حكايات النجوم

لا تتوقعوا مني أن أقص حكاية عن نجوم تعرفونهم، من الميديا أو السوشيال ميديا، فقد أصبح بإمكان أي شخص أن يكون نجما على هواه، فما عادت الشهرة حكرا على أحد، بل تحتاج “شوية” ولع بالنشر أو البث وتكرار واختيار ذكي للموضوعات والمفارقات والأشكال والغرائب والأحاديث، وسواها من البوستات التي تجعل الكثير من العامة نجوما في نظر مريديهم وجمهورهم ومشجعيهم.
نعم بعضهم موهوبون ومجتهدون بحق يستحقون الشهرة والمتابعة، وآخرون بالعشرات من الآلاف أضحوا معروفين بين الناس، ليس لأنهم يستحقون ذلك أو يمتلكون عناصر حقيقية للشهرة بل لأنهم لصيقون بها.
كما لدينا في الصحافة العديد من الأسماء التي اشتهرت لظروف يعرفها أصحاب “الكار”، فحين تحلل ما ينتجون من مواد اتصالية تكاد تنفجر من شدة التفاهة التي يتمتعون بها، ومن خواء النصوص وشحة الأفكار، لكنهم يحصلون على أعداد هائلة ومليونية من عشاق التفاهة ومتذوقي “بيض اللقلق”؛ تلك الحلوى العراقية الشهيرة في المحلات الشعبية المزوقة بالألوان والتي تذوب في الفم بلا طعم!
كذا الحال في المئات من المحطات التلفزيونية، هناك مشاهير من الشتامين والمهرجين وأصحاب الأصوات العالية والصراخ والضاربين على الطاولات ممن يدفعون المشاهدين إلى أن يتوقعوا الضرب الوشيك بالكراسي بينهم، حالهم حال مثيري الشغب في الملاعب، الذين يولعون بالمصاطب ويرمون العلب الفارغة على اللاعبين والجمهور معا والذين لا يشجعون فرقهم.
وفي الفنون حكايات لا تنتهي عن نجوم من الكذبة والسقطة، ممن يؤدون أدوار المهرجين والراقصين وخالعي الملابس على المسارح في الحفلات العامة والخاصة بهدف ابتزاز عواطف الجمهور ودفعهم للاستماع بأرجلهم لا برؤوسهم.
وهذه الظاهرة أنتجت فنا هابطا وجمهورا متدنيا، وهو بلا شك جمهور عريض بسعة التفاهة والسقوط الحر للقيم في مجتمعاتنا.
أنتج نجوم “الوجبات السريعة” على شبابيك التذاكر، وهم بلا مقومات للشهرة، لا يحسنون سوى “الشو” المصطنع والعابر للقارات وتزايد أرقام المشاهدة و”الريتنك” بهدف واحد هو الإعلان الذي تصنعه مؤسسات ربحية معروفة على حساب الجودة والارتقاء بالذوق العام.
يؤلمك كثيرا حين تقارن أوضاع هؤلاء “المشاهير” الجدد وثراءهم، لا سيما من حصدة ثمار سهولة ويسر التعامل بالسوشيال ميديا وتوظيفها تجاريا، وحين تقارن جهدهم ومردوداته بجهود مهندسين وصناعيين وأطباء وأساتذة جامعات نذروا أنفسهم ليل نهار لخدمة المجتمع وعاشوا معاناة إنسانية حقيقية لبناء المجتمعات وتطوير إنتاجية الأفراد والمجتمعات معا.
النجوم الحقيقيون لا يجاهرون بنتاجهم بل يعملون بصمت ويحترمون ذواتهم ولا ينخدعون بأكذوبة “الريتنك” وشراء المتابعين، هم أولئك الذين يجعلون الحياة أكثر يسرا ويعبّدون الطرق ويبنون الجسور ويشيدون الصروح ولا يهدمون ذائقة الفن والجمال والوعي المجتمعي.