إيديكس 2018.. مصر تؤسس لمكانتها على خارطة صنّاع السلاح

تتطلع مصر، إلى جانب دول رئيسية في المنطقة على غرار السعودية والإمارات، إلى توطين الصناعات العسكرية وعدم الاكتفاء بشراء السلاح، بل وصناعته أيضا. ويتجلى ذلك واضحا من خلال فعاليات إيديكس 2018، أول معرض دولي للصناعات الدفاعية والعسكرية في مصر، الذي سيعقد مرة كل عامين، حيث يتيح هذا الحدث عرض المنتجات العسكرية المصرية، وكذلك المنتجات الصناعية الدفاعية للدول العالمية والعربية والأفريقية. ويضم الجناح المصري بالمعرض قطعا عسكرية وأسلحة مصرية الصنع، تعرض لأول مرة.
القاهرة- افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الاثنين، المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية إيديكس 2018، بمشاركة 373 شركة عالمية عارضة تمثل 41 دولة، و51 وفدا رسميا. ويعد المعرض الأول من نوعه في مصر وشمال ووسط أفريقيا، ويضم عروضا لأحدث المنظومات العالمية في مجال التسليح والتقنيات المرتبطة بها، وهو ملتقى لكبرى قلاع الصناعات الدفاعية الدولية من جميع أنحاء العالم بجانب الصناعات العسكرية المصرية من إنتاج القوات المسلحة والشركات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع.
من أبرز المشاركين في المعرض، الذي يستمر حتى الأربعاء، وزراء دفاع الإمارات وسلطنة عمان والسودان وفرنسا واليونان وقبرص الرومية، وجنوب السودان والكاميرون وكوريا الجنوبية والصومال، فضلا عن 7 رؤساء أركان و7 وزراء للإنتاج الحربي من الدول الشقيقة لمصر.
وبلغ عدد الشركات الأميركية 42 شركة، والفرنسية 32 شركة، والصينية 20 شركة، و20 شركة بريطانية كما كانت دولة الإمارات العربية حاضرة عبر27 شركة. ويخصص لهذه الدول أجنحة خاصة. ويتم تنظيم المعرض بالتعاون مع مؤسسة كلاريون العالمية، وهي من أكبر منظمي المعارض العسكرية والأمنية في العالم.
وأجمع عسكريون على أن تنظيم مصر معرضا عسكريا دوليا، يأتي استكمالا لنهج التنوع في مصادر السلاح. وأشاروا إلى أن الاستراتيجية المصرية السابقة التي كانت تعتمد على التصنيع المحلي من دون الاستعانة بالاستثمارات الغربية داخلها قد تغيرت، الأمر الذي انعكس على جملة من الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها وزارة الدفاع المصرية مع عدد من الشركات الأميركية والإنكليزية.
وذكر موقع دينفس نيوز أن التعاون العسكري التقني بين مصر وبلدان أخرى، في المقام الأول روسيا والصين والولايات المتحدة، وصل إلى مستوى غير مسبوق على مدار العامين الماضيين، واللذين شهدا عددا من الزيارات واللقاءات المتكررة بين وزير الإنتاج الحربي المصري، محمد العصار، ووزراء دفاع وسفراء ورؤساء شركات دولية.
وتُرجِمَت تلك العلاقات القوية إلى تعاون على المستوى العالمي، تجلى ذلك في نقل الخبرات مع روسيا في مجال أنظمة الدفاع الجوي، وألمانيا في مجال التصنيع البحري والأسلحة الخفيفة، والصين من خلال المركبات الجوية بلا طيار وتكنولوجياتها التكميلية.
تعاون عربي
تولي القاهرة اهتماما كبيرا بزيادة التنسيق مع دول عربية حليفة، مثل السعودية والإمارات، في مجال الصناعات العسكرية، وتأمل أن يتطور التعاون إلى مجال الدخول في عمليات تصنيع مشتركة، تتضافر فيها الجهود والخبرات لسد بعض الثغرات التسليحية.
وأكد اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس النواب، لـ “العرب” أن التعاون السياسي بين الدول الثلاث ومعها مملكة البحرين، انعكس بوضوح على مستوى التدريبات العسكرية المشتركة، وسيرتقي إلى مستوى أعلى من خلال وجود تعاون مادي وفني في التصنيع المحلي.
وأضاف أن الرغبة الأولى وراء تنظيم معرض إيديكس 2018 تتمثل في الاستفادة من الخبرات الخارجية في مجالات التصنيع الحديثة، وأن الأهمية تزداد مع الدول العربية التي تعاني أوضاعا شبيهة بما تعاني منه مصر وتتعرض لتحديات ومخاطر مشتركة، وأن ذلك انعكس على اللقاءات الثنائية المتعددة، والتي عقدها وزراء دفاع الدول المشاركة في المعرض المصري.
وذهب البعض من المراقبين إلى التأكيد على أن الاهتمام بالتعاون العربي في مجال التسليح يرتبط بوجود رغبة مصرية كبيرة في عودة الاهتمام بالمصانع المحلية وعلى رأسها المصانع الحربية القائمة منذ خمسينات القرن الماضي، والهيئة العربية للتصنيع التي شهدت ركودا السنوات الماضية.
وتمنح القاهرة أهمية كبيرة لتنشيط الهيئة العربية للتصنيع التي تأسست عام 1975، بمشاركة مصرية سعودية إماراتية قطرية، قبل أن تنسحب هذه الدول من تمويلها في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بين مصر مع إسرائيل، بعد تأسيسها بنحو أربع سنوات.
وأصبح التحالف السياسي القائم حاليا بين مصر والسعودية والإمارات حافزا كبيرا لعودة التنسيق بينها، خاصة أن الرياض وأبوظبي اتخذتا خطوات أكثر تقدما في هذا المجال مما وصلت إليه مصر في الوقت الراهن.
وتسعى الإدارة السياسية في مصر إلى الاستفادة من وجود 6 مصانع حربية تابعة للهيئة العربية للتصنيع، وعدد مصانع أخرى تابعة للجيش المصري مباشرة، وهي بحاجة إلى المزيد من الإمكانيات والخبرات الصناعية في مجال التصنيع العسكري، كي تحقق طفرة كبيرة تتواءم مع تطلعات القاهرة، التي تريد ألا ترهن حاجاتها التسليحية بجهات خارجية، تعلم أنها تتحكم فيها معادلات وتوازنات إقليمية ودولية، تلعب دورا مهما في التحكم في سوق السلاح في المنطقة.
وأدى دخول دول غير تقليدية إلى سوق السلاح في منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة حدة المنافسة مع القوى التقليدية، فقد باتت الصين وكوريا الشمالية من أهم الدول التي عقدت صفقات كبيرة مع دول في المنطقة.
تغيير دفة السلاح
كانت مصر خلال حقبة الستينات من القرن الماضي ترغب في امتلاك بنية كبيرة في الصناعات العسكرية، التي تمدها بأنواع مختلفة من السلاح الذي يمكن تصنيعه محليا، غير أن خوضها حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973 ضد إسرائيل كان دافعا نحو تحويل دفة الإنفاق على الأسلحة المستوردة، ثم جاء الاستسلام للتعاون مع الولايات المتحدة في المجال العسكري دافعا جديدا لتغيير وجهة المصانع العسكرية وتحويلها إلى مفرخة للصناعات المدنية لخدمة الأغراض الداخلية، والتخلي عن الطموحات السابقة في امتلاك صناعة عسكرية رائدة.
وضعت اتفاقية السلام مع إسرائيل قيودا كبيرة على مصر في مجال التسليح العسكري، وامتلاك أنواع مختلفة أو تحريكها في منطقة سيناء، باعتبارها المسرح الرئيسي للعلميات مع إسرائيل. وأشار اللواء نصر سالم، رئيس هيئة الاستطلاع بالقوات المسلحة المصرية سابقا، لـ “العرب” إلى أن الاهتمام المصري بتصنيع السلاح المحلي سينصب على الاستخدام المحلي والتصدير إلى السوق العربية والأفريقية.
ووقعت القاهرة اتفاقية للتعاون الدفاعي المشترك مع دولة جنوب أفريقيا خلال الشهر الماضي، تضاف إلى عدة اتفاقيات جرى توقيعها مع عدد من الدول العربية، في مقدمتها السعودية والإمارات، وبانتظار زيادة أطر التعاون في المجال العسكري خلال المعرض الحالي، والذي يشهد زيارات للمصانع الحربية، ومرجح أن تتمخض هذه النوعية من التوجهات عن وجود نواة لسلاح عربي التصنيع.
وذكر موقع ديفنس نيوز أن تصنيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة يبدو “مجالا حيويا للمصريين في الوقت الحاضر”، وأن “القاهرة بدأت بالفعل في تصدير بعض أنواع الأسلحة إلى عدد من الدول العربية والأفريقية”.
وأوضح اللواء كمال عامر أن مصر غيرت من استراتيجيتها المتبعة بشأن توقيع عقود استيراد السلاح، وتطالب بوضع شروط تضمن نقل خبرة تصنيعها إلى الداخل وهو ما حدث مع اتفاقيات استيراد القرفاطات البحرية من فرنسا.
وشهد معرض إيديكس 2018 عرض قرفاطة “جوند” التي شاركت في مكوناتها أياد مصرية لأول مرة، وكذلك طائرات الدفاع الروسية، وهو ما يشير إلى تغير النظرة التقليدية في الاكتفاء بالاستيراد، والانتقال إلى مرحلة متقدمة، تجعل لمصر باعا في المجال العسكري.
وقال عامر إن القاهرة تسعى لتطوير منتجاتها العسكرية والدخول في مجالات مختلفة، وتطوير تصنيعها عموما، استكمالا لتطبيق مفهوم القوة الشاملة الذي تتبناه الحكومة من خلال المشروعات الاقتصادية القومية وتطور التواجد السياسي الإقليمي والدخول كطرف فاعل في جملة من الأزمات التي تمر بها المنطقة، وتطوير القدرات الذاتية التي بدأت بتكثيف جهود مكافحة الإرهاب وتحديث الترسانة العسكرية ونهاية بتصنيع السلاح، ومحاولة تخفيف الاعتماد على الخارج، خاصة في الأنواع التي يمكن تصنيعها محليا، ولا تحتاج إلى إمكانيات عالية.
توطين التكنولوجيا العسكرية
حتى يمكن للجيش المصري أن يحافظ على ترتيبه المتقدم ضمن أقوى 12 جيشا على مستوى العالم، يرى موقع “غلوبال فاير باور”، المختص في الشؤون العسكرية، والذي أصدر تصنيفه الجديد لهذا العام قبل أيام، أن الأمر يتطلب التفكير في توطين التكنولوجيا العسكرية بالداخل والاهتمام بالتصنيع العسكري المصري المحلي، إلى جانب التعامل مع الأسلحة الحديثة التي يمتلكها الجيش.
ولفت اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري وعضو مجلس النواب المصري، إلى أن حجم التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وتعدد مصادر التسليح، يتطلبان تطويرا على مستوى قدرات المصانع الحربية، واستيعاب الأفراد للأنظمة الحديثة والتعامل معها عبر تصنيع قطع الغيار الخاصة بها.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن تطوير القدرات الصناعية له علاقة بالدراسات المصرية للتهديدات التي تواجهها على المنظور المتوسط والبعيد، وما واجهته الدولة من تجارب سابقة على مستوى تعنت بعض الدول في الوفاء بالتزاماتها تجاه صيانة الأسلحة أو توريد قطع الغيار الخاصة بها، وأن ذلك ما حدث من قبل مع الولايات المتحدة في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 وتكرر مع الجانب الإيطالي في أعقاب حادث مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، وما أعقبه من توتر في العلاقات بين القاهرة وروما.
واستفادت مصر من هذه الدروس، وقامت بحركة استدارة كبيرة لتنويع مصادر سلاحها من الشرق والغرب، وعمدت إلى تدريب مهندسيها للقيام بعمليات الصيانة مباشرة، ومحاولة التقدم في الصناعات العسكرية الخفيفة، والتهميد للانتقال إلى صناعات ثقيلة، مستفيدة من الانفتاح والرواج الذي تجده الصناعات العسكرية في العالم.
وشدد بخيت على أن الاحتياج إلى التكنولوجيا العسكرية الحديثة يعد مربط الفرس بالنسبة للجيش المصري خلال هذه الفترة نظرا لتعامله مع أسلحة متطورة أضحت بحاجة إلى تطوير القدرات العسكرية الداخلية للتعامل معها، والخروج من نفق تصنيع قطع الغيار وأنظمة التسليح المتوسطة والصغيرة، إلى ما يتواكب مع الأسلحة الحديثة التي نجحت بعض الدول العربية في تصنيعها، بفعل التوسع في مجالات الاستثمار العسكري.
وأكد اللواء طارق سعد زغلول، رئيس هيئة التسليح بالجيش المصري، “من المخطط أن يتم إجراء تعاقدات مع بعض الشركات خلال معرض إيديكس 2018 بما يسمح بأن يكون هناك تواجد عسكري مصري على خارطة الصناعة العسكرية.
وتعمل مصر على استغلال الأسلحة محلية الصنع التي استخدمتها في الحرب على الإرهاب، وعرضها لتسويقها إلى عدد من البلدان العربية والأفريقية التي تواجه نفس التحديات، منها رادرات لكشف طبقات الأرض، وبلدوزرات مدرعة، ومكتشفات الألغام”.
وقال اللواء نبيل أبوالنجا، مؤسسة فرقة الصاعقة بالجيش المصري، “إن القاهرة تسعى للاستفادة من الوضع العالمي الجديد في سوق السلاح، والذي أضحى تتواجد به قوى عديدة، وبالتالي فإن خطواتها قد تنجح بالفعل في تطوير قدراتها العسكرية المحلية، بشرط أن يواكب ذلك تحديثا شاملا للمصانع الحربية الموجودة وتغيير فلسفة عملها لتتماشى مع التطورات الحديثة، ما يستلزم ميزانيات هائلة قد تكون هناك صعوبة في توفيرها”.
وتابع في تصريحات لـ”العرب” أن تنوع مصادر السلاح يفزر الحاجة إلى تنوع التكتيكات الدفاعية والصناعية للتعامل معها، وهو أمر يتطلب التعاون مع خبرات عديدة من خلال الاستعانة بالخبراء العسكريين في البلدان المتقدمة عسكريا، وامتداد ذلك إلى العمل على تطوير الأسلحة التي يستوردها الجيش المصري وعدم الاكتفاء بالتدريب عليها، كما الوضع بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي طور كثيرا من الأسلحة الأميركية الواردة إليه.
وتحتم صعوبة الإمكانيات المادية الاهتمام أولا بسد ثغرات الاحتياج المحلي من السلاح والتركيز على تصنيع قطع الغيار والتجميع، والتخلص من الأسلحة القديمة والتي عفى عليها الزمن عبر تسوقيها في الدول التي تنظر إلى التجربة المصرية لمكافحة الإرهاب وتسعى إلى تكرارها وتفادي أخطائها.