الخديعة تقود أحيانا إلى الصواب

اليوم بعد تجربة لم تدم طويلا استوعب بونوتشي الدرس، فعاد واستعاد طريق الصواب الذي طالما سلكه في السابق، الآن لم يعد هناك مجال لأي خطأ آخر.
الأحد 2018/08/05
بونوتشي "المخادع والمخدوع"

خلال هذه الفترة تقريبا من السنة الماضية، حدث ما يشبه “الزلزال” في بيت يوفنتوس، لقد تعرضت “السيدة العجوز” للخيانة والغدر من أحد أبنائها الذين خرجوا عن الطور وأرادوا “التحليق في فضاء آخر” بعيدا عن حديقة “السيدة العجوز”، لقد فعلها حينها أحد أعمدة اليوفي ليوناردو بونوتشي الذي غادر دون وداع وقرّر الاستقرار بين أحضان فريق ميلان.

وفي تلك الفترة أصيب الجميع بالدهشة، فالكل كان يعلم تلك المكانة الرفيعة التي بلغها المدافع المحنك مع يوفنتوس، كان بمثابة القائد الفعلي و”الحاكم” وسط الميدان في كل المباريات، كان مع الحارس بوفون بمثابة حجرتي الأساس في بيت هذه السيدة، كان يتمتع بمحبة الجميع هناك، فإدارة النادي تعتبره عنصرا لا غنى عنه، والجماهير خصّصت له مكانا رفيعا في القلوب.

كل المعطيات آنذاك كانت توحي بأن بونوتشي لن يفكر بالمرة في ترك دفء حضن “الأم” كي يبحث عن “حب” جديد، لكنه فعلها و”غدر” بالجميع عندما انطلق باحثا عن أفق مغاير واختار دون تفكير مدروس التعاقد مع نادي الميلان.

تلاشت آثار الصدمة وبدأ بونوتشي التجربة الجديدة، كان يعتقد أو ربما كان يمنّي النفس بأن ما سيحقّقه مع الميلان سيفوق ما حقّقه مع اليوفي، كان يأمل بأن يصبح القائد الأول والنجم الأوحد في الفريق، والأكثر من ذلك كان يحلم بأن يقود “ثورة” الميلان ويساعده على استعادة أمجاد الماضي التليد.

لقد غذى ذلك الاستقبال المهيب هذه الطموحات لدى اللاعب، كان قدومه إلى الفريق اللومباردي يشبه في بعض تفاصيله قدوم ذلك “القيصر” الذي سيخلص نادي القلعة الحمراء والسوداء من آلامه ومتاعبه التي أثقلت كاهله طوال السنوات الماضية، حتى أنه توهم أنه سينجح بمفرده أن يكون في مرتبة “آلهة” الكرة ويتماهى مع الأساطير القادرة على الإتيان بالمعجزات.

لكن كل هذه الأماني والأحلام بدأت تتحوّل يوما بعد يوم إلى كوابيس، أحلام اصطدمت بواقع قاس وأليم، واقع يرفض رفضا قاطعا المعجزات، بل وربما يحرّمها، فمع “نسخة” الميلان الحالية لا سبيل للخلاص ولا مجال لان تكون برتبة “القيصر”، أنت هنا ستنعم بمرتب مرتفع للغاية، ستحصل على مكافآت خيالية، ستحصد الأموال بشكل خرافي، لكن لن تقدر على صياغة الحلم إلى واقع ملموس، لن تقدر أبدا على تغيير الواقع، هكذا بجرة قلم بعد التوقيع على عقد الانتقال إلى “الروسونيري”.

في البدء أقنع بونوتشي نفسه بالتوقيع مع الميلان بعد أن أقنعته إدارة النادي أن لديها مشروعا متطورا ورائدا لإعادة البريق المفقود، تم وعده باستقدام لاعبين رائعين للمساهمة في إعادة ترتيب البيت، لكن لا شيء من هذا الأمر تحقّق.

لقد عانى الفريق طوال الموسم الماضي ولم يحقّق النجاح المنشود الذي يمكن البناء عليه، بل والأكثر من ذلك أنه كاد يحرم من المشاركة الأوروبية لموسمين متتاليين بسبب مشاكل مالية بين مالكي النادي والبنك المموّل لهم.

كل الأحلام انتهت، وكل الأقنعة سقطت، لقد شعر بونوتشي أنه تعرّض للخديعة، فقد صوّرت له إدارة الميلان أن الحياة هناك ستكون أشبه بالعيش في الجنة، حتى صدّق الأمر لوهلة، قبل أن يصطدم بواقع صعب لا يحمل أي أمل في الأفق.

بدأ بونوتشي هذا “المخادع والمخدوع” في آن واحد يقتنع يوما بعد يوم أنه أخطأ العنوان وارتكب الخطيئة بعد أن ترك العنان لأحلامه غير الواقعية التي قادته لخداع “السيدة العجوز”، ليشرب من الكأس ذاته ويتعرض بدوره للخديعة مع إدارة الميلان التي تنكرت لكل وعودها وتنصلت من فكرة إنجاز ذلك المشروع.

وفي مثل هذه الحالة، هل ينفع الندم؟ طبعا قد يكون أحيانا الاعتراف طريق الخلاص، قد تكون أيضا الخديعة طريقا للصواب، بونوتشي ثاب إلى رشده، فقرّر أن يمسح كل ذنوبه ويطلب التوبة، لم يعد يرغب في استكمال حلمه الواهم.

لكن الطريق إلى محو آثار الخطيئة يستوجب طلب الصفح والمعذرة، لم يتردد في ذلك، إذ كان مستعدا أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى أحضان السيدة العجوز.

من حسن حظه أن كل الظروف كانت مواتية أمامه، لحسن حظه أن قدوم رونالدو إلى اليوفي تسبب في تغير المعطيات داخل بيت السيدة العجوز، فهيغواين الذي قدم في الموسم الماضي إلى اليوفي في صفقة انتقال قياسية لم يعد له مكان في ظل وجود رونالدو.

أراد الميلان استقدامه بعد أن خرج من الحسابات، طبعا استغل بونوتشي الفرصة فطلب بدوره العودة إلى فريقه السابق، كانت إدارة يوفنتوس رحيمة معه، لقد سامحته وغفرت له.

اليوم بعد تجربة لم تدم طويلا استوعب بونوتشي الدرس، فعاد واستعاد طريق الصواب الذي طالما سلكه في السابق، الآن لم يعد هناك مجال لأي خطأ آخر، سيضحي بكل شيء من أجل استعادة مكانه، لكن قبل كل شيء يتوجب عليه أن يطلب الصفح من جماهير اليوفي ويقنعهم بأنه عاد صاغرا تائبا مقرّا بذنب ارتكبه جرّاء تعرضه للخديعة، وهو ما تأكد فعليا بعد أن تكلم وأعلن للعلن أنه تمنى من كل قلبه العودة إلى بيته، قائلا “كل رحلة تنتهي بعودة.. لن أنسى من اليوم مع عملي، أن أبيّن كل رغبتي في العودة لبيتي”، لكن هل يكفي الكلام لإعلان التوبة وتقديم كل فروض الطاعة من جديد؟

طبعا لا، فعلى بونوتشي أن يثبت ذلك بلغة الأقدام، عليه أن يستعيد ثقة الجميع بتقديم أداء غزير على الميدان وألاّ يلتفت مجددا إلى الوراء.

23