الأصنام بضاعة تكسد في سوق التطرف

أحدث استغلال للخطاب الديني والفتاوى وحب الظهور والتسلط على المجتمع من قبل رجال الدين كان في دولة الكويت. وذلك باستثمار مضحك للواقعة التي تم تزييف محتواها وتصويرها باعتبارها ترويجا للأصنام بينما لا يتعدى الأمر استخدام أحد المحال لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج مجسمات صغيرة الحجم لمن يرغبون في الحصول على منحوتات شخصية تصور ملامحهم. بمعنى أن المسألة لا تتعدى ما يشبه أخذ صور شخصية ولكن عبر قوالب مجسمة. لكن المتطرفين سارعوا إلى الصراخ بإدعاء أن هناك أصناما في الكويت.
يعرف الجمهور العربي ما تتميز به دولة الكويت من انفتاح وعطاء ثقافي وفكري وفني منذ عقود طويلة، ولا يمكن أن ينخدع المجتمع الكويتي المنفتح بدعاوى المتطرفين الذين يبحثون عن مناسبات للظهور. وبالفعل فقد عبر عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت والخليج عن استغرابهم وسخريتهم من توظيف المتطرفين لهذا الجانب التقني الفني في الترويج لإشاعات مثل الحديث الغريب عن الأصنام في الكويت.
إن الإنسان العاقل في العصر الحديث قادر على أن يفكر بشكل منطقي، وأن يقرأ التاريخ بمنهجية علمية، تستشف ما وراء الأحداث والوقائع التاريخية. ففي بداية تاريخ الإسلام كانت عبادة الأصنام لا تزال حديثة العهد وترتب على ذلك تحذير الفقهاء من التجسيم. أما في وقتنا الحاضر فقد أدرك العقل البشري أن المجسمات والتماثيل تأخذ أبعادا فنية وجمالية ومنها ما يرتبط بالآثار القديمة أو المنحوتات المعاصرة التي تعرضها المتاحف وصالات الفنون والمعارض. وبالتالي فإن من يقوم باستدعاء التحريم والحديث عن الأصنام إنما يعيش داخل منظومة الجهل أو الرغبة الخبيثة في السيطرة على العقول بالترهيب والتطرف واحتكار الخطاب الديني وتحويله إلى وسيلة للتسلط ونشر الجهل والظلام. ورغم الضجيج الذي افتعله المتطرفون وما قاموا به من تضخيم ودعاية سوداء تتحدث عن وجود متجر لبيع الأصنام، تحولت دعاية المتطرفين بفضل وعي الشعب الكويتي إلى مناسبة لكشف كذب وزيف المتاجرين بالدين. فالحديث عن بيع أصنام في الكويت أصبح مزحة وكذبة مكشوفة، أراد المتاجرون بالدين تكبيرها والنفخ فيها، بهدف إيجاد مبرر لبعث التطرف وحشد الجمهور لتأييد الظلاميين الذين كسد سوقهم وتدهورت شعبيتهم، لكن اللعبة انكشفت وتم إفشالها. ولن تكون الكويت حاضنة لخفافيش الظلام وتجار الفتوى، بل ستظل منبعا للثقافة والعلم والفن والتسامح والتدين الإيجابي.
لقد أصبح ترويج الأوهام والتشكيك في إيمان الآخرين نهجا معتمدا لدى المتطرفين خلال العقود الماضية. ولا ندري لماذا تستفزهم الآثار والفنون والتماثيل والمجسمات الفنية وحتى الصور الفوتوغرافية؟ وبين كل فترة وأخرى يخترعون وهما جديدا من أجل اختبار مدى مقدرتهم على استخدام سلاح الفتوى لتخويف العامة. ونتذكر قبل سنوات عندما تداعى المتاجرون بالدين على التوالي وتسابقوا للإفتاء بتحريم رسوم مسلسل كرتوني ياباني باسم بوكيمون، ولديهم مبررات جاهزة للتحريم، فقاموا بتدمير جزء من آثار العراق وسوريا، وقبل ذلك دمروا الآثار في أفغانستان. وتبقى الغاية كما أسلفنا بالنسبة لهؤلاء هي الحفاظ بشدة على سلطة الكهنوت التي يمارسونها.
الغريب أن أحد العوامل المساعدة على استمرار المتاجرين بالدين في استغلال الخطاب الديني هو أن وسائل الإعلام الرسمية في أغلب الدول تمنحهم فرصا للظهور ومخاطبة الجمهور بخطاب متطرف يتناقض مع الدعوات المتكررة بشأن الحاجة إلى الإصلاح الديني في مجتمعاتنا للحد من سلطة رجال الدين. ومن يتأمل تاريخ أوروبا سيعرف كيف كان رجال الكنيسة يتحكمون بكل صغيرة وكبيرة. ولم تفلح أوروبا إلا بعد أن تم الحد من سلطة الكنيسة ورجال الدين. وشهدت بعد ذلك تطورا أوصلها إلى قيادة العالم واحتلال أجزاء واسعة من العالم، بما فيها دول منطقتنا التي لم تستفد من الدرس حتى الآن.
إن بقاء منابر ووسائل الإعلام والقنوات الفضائية متاحة أمام كبار المنظرين للتطرف يؤجل البدء بإصلاح الخطاب الديني وتنقية منابعه من التطرف والغلو. فعندما يجد الخطاب المتطرف فرصة للظهور على قناة فضائية فإن ذلك يمكنه من غزو عقول جديدة والحد من تطور وعي آخرين تربوا على الوصاية التي يفرضها المتطرفون على العقول.
وبعيدا عن التشاؤم يتلقى الخطاب المتطرف ورموزه ضربات موجعة من قبل الجمهور، وخاصة فئة الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي. إذ شهدت السنوات الماضية سقوط أصنام ورموز متطرفة أصبحت محل سخرية من قبل الجمهور. وسبق أن تابعنا كيف اهتزت سمعة شخصيات عديدة محسوبة على المتطرفين من تيارات متعددة. لكنهم في النهاية يخدمون قضية استمرار سلطة رجال الدين، بعد أن اعتادوا على المكاسب والشهرة والنجومية.
لذلك يجب أن يتوقف هذا الأسلوب وأن تنتهي مرحلة استغلال رجال الدين لوسائل الإعلام. فكلما اقتحم رجال الدين ميادين الإعلام والسياسة انتشر العنف ودبت الفوضى في المجتمعات، بدليل أن العديد من دول المنطقة العربية كانت تعيش في استقرار نسبي، وبعد أن تصاعد توظيف الدين، ظهرت الطائفية والحروب الأهلية الطاحنة. وكل هذه النعرات يقف خلفها خطاب ديني يقوم بشحن المجتمع وتوجيه العنف نحو مسارات دينية تتصادم مع مرجعيات أخرى معادية لها.
وبالعودة إلى كذبة المتطرفين الذين روجوا لوهم بيع الأصنام في الكويت، يمكن الاستنتاج أن أصنام التطرف تمر بأسوأ مرحلة، وعلى قدر الشعور بفقدان السيطرة على المجتمعات يخترعون إشاعات وأكاذيب لم يعد هناك أي مجال لتصديقها. ومن واقع معايشة هذه النماذج يتضح لنا أن هؤلاء ينتمون إلى زمرة الفاشلين، ويدفعهم الفشل إلى استخدام الدين لتبرير العجز عن الاندماج في المجتمع. كما أن تلك النماذج تتصف بالكبر وإدعاء العلم، ولا يمكن لأحد منهم أن يقول لك بأنه لا يعرف.