غياب القدوة الرياضية يعرقل لمّ شمل الشارع الكروي في مصر

يعيش الشارع الرياضي في مصر حالة انقسام كبيرة، ولم يعد الأمر مقتصرا على التلاسن والجفاء بين الجمهور، بل امتد إلى المؤسسات الرياضية، فهناك شبه قطيعة بين مجالس إدارات أندية، وصراع النادي الأهلي مع اتحاد كرة القدم، وسعي كلاهما إلى فرض نفوذه على الآخر، إضافة إلى معارك الأندية مع لجنة الحكام، ولم يعد أمام كل الأطراف سوى إبرام اتفاق ينهي الخلافات ويعيد الأجواء والعلاقات إلى طبيعتها.
القاهرة - اتهم أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة المصري، الأحد، مسؤولي أندية في بلاده، أنهم السبب الرئيسي في حالة الاحتقان الجماهيري التي أصابت الملاعب المصرية خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق، لأنهم لا يتمتعون بالقدر الكافي من المرونة التي تؤهلهم لعبور الأزمات دون صدام مع أندية أخرى.
وأطلق صبحي اتهاماته، على وقع مبادرة لا تحظى بحاضنة شعبية، يقودها كوزير في الحكومة، مع أعضاء داخل مجلس النواب، ومرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، لـ”لمّ الشمل” بين الجماهير وإدارات الأندية، قبل استضافة مصر لبطولة الأمم الأفريقية الصيف المقبل، مع وصول التعصّب الكروي في الملاعب ووسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي لمنحنى خطر.
مثلث المبادرة
ينتظر أن تشمل المبادرة، المدعومة حكوميا، إزالة الجفاء والقطيعة بين مشجعي ومجلسي إدارتي الأهلي والنادي المصري البورسعيدي، على وقع مذبحة ملعب بورسعيد عام 2012 التي سقط خلالها 74 مشجعا من الأهلي، والصلح بين جميع أعضاء المنظومة الرياضية لتخفيف حدّة التعصب وتبادل الشكاوى والقضايا فى الآونة الأخيرة. تكمن الأزمة أن أحد أضلع مثلث المبادرة (رئيس نادي الزمالك) متهم رئيسي بزراعة التعصّب الكروي وشيوع حالة من التشويش الأخلاقي على خصومه، ومعروف أنه كثير العداء والاتهامات والسباب ضد الأهلي ومجلس إداراته، ووجوده ضمن الداعين إلى إزالة الاحتقان قد يؤدي إلى تبرئة ساحته الرأي العام.
كان النادي الأهلي قدّم شكوى إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ضد رئيس الزمالك، لتطاوله على خالد مرتجي عضو مجلس الإدارة، وشكوى مماثلة ضد اتحاد الكرة المصري، لموافقته على مشاركة منصور في اجتماع تنسيقي يرتبط بمناقشة جدول مباريات الدوري العام، مع أنه موقوف بقرار من الكاف.
الأهلي كان قدم شكوى إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ضد رئيس الزمالك، لتطاوله على خالد مرتجي عضو مجلس الإدارة
ويقول نقاد رياضيون إن معضلة المبادرات التي تهدف إلى إنهاء التعصب الكروي في مصر مشكوك في نواياها، ولا تتمتع بأرضية خصبة تضمن نجاحها، وفي كل مرة يشارك فيها ويدعمها ويطلقها أشخاص ليس لهم تأثير وثقل جماهيري.
ويبدو أكثر مشجعي النادي الأهلي على قناعة بأن مشاركة رئيس الزمالك في مبادرة تصالحية تهدف إلى إحراج مجلس إدارة ناديهم المتوقع أن يرفض الأمر، وبالتالي يظهر مرتضى منصور أمام الجميع بأنه من سعى إلى إعادة الهدوء للملاعب، بينما الطرف الآخر (الأهلي) من يخطط لإشعال الفتنة بين الجمهور ولاستمرار بقاء التوتر والتصعيد.
ويبرهن البعض، بأن نادي الزمالك نفسه، يعجّ بالصراعات والانقسامات ويحتاج إلى لمّ الشمل بين أعضائه أكثر من سعيه إلى عودة التلاحم مع جمهور ومجلس نادي منافس. ويرى النقاد أن غياب الشخصية القدوة التي تحظى بقبول جماهيري عن دعم وقيادة مبادرات الصلح بين الأندية، يفقدها قيمتها، لأنها تخرج عن أشخاص رسميين أكثر من كونهم شعبيين، مثل تلك التي جرى إطلاقها أعوام 2013 و2015 و2017، لإعادة العلاقات بين جمهوري وإدارتي الأهلي والمصري البورسعيدي، وقادها برلمانيون ووزراء رياضة سابقين وشخصيات سياسية، ولم تحقق نجاحا ملموسا.
صدامات جماهيرية
ما يضعف موقف القائمين على إتمام مصالحة تنقذ الملاعب من صدامات جماهيرية محتملة، رفض بعضهم تحميل الطرف المتهم بالتعصب مسؤولية الاحتقان، ويعتبرون أن الجميع مسؤولون، سواء أكانوا أشخاصا أو جمهورا أو مجالس إدارات أندية. ثمة مشكلة أكثر تعقيدا ترتبط باختفاء روابط مشجعي الأندية بعد قرار حلّها وتفريغها من مضمونها، مثل أولتراس الأهلي والزمالك، وكان هؤلاء نقطة الانطلاق التي يمكن التحرك من خلالها لوأد الصراع والتعصب، بالتحدث أو الجلوس مع مسؤولي الروابط والاتفاق معهم وتقريب المسافات بينهم، وتصدر تعليمات ملزمة لباقي المشاركين في كل رابطة.
أمام غياب القدوة الجماهيرية داخل الأندية، واختفاء روابط المشجعين، أصبح الجمهور بلا قائد يحركه، أو يقنعه بقبول أو رفض أمر بعينه، وحتى إن كانت هناك شخصيات رياضية مقبولة من جماهير كل الأندية، فإنها ترفض إقحام نفسها في أزمات مرتبطة بإزالة الاحتقان، وتهوى الابتعاد عن الخلافات، وتخشى اهتزاز صورتها وتاريخها وسط دوامة التعصب الأعمى.
مشكلة مجالس إدارات بعض الأندية ذات الشعبية الكبيرة، وعلى رأسها الأهلي، أنها تتحرك وفق رغبات الجمهور، بمعنى أنها لا تأخذ قرارها بعيدا عن جسّ نبض المشجعين ومعرفة مطالبهم وتوجهاتهم، لأن التحرّك في اتجاه مغاير يعني انتهاء فترة صلاحية المجلس وانهيار شعبيته، وبالتالي فإن الموافقة على عودة العلاقات بشكل طبيعي مع جمهور وإدارة ناد آخر بينهم صراعات ومشاحنات تظل رهينة شروط جماهيرية تبدو تعجيزية.
قال ياسر أيوب الناقد الرياضي، لـ”العرب”، إن التقارب بين مجالس إدارات الأندية دون قناعة جماهيرية، لا فائدة منه، ولا يمكن التحرّك بعيدا عن رغبات ومطالب المشجعين هنا وهناك، لأنهم الأساس.
لا يمكن أن يتجالس مسؤولو الأندية بشكل عرفي ويلتقطون الصور التذكارية، ثم نقول إن الأمور عادت لطبيعتها وانتهى التعصب الكروي في الملاعب المصرية، هذا استخفاف بالعقول.
وأضاف أن لمّ الشمل في الوسط الرياضي المصري يبدأ بدخول شخصيات لها تاريخ وجماهيرية وشعبية على خط الأزمة، مع محاسبة المتورطين فيه، أو على الأقل وقف استمرار مسبّبات التعصب، على رأسها وقف التلاسن والسباب، ومحاسبة الإعلاميين المتسبّبين في تسخين الأجواء، وتطبيق ميثاق شرف إعلامي رياضي يجبر الجميع على التعامل بمهنية وتوازن في مناقشة القضايا الرياضية، والكفّ عن تخصيص منابر إعلامية تدافع عن كيانات وأسماء رياضية بعينها.