روبن اختزل العمر

10 سنوات انقضت، مرّت كحلم جميل، 10 أعوام فحسب ربما تبدو كافية كي تؤرخ لمسيرة إنسان وتجسد كل نجاحاته وتألقه، هي عشرية فقط، لكنها بحساب الزمن قد تلغي الماضي وتختصر المستقبل، هكذا كانت مسيرة الجناح الهولندي الطائر أريين روبن في معقل الفريق البافاري بايرن ميونيخ.
منذ أيام أعلن روبن أنه يتأهب لترك البايرن، قال إن الموسم الحالي هو الأخير له في البيت البافاري، أوضح أنه اتخذ قراره النهائي بعد تأن ودراسة مستفيضة، لقد رأى أنه من الأفضل أن يترجل ويرحل في أعقاب الموسم الحالي، خاصة وأنه سيبلغ خلال الصائفة المقبلة 35 عاما، حينها لن يكون بمقدوره أن يبرز مثلما فعل في السابق.
بكل تأكيد فإن هذا القرار الحاسم لن يكون له تأثير قوي حاليا، فاللاعب ما زال ينشط وما زالت أهدافه المتميزة تهز أركان ملعب أليانز أرينا، وما زالت جماهير الفريق تهتزّ فرحا بفعل تأثير هذه الأهداف.
لكن من المؤكد أن الوداع سيكون أليما في نهاية الموسم، حيث سيكتب التاريخ المستعجل والمتسارع آخر فصول هذه العلاقة الملحمية الخالدة التي ربطت الجناح الطائر بالبايرن، حينها قد تذرف الدموع ويستذكر البعض بعض قصص روائع روبن طيلة هذه العشرية، قبل أن يسير على خطى كل من سبقوه من “عظماء” الفريق البافاري ويغادر نهائيا.
ربما لم تدغدغ بعد أحزان الرحيل هذا اللاعب، خاصة وأنه ما زال ينشط ويركض ويلعب ويشارك في أغلب المباريات، ربما لم يفكر بعد في قسوة الرحيل عن فريق نجح في تغيير مساره الكروي وساهم في إعادته إلى الواجهة العالمية ليقضي فترة حلوة رائعة مميزة.
لكن ستأتي اللحظة قريبا جدا، وحينها ربما يذرف روبن الدموع، بعد أن يستجمع كل الذكريات المميزة التي جعلته يكنّ للبايرن حبا صادقا لم يقدمه لأي فريق تقمص زيّه في السابق.
سيكون من الصعب على روبن أن ينسى أو يتناسى كيف فتحت أمامه أبواب المجد مع هذا الفريق الألماني الذي جعل منه أحد أبرز نجوم في العالم خلال العشرية الماضية.
فروبن الذي سطع نجمه مبكرا وأظهر مواهب عبقرية عبّدت أمامه الطريق كي يلعب لفائدة أبرز الفرق العالمية مثل أندهوفن الهولندي ثم تشيلسي الإنكليزي فريال مدريد الإسباني، عانى كثيرا خلال محطاته السابقة من كثرة الإصابات والغيابات، لقد كان لاعبا هشا “زجاجيا قابل للكسر” والإصابة في كل لحظة.
غيابات متكررة جعلت إدارة فريقه السابق تسأم من وضعه الصحي وتقرر التفريط فيه لفائدة أول فريق يتقدم بعرض لضمه، فحصل الأمر وانتقل روبن الكئيب المنكسر إلى العملاق الألماني.
لن ينسى روبن أبدا ما حصل له في ألمانيا، لقد دهش وأدهش العالم بعد أن عاد أقوى من ذي قبل، بات سليما معافى قوي البنية وتحولت ساقه الزجاجية إلى مطرقة فولاذية تصيب مرمى الخصوم بلا رحمة.
أتدركون لماذا لن ينسى روبن ما حصل له في ألمانيا؟ الإجابة بسيطة لكنها مدهشة، إذ تفطن طبيبه الجديد في البايرن إلى أن المشكلة التي دفعت هذا اللاعب للتعرض باستمرار للإصابة مرتبط بوجود مشكلات في أسنانه، تمت معالجة الأمر فانتهت المشكلات المزمنة وولت بلا رجعة.
استمرت الزيجة، وكان على روبن أن يرّد الدين لفريقه الذي قضى على كل كوابيسه المزعجة، لم يتأخر الرد حيث بات “روبن هود” بمثابة ماكينة أهداف أو هو بمثابة المحرك النفاث الذي يقود البايرن نحو المقدمة، لتتوالى النجاحات والتتويجات وأبرزها على الإطلاق الحصول على لقب دوري الأبطال سنة 2013.
في تلك البطولة عانق روبن قمة المجد، كيف لا وهو من سجل هدف الفوز ضد بوروسيا دورتموند في النهائي وتحديدا في الوقت القاتل من المباراة، لقد سجل هدفا رائعا ومميزا، وما أكثرها الأهداف الرائعة التي أحرزها هذا الجناح الطائر.
أغلب هذه الأهداف كانت أيضا مؤثرة، وساهمت كثيرا في نجاح فريقه في فرض هيمنته محليا خلال المواسم الماضية، طبعا إلى جانب هذه الأهداف المميزة قدم مردودا رائعا جعله “معشوق” جماهير الفريق البافاري.
فكيف لروبن ألاّ يتأثر مع اقتراب لحظة الوداع، بلا شك سيعيش لحظة عاطفية قاسية تماما مثل التي عاشها زميله السابق فيليب لام الذي ودّع البايرن بعد مسيرة استثنائية ترك خلالها إرثا كبيرا وعاش لحظات لا تنسى.
جاء الدور الآن على روبن، ومعه أيضا الفرنسي فرانك ريبيري الذي يقضي بدوره آخر مواسمه مع البايرن، وتلك قصة أخرى. ستكون نهاية الموسم أشبه بنهاية فيلم مشوق بطلاه نجمان خارقان أسعدا المتابعين كثيرا قبل أن يختارا الوداع سويّا، حتى تكون وطأة الفراق أكثر شدة وحدّة.
سيترك رحيل روبن ومعه ريبيري فراغا رهيبا صلب الفريق، فثنائي الحرف “راء” لم يكن مجرد مهاجمين بارعين فقط، بل ارتبطت بهما ذكريات جيل ذهبي متميز واستثنائي وهما اليوم آخر “العنقود” المنفرط.
فروبن كان بمثابة قائد “عصابة” استوطنت وسط غابات بافاريا، كان مثل روبن هود، ومعه صديقه المخلص ريبيري، لقد دافعا بكل إخلاص وتفان عن شرف البايرن وأوصلاه إلى القمة. لكن بسرعة انتهى الواجب المقدس واقتربت ساعة الرحيل، وبحساب السنين هي عشرة أعوام اختزلت كل العمر.