لماذا الارتياب من الأسئلة؟

هل تعانون مثلي من إجابات الآخرين عند تفاعلكم معهم في أي حوار بسيط أو عميق من عدم تلقي الإجابة المحددة، التي تفصح عن جوهر السؤال وتجيب عليه؟
حتى في الأسئلة العابرة العادية التي لا تتحمل إلا نعم أو لا، الناس باتوا لا يجيبون عن أمور صغيرة عرضية، عابرة، لا تحتمل التأويل، والتفسير الشديد.
فحين تسأل أحدا مقربا إليك إلى أين تخرج؟ عوضا عن أن يجيبك عن مكان خروجه يثور ويقول: قابل أبقى في البيت بين الحيطان! وحين ترد عليه: أريد أن أعرف هل أنك على طريقي أو قريبا منه؟ يجيبك: وهل تراقبني؟ وتقول له: أبدا أريد أن أعرف فقط لأحدد مساري أو أعلم مع من ستكون؟ يجيبك: وهل بدأت تتدخل في من أقابل؟
سلسلة من الإجابات تقع خارج نطاق المنطق و”التسوير المفتوح” في لغة الرياضيات المعاصرة التي درستها مبكرا.
نعم هناك أسئلة مهددة، يحذر منها البحث العلمي لا سيما عند تنظيم استمارة المبحوثين، لذلك يفرض الإشراف العلمي أن تعرضها على عدد غير قليل من المختصين لتذويب الاسئلة المهددة وحذفها لأنها تقود إلى الإجابات الحتمية.
ولكن في الحياة العامة اليومية أجد أن الناس دخلوا في مرحلة أشبه ما تكون بالارتياب من الأسئلة البسيطة العابرة، واعتادوا أن يردوا بسؤال أو لوم، وصارت لغة التفاهم بين الناس صعبة، ومستفزة بل حتى عدائية، مما يجعل الناس في ضيق من بعضهم البعض.
هناك “منحى اتجاه” مجتمعي نحو نمط من التشكك في النوايا، واضطراب في المنطق السليم الذي يبدد عدم الوضوح ويكشف المقاصد بيسر، عند الحوار بين الناس.
لذلك ترى الناس يصرخون وترفع أصواتهم حتى خارج المساكن، ليس لأنهم مختلفون في الغالب بل لأنهم مفرطو الحساسية من الإجابات الدقيقة والدالة.
وهذا يعود إلى ضعف المران على الحوار والتعود عليه منذ الصغر، منذ بواكير حياة الأفراد وعجز التعليم عن إشاعة لغة المنطق والجدل العقلاني الذي لا تغلبه العواطف والانفعالات.
كل يوم أقع في خلاف مع آخر قريب مني عند سؤال لا يعدو أن يكون إلا استفهاميا يهدف إلى الاستعلام وليس قطعا بهدف النيل من الطرف المقابل.
فتراني أعاني لأن الطرف الآخر يتمادى في استفزازي وإثارة غضبي وقد يوصلني البعض إلى عدم قدرة تحمل “الملاوعة” في الإجابات على أمور قد لا تتعدى نعم أو لا؟
ظاهرة الإجابات التي تقع في اللا معنى وأسميها الإجابات العصبية اللا منطقية التي لا تصب في جوهر السؤال، أضحت أزمة تهدد سلاسة الحياة ويسرها.