نصف ملاك ونصف شيطان

أي توصيف يمكن أن نمنحه لقائد كتيبة ريال مدريد ذلك المدافع القوي سيرجيو راموس؟ هل هو لاعب برتبة محارب؟ أم هو مقاتل شرس لا يأبه للأخطار والأشرار كلفه ذلك حتى الاعتماد على الأساليب “القذرة” خدمة لمصالح ناديه وكتيبته؟
راموس هذا المدافع “المجنون” مثلما يحلو لبعض عشاقه في مدريد مناداته، بات منذ سنوات رمزا من رموز البيت الملكي، راموس هذا اللاعب المسكون بحب الريال صرح ذات مرة وقال إنه لا يتورع عن القيام بأي أمر فيه مصلحة للريال.
سمّي بالمحارب، ولقّب بالدبابة وأطلق عليه البعض الآخر صفة “قلب الأسد” الذي لا يهاب أي شيء، فهمّه الوحيد هو النجاح والمساهمة في الأفراح، داخل هذا البيت المدريدي.
دعونا نعود قليلا إلى الوراء، وهنا يمكن أن تكون نقطة الانطلاق سنة 2004 التي شهدت ميلاد أحد نجوم الدوري الإسباني على امتداد حوالي 15 عاما، في ذلك العام بدأ الكل في إسبانيا يتحدث عن شاب يافع لم يتجاوز الـ19 عاما، لكنه رغم صغر سنه خطف الأضواء مع ناديه إشبيلية.
فبداية راموس كانت مع فريق
المدينة الأندلسية التي ترعرع فيها وتعلم أصول اللعبة، لكن سنة 2004 كانت حاسمة، فقد خوّلت له عقب التألق اللافت مع إشبيلية من الظفر بعقد مميز ومغر من الناحية المادية انضم بموجبه إلى الريال.
بدأت المسيرة لتتواصل على امتداد 14 عاما، فترة شهدت محافظة هذا اللاعب على مستواه الثابت، شهدت طفرة نوعية في نتائج الفريق الذي أحرز لقبه رقم 14 في دوري الأبطال.
الطريف في المسألة أن رقم 4 لازم راموس طيلة هذه المسيرة، فهذا اللاعب يحمل القميص رقم 4، وهذا اللاعب رفع كأس دوري الأبطال في 4 مناسبات.
لكن الأكثر طرافة في المسألة أن هذا المدافع “الشرس” ارتبط بأرقام قياسية سلبية أكثر من ارتباطه بالرقم 4، بل يمكن القول إن راموس هو ملك الأرقام القياسية المتعلقة بالخشونة و”الشراسة”، هو الملك في إسبانيا وأوروبا من حيث الحصول على الإنذارات والطرد.
راموس “احتفل” بعد مباراة الريال الأخيرة في دوري الأبطال بحصوله على البطاقة الصفراء رقم 37 في هذه المسابقة، ليكون بذلك صاحب أكثر لاعب يحصل على البطاقات في تاريخ المسابقة.
راموس ذلك الشاب القوي، بات أيضا منذ نهاية السنة الماضية أكثر لاعب تعرض للإنذار في تاريخ الدوري الإسباني برصيد 165 بطاقة.
هو أيضا صاحب الرقم القياسي في عدد المرات التي تعرض خلالها للطرد في الدوري المحلي برصيد 19 بطاقة حمراء، أما في منافسات “الكلاسيكو” بين الريال وبرشلونة فإن راموس طبعا هو الملك أيضا، بما أنه حصل على البطاقة الصفراء في 19 مناسبة والبطاقة الحمراء في خمس مناسبات.
صورة قد تبدو للوهلة الأولى سوداوية تؤرخ لهذا “التاريخ الأحمر” لسيرجيو راموس، إذ من الصعب للغاية أن يسجل أي لاعب آخر الأرقام التي سجلها “مصارع الثيران”، فسيرجيو بما جنته يداه وأفعاله فوق الميدان، بتصرفاته وعجرفته، أصّر على أن يسوّق لنفسه في صورة “الشيطان” التي لا يتورع عن الإتيان بأي أمور صبيانية وغير مشروعة في سبيل إيقاف المنافسين، لكم أن تتذكروا ما قام به في نهائي دوري الأبطال الموسم الماضي مع الفرعون المصري محمد صلاح، ولكم أن تستحضروا تاريخ تدخلاته الخشنة ضد ميسي وبقية لاعبي برشلونة.
ولكم أيضا أن تتخيلوا ماذا يمكن أن يقوم به لاعب كرة قدم مهووس بحب مصارعة “الثيران”، ولا يتردد لحظة في متابعة منافساتها وخصوصياتها “المتطرفة” أحيانا.
هكذا ببساطة هو سيرجيو “المجنون” المفتون بحب الريال، هكذا كان على امتداد مسيرة سنوات طويلة في القلعة البيضاء، لكن ما الذي يدفع إدارة الريال وكل المدربين الذين تداولوا على الفريق أن يمنحوا ثقتهم “العمياء” لهذا اللاعب؟ ما الذي يدفع بكل الفنيين الذي تولوا تدريب المنتخب الإسباني إلى توجيه الدعوة لهذا المدافع المتهوّر؟
بلا شك، قد تكون الإجابة بسيطة وواضحة ولا تحتاج جهدا كبيرا، فلدى راموس وجه آخر، وجه يبدو مختلفا تماما عن صورة “الشيطان”، بل هي صورة مناقضة كليا، صورة تجعل “مصارع الثيران” برتبة الملاك الحارس.
أي نعم، فراموس هو بمثابة حجر الركن في تركيبة الريال منذ التحاقه بالفريق منذ سنوات غابرة، هو أيضا عنصر لا غنى عنه في تشكيلة المنتخب الإسباني، لا أحد يستطيع تجاهله أو التخلي عن خدمات الملاك الحارس الذي لا يتردد أبدا في الذود والدفاع عن فريقه ومنتخب بلاده.
لقد لعب راموس في الكثير من الأحيان وفي العديد من المباريات دور المنقذ، دوره لا يقتصر على الدفاع وصد هجومات “الخصوم” فحسب، بل يتحول دائما إلى مهاجم مهاب يتفنن في “إطلاق الرصاصات القاتلة” في مرمى المنافسين.
لقد فعل هذا الأمر كثيرا، لقد ساهم بأهدافه الغزيرة وطلعاته المفاجئة نحو الأمام في مساعدة الريال على الحصول على ألقاب عديدة، لقد فعل الأمر ذاته مع المنتخب الإسباني، ففي مسيرة دولية متواصلة منذ أكثر من عشرة أعوام تذوق راموس حلاوة التتويج العالمي والأوروبي مع منتخب بلاده أكثر من مرة.
ربما يحق له أن يحظى بمكانة “الملائكة” في بلاده، لكن الصورة الأولى تبقي راموس إنسانا بنصفين، فنصفه الأول يحيله إلى خانة “الشياطين” ونصفه الثاني يرفعه إلى صفوة “الملائكة”.