لا تغدر بالذئاب

شعور مالكوم بالندم الشديد جراء خيانته لروما وتفضيله التحوّل إلى برشلونة، فلا هو طال بلح الشام ولا نال عنب اليمن، إذ انقلب الغدر على الغادر، ووضعيته الحالية باتت مستعصية.
الأحد 2018/11/04
مالكوم أراد أن يكون ذئبا فغدر بروما

 قديما قيل الكثير عن “الذئاب”. لقد وصفت بالغدر والمكر والدهاء، حتى الشعراء نالوا نصبيهم في وصف الذئاب وتوصيف طباعها الحادة الغادرة. لقد ارتبط هذا الطبع بالذئب والتصق به، فكما عُرف الكلب بالوفاء، كان الذئب رمزا للغدر والخيانة.

بيد أن هذا الذئب التعيس الذي لم يجد من يسانده أو يدافع عن قوته وجرأته وبطشه زمن الغابرين، بات في عصرنا الراهن نموذجا يحتذى به لدى البعض. لقد اعتبره هؤلاء رمزا متفردا بحكم ميله للجماعة والاحتماء “بالعشيرة”. فهذا الذئب الذي لا يخشى الدخول في معركة ضارية مع ملك الغابة، غدا اليوم ملهما لشعراء الجيل المعاصر ولصناع السينما في العالم.

الأمر بلغ حد حبك أساطير وقصص من “الفانتازيا” تُظهر قوة هذا “الوحش” الفتّاك، لتبرز مثلا في السينما الأميركية طيلة السنوات الماضية أسطورة “الرجل الذئب”، أو “الرجل المستأذب” الذي يتحوّل مع اكتمال البدر من بشر مثلنا إلى ذئب ضخم البنية، قوي الشكيمة يفترس كل من يعترض سبيله. لقد صوّرته السينما الأميركية بمظهر مخيف ومرعب وكأنه بحق أشد وأقوى الحيوانات.

هذه الصورة المستحدثة للذئب باتت أيضا علامة تجارية لدى بعض الماركات العالمية، بل الأكثر من ذلك أن قوة الذئاب وشدة بأسها ألهمتا مؤسسي نادي روما الإيطالي لاتخاذ هذا الحيوان شعارا لهذا النادي.

اليوم لا يكاد أي متابع للشأن الكروي في العالم، لا يعرف “ذئاب روما” التي توشّح قميص نادي العاصمة الإيطالية، لكن ربما اتخذ مؤسسو هذا النادي “الذئاب” شعارا دائما لكونه يحمل بالأساس صفة الغدر. فكما يغدر الذئب بفرائسه وخصومه، فإن كتيبة نادي روما تفتك بدورها بكل الخصوم والمنافسين، فلا أحد تبعا لذلك قادر على الاقتراب من وكر الذئاب، ولا أحد أيضا قادر على أن يعبث بذئاب العاصمة أو يغدر بها. بيد أنه في الصورة الراهنة أراد أحد اللاعبين الصاعدين “اللعب” مع الذئاب، فعاملها بأسلوبها وطباعها التي تختص بها، لقد غدر بذئاب العاصمة وخدعها.

الصورة كاملة تجلّت في بداية الموسم الحالي مع البرازيلي مالكوم. هذا اللاعب جلب الأنظار في الموسم الماضي عندما كان ينشط مع نادي بوردو الفرنسي، حيث قدم مستوى رفيعا وأكد أن بمقدوره أن يصبح نجما لامعا. ترصّدته “أعين ذئاب” العاصمة وتابعته في عدة مباريات قبل أن يستقر قرار إدارة جمعية روما على التعاقد معه في أعقاب الموسم الماضي.

حصلت اتصالات أوّلية مع اللاعب وناديه السابق، وتطورت المفاوضات وحصل الاتفاق بين مختلف الأطراف. فمالكوم اقترب كثيرا من أن يصبح أحد أعضاء فريق “الذئاب” خلال الموسم الجديد، ولم يكن ينقص الاتفاق سوى التوقيع على العقد، لكن فجأة تغيّرت كل المعطيات.. ثمة في الأمر رائحة غدر وخيانة.

لقد حوّل هذا اللاعب الفتي وجهته كليا. فضّل عدم التحوّل إلى روما وآثر نكث وعوده وعهوده مع الفريق. لقد تلقى عرضا اعتبره مغريا من قبل إدارة نادي برشلونة.

“سال لعاب” هذا اللاعب، فمن يقدر على مقاومة إغراء “البلوغرانا”؟ ومن يرفض مزاملة الأسطورة ميسي؟ راوغ “ذئاب روما” وتركها تنتظر. لقد وافق دون تردد على عرض “البارسا”.

لا أحد في روما توقّع أن تحصل هكذا خيانة، لكن اللاعب اتخذ صفات “الذئب” الغادر، فأدار ظهره للشمال الإيطالي متوجها بسرعة نحو الجنوب، وتحديدا إلى إقليم كتالونيا علّه يجد مكانا في هذا المرتع الجديد.

كان هذا الفتى يتوقع أن يجد رغد العيش ومهجعا مريحا. كان يتوقع أن ينعم بكل سبل الراحة ويعيش عيش “ملوك الغابة”، لكن الغابة قد لا تقبل أحيانا “الغادرين”، لا تقبل المتكاسلين والمتخاذلين، فوجد مالكوم نفسه بعد مرور أشهر قليلة على انتقاله إلى برشلونة بعيدا عن الأضواء.

وجد نفسه “يتضوّر” جوعا، فتلهّفه للعب إلى جانب ميسي وبقية النجوم لم يشفع له بأن ينال نصيبه مع الفريق، فبعد مشاركات نادرة في المباريات الأولى هذا الموسم، ابتعد كليا عن الفريق الأول. لقد تضاءلت فرصه كي يرتع ويركض وينال غرضه في الملاعب، ببساطة لم يقنع بعد فالفيردي مدرب برشلونة.

هل تعرض مالكوم للخيانة والغدر من قبل الجهاز الفني لبرشلونة؟ لا طبعا، فـ”الذئاب” تغدر ولا يغدر بها، ومالكوم أراد أن يكون ذئبا فغدر بروما، لكنه لم يدرك عواقب اللعب مع الذئاب، فتحوّله إلى برشلونة اعتبره البعض هفوة لا تغتفر ارتكبها هذا اللاعب الأغر.

اليوم تحدثت بعض وسائل الإعلام في إسبانيا وكذلك إيطاليا عن شعور مالكوم بالندم الشديد جراء خيانته لروما وتفضيله التحوّل إلى برشلونة، فلا هو طال بلح الشام ولا نال عنب اليمن، إذ انقلب الغدر على الغادر، ووضعيته الحالية باتت مستعصية.

هذه الوضعية دفعته، حسب بعض التسريبات، إلى معاودة الاتصال بإدارة نادي روما كي يعرض خدماته ويطلب تخليصه من هذه الورطة من خلال اللعب مع فريق العاصمة ولو على سبيل الإعارة، ربما هو طَلب الصفح وأراد أن يكفّر عن ذنبه، لكن هل تقبل “الذئاب” التهاون مع من يغدر بها؟

الإجابة هي أيضا لا طبعا، فبعض المقرّبين من إدارة روما يؤكدون وجود رفض كلّي للتعامل مجددا مع هذا اللاعب، فلا أحد قادر على أن يغدر بالذئاب.

23