوزيعه عربيا

في وقت متقارب جدا لا يتجاوز الشهر، عُقدت أربعة معارض -دولية- للكتاب في أربع عواصم عربية، هي على التوالي القاهرة وبغداد والدار البيضاء ومسقط، في خطوة أقل ما يقال عنها إنّها تنم عن عدم التنسيق وغياب الرؤية الاستراتيجية لدى القائمين على تلك المعارض واتحاد الناشرين العرب.

وفي الوقت الذي تُعد فيه معارض الكتاب حالة صحية ومؤشرا على إقبال القرّاء وتصاعد الرغبة في اقتناء الكتب والقراءة لدى الناس، لاسيما في أوساط الأجيال الجديدة، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية والاضطرابات والصراعات السياسية، فإن تلك المعارض، لو تم استغلالها بطريقة جيّدة وخُطط لها بشكل منسق، يمكن أن تتحول إلى أداة فاعلة لإنعاش الحالة الثقافية في العالم العربي وانتشالها من الركود وفتح الأبواب أمام الكتاب العربي، ليتنقل بحرية بعيدا عن الرقابة بين البلدان العربية.

كما يمكن لها أن تسهم بشكل فعّال في كسر الانعزال الثقافي والتقوقع القطري والانفتاح على الآخر والاطلاع على النتاج الثقافي، لاسيما الإبداعي، في البلدان المختلفة.

وتعترض عملية انتشار الكتاب وتوزيعه عربيا جملة من المعوقات التي لم تتم معالجتها أو إيجاد الحلول الناجعة لها، ومن أهم تلك المعوقات كلفة الشحن المرتفعة وعدم الانفتاح المتبادل لدور النشر العربية على مؤلفي الدول الأخرى وغياب مشاريع النشر المشترك بين دور النشر العربية في المشرق والمغرب.

وتسعى أغلب معارض الكتاب العربية، لإضفاء صفة “الدولي” عليها عن طريق دعوة اثنين أو ثلاثة من المثقفين العرب وبعض دور النشر العربية التي تتعاطى الكتاب بلغات أخرى غير العربية.

إن الافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية لدى أغلب الناشرين العرب واتحادهم العتيد، الذي هو على ما يبدو منظمة استشارية لا سلطة محددة لها على الناشرين الأعضاء، قد حال دون تحقيق معرض كتاب عربي دولي حقيقي، بما لتلك الصفة الدولية من معنى، لجهة تعميد الكتاب العربي والمؤلف العربي وتقديمهما للناشرين والموزعين الدوليين، وخلق سوق ثقافية واسعة يمكنها أن توفر فرصة ممتازة لعقد الصفقات وعقود التعاون والترجمة إلى اللغات الأخرى بين الناشرين العرب ونظرائهم في أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى دعوة واستقطاب المستشرقين والمترجمين المهتمين بالثقافة العربية ودراسة مشاريع وأفكار الترجمة، ناهيك عن توفير الكتاب باللغات الأخرى إلى القرّاء العرب الذين يقرأون بتلك اللغات والأجانب المقيمين في الدول العربية.

إنّ صفة “الدولي” التي يصر منظمو معارض الكتاب العربية على إلصاقها بأسماء معارضهم، تتطلب الكثير من الإجراءات والخطوات والانفتاح والتنسيق لاكتسابها، ومن دونها تبقى معارض الكتاب العربية مجرد معارض محلية موسمية لم تنجح حتى في توفير الكتاب للقارئ العربي بسعر مناسب وفرض خصومات متعارف عليها في معارض الكتاب الدولية على الناشرين، بل إن الذي يجري في معارض الكتاب الحالية هو العكس تماما، إذ غالبا ما يلجأ الناشرون إلى رفع أسعار كتبهم مستغلين الإقبال النسبي لجمهور القرّاء على تلك المعارض.

وبغض النظر فيما إذا كان الاهتمام بمعارض الكتاب من الجهات الرسمية في الدول العربية، نابعا عن قناعة حقيقية بأهمية الثقافة عموما والكتاب بشكل خاص، أم عن حاجة للتظاهر بدعم الثقافة وادعاء التحضّر، فإن ذلك الاهتمام والبذل المالي على تلك المعارض، يتطلب أيضا الاهتمام بالصفة الدولية الفعلية للكتاب العربي، والتنسيق مع اتحاد الناشرين العرب لتنظيم معرض كتاب عربي -دولي حقيقي- في إحدى العواصم الأوروبية الكبرى لاستقطاب الناشرين الغربيين والمستشرقين والمترجمين وتوفير فرصة مثالية لتقديم الكتاب العربي وتحقيق التأثير الفاعل في الثقافة العالمية.

14