مصر.. القضاء على التمييز الديني يبدأ بتعديل قانون الأحوال الشخصية

تشريع مدني موحد بين المسلمين والأقباط يمثل تغييره مقدمة للتقارب بين الأديان، سيما وأن القوانين السابقة فرقت بين الديانتين.
الخميس 2018/10/25
مطلب المجتمع المدني في مصر

يعتزم برلمانيون مصريون، الأسبوع المقبل، تعديل قانون الأحوال المدنية بشكل عصري يوحد بين جميع المواطنين دون تمييز ديني لتعزيز المساواة والتسامح بين المسلمين والأقباط في مصر. لكن تبقى معضلة تجاوز العراقيل التي تضعها مؤسسات دينية وسياسية لهذه التعديلات، أملا في الحفاظ على السلطات التي تمنحها التشريعات الحالية لها.

القاهرة - تعددت مشاريع قوانين الأحوال المدنية في مصر، وكان آخر مشروع هو قانون تقدم به النائب البرلماني محمد فؤاد وتم عرضه على الأزهر للبت فيه، في محاولة جديدة لإعادة التوازن داخل الأسرة المصرية وتحقيق المزيد من المساواة بين المسلمين والأقباط.

بات القانون المقترح محل ثناء الكثير من جمعيات المجتمع المدني التي رحبت بالرغبة الحقيقية في تغيير واحدة من أكثر التابوهات القانونية في مصر التي ظلت عائقا مجتمعيا لا يمكن رأبه بسبب العرقلة المستمرة لتعديل يرمي إلى سحب أي سلطة دينية أو ذكورية.

وتضمنت التعديلات الجديدة العديد من النواحي الإجرائية والموضوعية، التغيير في مراحل الزواج، وهي الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع والرؤية والنفقة وإجراءات صرف نفقة الطلاق.

وطالب البعض بوضع نموذج موحد لعقود الزواج يتضمن جميع الشروط والأمور التي تم التوافق عليها بين الطرفين والنص عليها صراحة في العقد المبرم بينهما، وهو ما لم يكن يحدث في السابق، وخاصة في عقود الزوج للمسلمين والمسيحيين.

وقال النائب البرلماني محمد فؤاد، الذي قدم تعديلات على قانون الأحوال الشخصية ومن المقرر تمريرها الأسبوع المقبل، إن المشكلات التي تعطل خروج قوانين الأحوال الشخصية الموحدة إلى النور قريبة شكلا من المشكلات التي تعطل مشروعه أيضا، لافتا إلى أن البرلمان ينتظر حتى الآن رد مؤسسة الأزهر على التعديلات التي قدمها منذ شهر أبريل الماضي.

الطوائف المسيحية توصلت لأن تكون هناك بنود منفصلة داخل القانون تقر بالعقائد المختلفة لكل كنيسة على حدة

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، “هناك مشكلات وخلافات سياسية داخل البرلمان تعطل القانون، لكن في النهاية فإن حجة التأخير ترتكن إلى المؤسسة الدينية، على الرغم من أن المواد المعدلة غير قطعية الثبوت والدلالة وبالتالي فإنها لا تستوجب بالأساس رأي المؤسسة الدينية فيها، مشيرا إلى أن الذهاب بشكل أكبر باتجاه مدنية الدولة يتطلب إدخال تعديلات على الدستور الذي يفرق بين المسلمين وغيرهم في قوانين الأحوال الشخصية”.

ويُهاجم القانون المصري لأنه يحض على التفرقة الواضحة في قوانين الأسرة بين المسلمين والأقباط، ولا يمكن التخلص منها إلا بقانون جديد مدني واحد، يعتمد على المساواة الكاملة بين المواطنين، ولا يفرق بين رجل وامرأة أو مسلم وقبطي، ولا يخضع للتضاربات الواضحة بين الفقهاء المسلمين والأقباط، أو التناقضات الصارخة بين الفتاوى والآراء الدينية.

ويعزز ذلك الرغبة في التغيير، والتي تجعل من القوانين المقترحة ثورة تشريعية على الظلم الاجتماعي والتفرقة والعنصرية في أحيان كثيرة، ما جعل الكثير من الخبراء يصفون محاولات تعديل تلك القوانين البائدة رسالة تصحيح تدعو للتسامح بين جميع المواطنين دون النظر للدين أو الطائفة أو الجنس أو اللون، ويفرض حماية تشريعية للجميع تعزز العدل والتفاهم وتخفف من الخلاف الذي بات يحتل مكانا كبيرا داخل كل أسرة. وظلت قضايا مثل الطلاق والرؤية والحضانة والنفقة وترتيب الأب في الحضانة وغيرها من الملفات المحتدمة التي تمتلئ بها ساحات محاكم الأسرة، أزمات متكررة لا تجد حلا رادعا.

ويطالب الكثير من الأقباط كذلك بمساواتهم بالمسلمين في قوانين الأحوال المدنية، خاصة الطلاق الذي لا تسمح به الكنيسة وترفض السماح بحرية الانفصال مثل المسلمين.

وقال نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان لـ”العرب”، إن الأزمات الكبرى التي تواجه خروج تعديلات في قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين والأقباط إلى النور، ترجع إلى المؤسسات الدينية، في وقت تنفتح فيه الحكومة على ضرورة إيجاد حلول للمشكلات الأسرية والمجتمعية المتفاقمة، ويظهر هذا الأمر بشكل واضح في اختلاف الكنائس المصرية الثلاث (الأرثوذكسية والإنجيلية والبروتستانتية) من الطلاق في وقت وصلت فيه الدعاوى القضائية المرفوعة للحصول على الطلاق المدني إلى 100 ألف قضية تقريبا.

ترفض الكنسية الكاثوليكية الإقرار بالطلاق نهائيا وتؤمن بمبدأ الانفصال الجسماني، وعلى العكس الأرثوذكس وهم يمثلون الغالبية العظمى من الأقباط في مصر، يقرون الطلاق في حالات معينة، فيما تؤمن الكنيسة الإنجيلية بالزواج والطلاق المدني، وهو ما تعارضه الكنسية الأرثوذكسية، وتعد تلك الخلافات سببا رئيسيا في تعطيل تقديم القانون للبرلمان المصري.

من أجل قانون مدني موحد بين المسلمين والأقباط
من أجل قانون مدني موحد بين المسلمين والأقباط

وتسبب رفض الكنيسة المصرية لعديد من حالات الطلاق في مشكلات طائفية عدة بين المسلمين والأقباط، إذ أن ذلك كان سببا في اتجاه العديد من السيدات أصحاب المشاكل التي لا يوجد حلول لها لإشهار إسلامهم هربا من قيود الكنيسة، وهو ما تعاملت معه المؤسسات الدينية المسيحية من خلال الفتاوى الدينية المحرمة بدلا من تشريع قوانين حديثة تتماشى مع الواقع الحالي.

وأضاف جبرائيل لـ”العرب”، أن الطوائف المسيحية في مصر توصلت لأن تكون هناك العديد من البنود المنفصلة داخل القانون تقر بالعقائد المختلفة لكل كنيسة على حدة، وأن تلك التعديلات أرسلت بالفعل إلى البرلمان، ومقرر له أن يناقشها خلال دورة الانعقاد الحالي.

ويرى العديد من الحقوقيين أن مسألة وجود قانون مدني موحد بين المسلمين والأقباط، عملية بالغة الصعوبة في المجتمع المصري الذي تلعب فيه المؤسسات الدينية دورا فعالا، وكانت مؤثرة على واضعي الدستور في ضرورة الفصل بين قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، غير أنهم شددوا في الوقت ذاته على أهمية تغيير القوانين القديمة كمقدمة للتقارب بين الأديان بصورة عامة.

وتشكو المرأة أيضا من ظلم القانون المصري الذي منح الرجل الكثير من السلطات الفوقية في كافة الأمور الاجتماعية الخاصة بإجراءات الزواج والطلاق وحضانة الطفل وتحديد طريقة تعليمه، وأضحت الأم تحتاج إلى موافقة زوجها لدخول ابنها المدرسة أو السفر أو تحديد سبل الإنفاق عليه لمجرد أنه الرجل والمسؤول أمام القانون.

ولم تتوقف أزمات قانون الأحوال المدنية في مصر عند حد التفرقة بين الطوائف والأديان والأجناس، لكنها مثلت ثغرة قانونية لكثير من الآباء للهروب من إعطاء النسب لأبنائهم عن طريق التنكيل بالزوجة دون رادع قانوني وعدم فرض تحليل البصمة الوراثية على الزوج لحسم قضايا النسب، ومنح القانون للأب سلطة تزويج ابنته، ولم يعاقبه على خيانته مثلما فرض على السيدات الكثير من العقوبات والقيود.

وظلت تلك القضايا عالقة، تارة يقف أمام تعديلها رجال الدين الذين يرفضون سحب بساط السلطة من تحت أقدامهم، وأخرى من رجال امتلكوا مراكز قوى لحماية سلطتهم الاجتماعية التي يعززها القانون، والتي تأتي على حساب المرأة، وقد امتدت جذور الظلم التاريخي إلى نواة المجتمع المصري وهي الأسرة.

13