تحطيم منحوتات جسد المرأة

يهجم رجل ملتح بمطرقته على تمثال امرأة منصوب في ساحة “عين الفوارة” بمدينة سطيف (270 كلم شرق الجزائر العاصمة)، يحطمه، وهو يصرخ “الله أكبر” أمام الملأ. يعاد ترميم التمثال بعد جدل، ويعاد نصبه في مكانه، وتمضي أسابيع قليلة ويهجم ملتح آخر على التمثال بحجة أن هذه المرأة-التمثال عارية وأنها تثير غريزته وغريزة كل مؤمن.
ذكرتني هذه الحادثة التي تجسد الخوف من الجمال والخوف من جمال جسد المرأة في الفن بشكل خاص بحكاية الفنان التشكيلي بيكاسو مع واحدة من زوار معارضه، إذ جاءت سيدة إلى بيكاسو وخاطبته معلقة على أسلوبه الفني قائلة “إن لوحاتك، يا سيد بيكاسو، فيها عري كثير”. فرد عليها بيكاسو قائلا “العري ليس في اللوحات يا سيدتي، العري موجود في رأسك، أما اللوحات ففيها الإنسان والجمال”.
الخوف من جسد المرأة هو مرض هوسي إسلاموي معاصر موجود في هواجس أولئك المصابين بمرض اسمه “جسد المرأة”، أولئك الداعون نفاقا وبهتانا إلى الصفوية Purisme الفكرية بغية تمرير رسالتهم السلفية المعطوبة.
لقد أدخل المرضى المصابون بفوبيا “جسد المرأة” المرأة المسلمة إلى ظلمة الأقبية بعيدا عن كل ضوء، لَفُّوها في نقاب وحجاب، حاصروا جسدها الشفاف بكل سلاسل الألبسة والمسخ، مستندين في ذلك على بعض النصوص المشبوهة التي جاءت في كتب تراثية معطوبة وفاسدة، يقوم المرضى بفوبيا “جسد المرأة” بكل هذه الممارسات الكبحية تجاه حضور المرأة لا لشيء إلا لأنهم لم يستطيعوا كبح أمراضهم الجنسية الغريزية.
ولأنهم لم يستطيعوا كبح نزواتهم الحيوانية المرضية تجاه “جسد المرأة” ولأنهم يتخبطون في اضطرابات نفسية مدمرة فقد وصل بهم حقدهم على “جسد المرأة” أن حاربوه حتى وهو منقوش على الحجر. إن إقدام هذين الشخصين الفاسدين على مثل هذا التصرف (الاعتداء على تمثال امرأة) لا يعد عملا منعزلا، بل إنه “يمثل ثقافة” كاملة تسود في المجتمعات الإسلامية، وهي ثقافة تستند إلى نصوص تحملها متون جلبتها من متون صفراء وطفقت تدرس في المدارس وفي المعاهد والجامعات.
إن فوبيا الجسد الأنثوي هو مرض ثقافي وسيكولوجي إسلاموي بامتياز، وهو مرض متفش بكثرة في المجتمعات العربية والمغاربية، إذ أن المصاب بهذه الفوبيا لا يرى في المرأة إلا جسدا، ولا يرى في جسدها إلا ملكية يجب أن يضع اليد عليها، فهي في نظره ليس لها الحق في امتلاك جسدها والتصرف فيه، بل إن هذا الجسد مادام ملك الذكر فهو رمزيا ملك جميع العامة أيضا، الأخ والأب والجار والعم وكل ذكور القبيلة، وإذا ما حاولت التصرف في جسدها فهذا شيء مرعب ومرفوض وهو علامة من علامات القيامة!
غالبية خُطَب الجمعة في العالم الإسلامي، من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، ومن على كل المنابر الدينية، على اختلاف طوائفها ومرجعياتها السياسية، هي خطب مكرسة على طول السنة، بمناسبة ومن دونها، لموضوع المرأة، مطالبة بتكميمها واستعبادها ومنادية ببهيميتها وبنقص عقلها.
العدو الأول للإسلامويين هو المرأة، وبالأحرى جسد المرأة فهو سبب خراب الأمة قبل الجهل، وهو سبب ضياع فلسطين وهو سبب الاستعمار وهو سبب الأمراض جميعها وهو سبب الحروب، وهو السبب في طرد الرجل من الجنة وهو الذي يقود إلى جهنم! فهل يسمح للفن أن يزرع المكان بجمال المرأة وحضورها الفني في الساحات العامة جمالا خالصا؟ فحتى الآثار بالغة القدم لم تسلم من فؤوس الإسلامويين.
بعد ظاهرة حملات حجاب المرأة التي عرفتها البلدان العربية والمغاربية منذ ثمانينات القرن الماضي بوصفه (أي الحجاب) منقذ المجتمع من الفساد والتخلف، كما تشدق بذلك تجار الدين، فها هو الحجاب بعد أن كاد يسود لم يحقق لا عودة فلسطين ولا نهاية الفقر ولا التخلص من الجهل ولا القضاء على التخلف، وها هم الذين دعوا إلى “حجاب المرأة” لأنها عورة ومثيرة للغريزة الحيوانية من تجار الدين ينتقلون إلى الفنون ليصل بهم مرض الهوس الجنسي بجسد المرأة إلى محاربته حتى في التماثيل، فتماثيل “الأنوثة” أصبحت تفسد على “المتعصبين” وضوءهم وتفسد عليهم دينهم النقي! مع العلم بأن العرب هم أكثر الشعوب التي تستهلك الأفلام الإباحية!
يعتقد الإسلاموي والوهابي والسلفي والإخواني والداعشي والمشتقات الأخرى لهذه التنظيمات أن جسد المرأة عورة يجب ستره، وأنه ليس ملكا للمرأة بل إنه ملك للعامة، لذا فكل “ذكر” يعيش في هذه المجتمعات العربية والمغاربية بإمكانه ممارسة القهر على أي امرأة موجودة في الفضاء العام، لأنها بوجودها في هذا الفضاء فهي ملك للعامة.
لا تزال فكرة السبي و”ملك اليمين” قائمة في ذهنية المسلم الذي تغذى من الفكر المتطرف ومن خرافات الفكر الذي يرافع عنه بعض الدعاة على قنوات تلفزيونية، وتحتويه أيضا كثير من كتب الدروشة والتي تصنف في خانة “كتب الفقه” أو “التفاسير”، والتي لم تصبح صالحة للاستعمال ولكنها وللأسف لا تزال تطبع ويعاد طبعها وتدرس في المدارس والمعاهد والجامعات.
إذا لم ندخل إصلاحا جذريا، واضحا وجريئا على برامج المنظومة التربوية في البلدان العربية والمغاربية، وذلك بالشروع في تدريس مادتين أساسيتين دراسة منهجية وجادة، ابتداء من الطور الابتدائي الأول، وأعني بالمادتين؛ “التربية الفنية” (المسرح والموسيقى والرقص والفن التشكيلي) ومادة التربية الجنسية، إذا لم تكن لنا الجرأة الحضارية والتاريخية على القيام بذلك، فإن مدارسنا ستواصل تفريخ مشاريع جهاديين مستعدين للانتحار ومستعدين لقتل الآخر، قتل الإنسان والتماثيل أيضا.