سياسات أردوغان الاقتصادية تغرق الأتراك في مستنقع التقشف

الأزمة لن تفارق أنقرة في 2019 حتى لو استنجدت بصندوق النقد، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية يعكس انهيار ثقة المستثمرين.
الأربعاء 2019/01/09
جفاف مصادر التمويل

تؤكد الأوضاع الاقتصادية المتردية في تركيا أن التدابير المالية التي اتخذتها أنقرة لتخفيف آلام تشديد السياسة النقدية وارتفاع أسعار الفائدة لمستويات فلكية، لم تسفر عن أي نتائج إيجابية لتخفيف ركود الطلب والنمو.

وكشفت آخر البيانات أن واردات تركيا انكمشت بنحو 21.3 بالمئة في نوفمبر الماضي، بعد تراجع القدرة الشرائية للأتراك الذين يرزحون تحت إجراءات تقشف قاسية.

ويبدو ذلك واضحا في ترجيح تحليل لمجلة “ذي ايكونوميست” تراجع النمو هذا العام إلى 1 بالمئة بعد توقعات سابقة بنحو 4.8 بالمئة في حين تصل توقعات صندوق النقد الدولي إلى مستويات كارثية حيث خفض توقعاته إلى 0.4 بالمئة فقط.

والفرملة الحادة لاقتصاد كان يتمتع بإمكانيات نمو تزيد على 5 بالمئة سترمي بعض الركاب من النافذة وهذا يعني تزايد إعلانات الإفلاس وطلبات تسوية الديون.

وما يجعل الأمر أكثر إثارة للاهتمام أنه لا توجد توقعات متفائلة بشأن التضخم والعجز في الحساب الجاري، رغم ذلك التباطؤ الحاد، رغم أن المنطق يرجح أن يتضاءل عجز الحساب الجاري والتضخم بصورة تلقائية بالتزامن مع تضاؤل الطلب.

ومع ذلك، فإن تلك القاعدة لا تنطبق على تركيا؛ حيث ترجح التوقعات أن يبلغ عجز الحساب الجاري 25 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تتراوح نسبة التضخم ما بين 17 إلى 20 بالمئة.

وسيكون لانتهاء التخفيضات الضريبية المؤقتة في العام الجديد، والتي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر، تأثير ملحوظ على التوقعات باستمرار ارتفاع معدل التضخم، رغم الانكماش.

كما أن تضاعف أسعار المنتجين سينعكس تدريجيا على أسعار التجزئة والتضخم في التكاليف بالتوازي مع زيادة أسعار الفائدة، الأمر الذي يزيد العوامل التي تحدّ من التفاؤل في انتعاش الاقتصاد.

ومع أن هدف التضخم الرسمي يبلغ 15.9 بالمئة، لكن يبدو من الآن أن تحقيق هذا الرقم صعب للغاية. فوكالة موديز تتوقع أن يبلغ 19 بالمئة بنهاية هذا العام.

وما تشير إليه هذه الحقائق في نهاية المطاف هو تفاقم البطالة في البلاد. فقد كانت تركيا تتوقع وفق برنامجها الاقتصادي الجديد أن تبقى نسبة البطالة عند حدود 10.9 بالمئة في العام الماضي وأن ترتفع إلى 11.3 بالمئة في العام الجاري.

غير أن معدل البطالة ارتفع إلى 11.4 بالمئة في نهاية سبتمبر، رغم أن مرحلة الانكماش لم تكن قد بدأت بشكل كامل. وهذا المعدل كان الأعلى منذ أكثر من 9 سنوات.

تركيا بحاجة إلى مصدر خارجي يخفف عبء سدّ الديون لكي تتمكن من العودة مجددا إلى مرحلة النموّ الاقتصادي

ويظل سؤال، متى يمكن أن يتحول هذا المشهد السلبي للمؤشرات الاقتصادية الرئيسية إلى الاتجاه الإيجابي المعاكس؟ من بين أكثر القضايا التي تثير الفضول في تركيا في العام الجديد.

ويكمن السبب الرئيسي الذي يقف وراء الأزمة في هروب رأس المال الأجنبي الذي يعد الأساس لاستمرار النمو. وقد نتج عن عدة عوامل، يأتي على رأسها تشديد السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي وتمادي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تقويض سيادة القانون بالتوازي مع ظهور ممارسات فساد ورشوة، أكبرها في عام 2013.

وإذا تم تجسّيد الوضع بالأرقام، فإن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في الأشهر العشرة الأولى من 2018 بقي عند حدود 6 مليارات دولار فقط مقارنة بما جذبته تركيا من الاستثمارات المباشرة طويلة الأجل في عام 2010 والتي بلغت 20 مليار دولار.

ويعود ثلثا هذا المبلغ إلى الاستثمارات العقارية، والبقية إلى توجه الشركات صاحبة الاستثمارات السابقة إلى زيادة رأسمالها. بمعنى أنه لا يوجد مستثمرون أجانب جدد يأتون إلى تركيا لفتح مصنع أو شركة.

ويشكل نقص العملات الأجنبية مصدرا دائما للتوتر والضغوط على الاقتصاد التركي، الذي يحتاج لتسديد ما يقرب من 150 مليار دولار من الديون الخارجية خلال العام الحالي، إضافة إلى حاجته إلى سدّ العجز في الحساب الجاري.

هذه الأرقام الضخمة تدل على أنه لا يمكن حلّ المشكلة ببضعة مليارات دولار قد يوفرها فائض الحساب الجاري شهريا، علاوة على ذلك، فإن استمرار فائض الحساب رغم الانكماش يثير شبهات حول إمكانية استمراره لفترة طويلة.

خلاصة القول تتمحور حول أن تركيا بحاجة إلى مصدر تمويل خارجي كبير يخفف أعباء سداد الديون الخارجية لكي تتمكن من العودة مجددا إلى مرحلة النموّ الاقتصادي. ويعتقد محللون أن بلوغ ذلك الهدف هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها زيادة الائتمان المصرفي وتدوير عجلات الاقتصاد.

ولهذا السبب يجري الحديث بين حين وآخر عن توصل أنقرة لاتفاق سري مع صندوق النقد الدولي، وأن الإعلان عن ذلك رسمياً سيتم بعد الانتخابات المحلية المقبلة.

وبغضّ النظر عن صحة أو كذب تلك الشائعات، إلا أن الاتفاق مع الصندوق بالنسبة لأردوغان، ليس خيارا سهلا، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.

ويعود السبب إلى أن الفساد والرشوة تحولا إلى نموذج إدارة وعمل في تركيا منذ زمن طويل، بعد أن دمر أردوغان كل الأنظمة الاقتصادية القائمة، وبضمنها قوانين السوق الحرة، في سبيل ترسيخ أركان نظامه الشخصي.

كما أن ذلك النموذج أصبح القوةَ الدافعة لنمو اقتصادي مزيف قام على استخدام الموارد العامة بطريقة مفرطة وغير قانونية.

10