معايير الجوائز الأدبية

ثمة ثلاثة معايير لتحديد الجودة يمكن بواسطتها قياس مدى انتشار الكاتب والكتاب، على الرغم من صعوبة إيجاد وجهات نظر متطابقة على هذا الصعيد. تلك المعايير هي، حجم انتشار الكتاب ومبيعاته في المكتبات، وحجم ما يُكتب عنه من تقديمات ومتابعات نقدية في صحف ومواقع إلكترونية مرموقة، وأخيرا الجوائز.
وبالنسبة لهؤلاء الذين يجادلون في شأن اعتماد حجم المبيعات كمعيار للنجاح، فإنّهم يشيرون إلى كثرة الكتب العادية أو ذات المضامين التافهة أو البعيدة عن الأدب التي طالما تحقق أفضل المبيعات والانتشار وتتصدر قوائم الـ”بيست سيلر”، ناهيك عن العوامل الأخرى خارج معايير الجودة التي تلعب دورا مهما في الانتشار، مثل الدوافع السياسية والترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المضامين/ الصرعة، مثل الفضائح أو الاستخفاف بالدين وإهانة الأوطان وتلبية رغبات دفينة لدى القوى المسيطرة على أسواق الكتب من أجل تقديم الجوانب الكالحة للعرب والمسلمين وغيرها من الأساليب المختلفة، وبالتالي فإن معيار الانتشار و”الأفضل مبيعا” هو معيار لا يعوّل عليه من وجهة نظر هؤلاء المجادلين.
وبالانتقال إلى المعيار الثاني الذي اختير لتحديد الجودة، ألا وهو المتابعات والكتابات النقدية، فإن ما جاء من تفنيد للمعيار الأوّل، ولا سيّما بجزئه الأخير، يكاد ينطبق على هذا المعيار أيضا، خصوصا في ما يتعلق بالدوافع غير الأدبية التي تضع الكتاب تحت الأضواء.
وفي نظرة تفحصية لبعض الكتب المترجمة من العالم الثالث والتي لاقت رواجا نسبيا، كروايات الباكستاني خالد حسيني والأفغاني عتيق رحيمي، نكتشف أن ذلك الرواج، إن وجد، إنما تحقق بسبب الأجواء والعوالم السلبية للحياة في بلدي الكاتبين والدور التدميري الذي لعبه التوظيف السياسي للدين ودور التقاليد والأعراف السائدة هناك في الحطّ من مكانة المرأة واستلابها، وهي نقاط طالما يركّز عليها الناشرون الغربيون.
بل إن البعض يعدّها شرطا مهما لاعتماد ترجمة الكتاب ونشره، حتى لو لم يتوفر على مقدار كبير من الجودة الأدبية، طالما الهدف منها فضائحي ويديم وجهة النظر القائلة بأن الغرب غرب والشر شرق وأن قضية الأدب مؤشر على مدى التحضّر. ووفقا لهذا المعيار، غابت الكثير من التجارب المضيئة والمبهرة من آداب بلدان آسيا وأفريقيا عن الترجمة والتعريف وتسليط الأضواء.
وبقدر تعلّق الأمر بالمعيار الثالث والأخير الخاص بالجوائز الأدبية، فما زال الجدل دائرا ويتجدد سنويا في أعقاب الإعلان عن الفائزين بالجوائز وهزالة اللجان وانحيازها والأهواء السياسية والمناطقية والجغرافية وحتى الطائفية التي تتحكم بالقائمين عليها، ولم تنجُ أيّ جائزة من هذه الانتقادات الفاضحة، بدءا من الجوائز المحلية الصغيرة وانتهاء بجائزة نوبل التي عرفت بدوافعها السياسية وانحيازها للغرب وتوظيفها في الحرب الباردة وخطل اختياراتها في أغلب الأحيان، وصولا إلى إلغائها هذا العام بسبب الفضائح الجنسية وغيرها، حتى فقدت بريقها وأهميتها في الحياة الثقافية والأدبية في الكثير من بلدان العالم، ولا سيّما تأثيرها على انتشار الكتّاب الفائزين بها وحجم مبيعاتهم.
إذ لم يعد أغلب الناشرين يهتمون بها ولم يعودوا يلمسون أي صدى أو تأثير لها على المبيعات، حسب تصريح الناشر الألماني المعروف ويليم هاينه في فرانكفورت، الذي وصف الأمر بمرارة واضحة حين قال “لم نعد نتوقع طلبا مفاجئا على كتب أي أديب يفوز بجائزة نوبل مثلما كان الأمر في الماضي، لم يعد الناس يعبأون بتلك الجائزة في الواقع، وللقرّاء متطلباتهم وذائقتهم الخاصّة”.
ويعد الكثير من النقاد الهولنديين الجائزة مجرد مفارقة تاريخية أو فضيحة يجري الكشف عنها سنويا لتثير الجدل والاستهجان ليومين أو ثلاثة ثم تُنسى، كما أن عدم منحها هذا العام ما هو إلّا علامة على تراجعها وخفوت بريقها.