عبدالله السناوي: مسارات سياسة خاطئة أثرت على واقع الصحافة في مصر

الصحافي المصري عبدالله السناوي يرحب بأي فرصة للحوار الجدي بين السلطة والقلم والمعارضة، لأنه سيكون شأنا إيجابيا.
الجمعة 2018/07/20
مصلحة مصر أن تستقر وتثبت دولتها، لكن تكمن المشكلة في أن ثمة معادلات كثيرة لم يتم حلها، بينها الحرية

القاهرة - يعتقد الكثير من المتابعين لحال الصحافة في مصر وغيرها، أنها فقدت تأثيرها السياسي والاجتماعي، بحكم التطورات التكنولوجية التي أثرت عليها، حيث لم تستطع الصحف التي تصدر بكثافة مسايرتها جيدا، إضافة إلى ضعف المحتوى الذي تقدمه، ما أفقدها جانبا كبيرا من التفاعل معها.

لكن الصحافي المصري عبدالله السناوي يؤكد عكس ذلك من خلال كتابته التي من بينها مقال كتبه، في الذكرى الخامسة لثورة 30 يونيو في مصر، رمى من خلاله بحجر سياسي ثقيل أثار شجون وهموم قطاعات كثيرة، لأن الانتقادات التي تضمنها أصبحت تتردد على استحياء ولا تجد وسيلة إعلام رسمية تقترب منها.

حرص السناوي على تسجيل رفضه لمواقف النادمين على المشاركة في هذه الثورة، “فكيف لأحد أن يندم على مشاركته في عمل شعبي حقيقي، مثلما لا يصح الندم على المشاركة في ثورة يناير، ووجود نتائج خالفت الرهانات قضية أخرى”.

كان السناوي من أوائل من أعلنوا صراحة بعد ثورة 30 يونيو، أن الرئيس المقبل هو عبدالفتاح السيسي، وهذا لم يمنعه من ممارسة حقه في النقد بهدف التصحيح والتصويب. وهنا يقول، في حواره مع “العرب”، “رأيت أمامي مسارات خاطئة، فخشيت على مستقبل البلاد وعلى رهانات ثورتي يناير ويونيو”.

مصر لا توجد فيها معارضة سياسية، نحن إزاء بقايا سياسة وإعلام، ولكي توجد معارضة مدنية حقيقية من الضروري خلق بيئة عامة أكثر إيجابية وإقرار فكرة التعددية الحزبية

بعد فترة قصيرة من تولي السيسي السلطة وجه السناوي انتقادات عديدة حيث يعتقد أن ثمة ضرورة لخلق مساحة بين السلطة والقلم، لأن الأخير إذا تماهى مع السلطة يفقد استقلاله وحقه في النقد.

كتب في أكتوبر 2014 مقالا بعنوان “كتلة التململ الحرجة”، حذر فيه من مخاطر استمرار بعض السياسات التي تؤثر سلبا على شعبية الرئيس السيسي، لافتا إلى أن كتلة التململ التي لا تريد أن تعارض نتيجة وجود الإرهاب في البلاد، تقترب من كتلة النار فتتغير المعادلات. وألقى الضوء في مقال آخر على سلبيات غياب هيكل استشاري واضح للرئيس.

وأوضح “يؤسفني القول إنه لا يوجد مستشارون سياسيون الآن، وهذا يسبب خللا في البنية السياسية، وحين تضعف وتخفق يتقدم الأمن، وهذا طبيعي لأن السياسة لا تعرف الفراغ، وهو أحد أسباب التراجع الفادح في شعبية الرئيس، التي تحولت من شعبية جارفة لا يستطيع أحد أن ينكرها إلى ما آلت إليه الأوضاع الآن، لأنه جرت تنحية الوسائل والبرامج السياسية وغاب المستشارون”.

وأشار إلى أن البلاد منهكة ولا تحتمل اضطرابات جديدة أو تحولات مفاجئة، ومن مصلحة مصر أن تستقر وتأمن وتثبت دولتها وأمنها، لكن تكمن المشكلة في أن ثمة معادلات كثيرة لم يتم حلها، بينها الحرية، وكيفية الحفاظ على الأمن دون تغول على الحريات العامة”.

غياب الاستراتيجية

تصل أحيانا العلاقة بين السلطة والقلم إلى منطقة سياسية وعرة، إذا دفعت الأولى إلى استخدام ما تملكه من قوة مادية ورمزية، فإنها قد تضطر الثاني إلى عدم التوقف عن توجيه انتقاداته، مهما كان الثمن.

وقال السناوي “غابت الاستراتيجية التي تحفظ عدالة توزيع الأعباء وتضمن العدالة، وتنامت معاناة المواطن جراء السياسات الخاطئة، ولا توجد مراجعة للأولويات، كي تخفت حدة الأزمة الاجتماعية”.

وشدد على أن الأزمة التي أنهكت الطبقة الوسطى والفقيرة، تعود إلى الموروث منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، على مدار 30 عاما، والفترة التي سبقت تولي الرئيس السيسي للسلطة، وهو غير مسؤول عن ذلك، فقد تزامن مجيئه مع وجود أوضاع عصيبة وقاسية واقتصاد شبه مدمر وجهاز متحلل للدولة، وهناك أسباب مستجدة وهي الطريقة التي أديرت بها الأزمة.

كان رأيه آنذاك أن يتسلم السيسي السلطة على “سركي” أي دفتر، ويخرج إلى الشعب، ويعرض الوضع الذي استلم فيه الحكم، خاصة على المستوى الاقتصادي ثم يتم استدعاء مجموعة من الخبراء من كل المدارس الاقتصادية ويبحث عن توافق وحوار وطنيَّيْن حول الخطة التي يفترض اتباعها لمعالجة الأزمة، ويكون الشعب على بينة من المشاكل، وكانت كبيرة بحيث يمكن أن يتحملها الجميع، وهو ما لم يحدث.

يرى السناوي أنه كان من الممكن معالجة الأزمة الاقتصادية بمعاناة أقل، لأن هناك أموالا كثيرة جرى إنفاقها على مشروعات قومية كبيرة لم تكن تمثل أولوية، وضاعفت من إنهاك الاقتصاد المصري، وغابت العدالة في توزيع الأعباء عند تطبيق إجراءات الإصلاح المؤلمة، ودفعت الفئات الفقيرة الفواتير.

وطالب بضرورة البحث عن حلول ونتائج، ما يستدعي الانفتاح على وجهات نظر مختلفة في المجتمع لا مصادرة وتأميم المجال العام، لأن ذلك يشكل خطرا حقيقيا يمنع التفاعلات من أن تأخذ حجمها الطبيعي ويمنع تبادل الرأي، ويؤثر على تحصين البلاد من أي اضطرابات محتملة، لأن المقدمات لا تنبئ باستقرار طويل الأمد، وعلى الدولة أن تستمع إلى الأنين الاجتماعي، فهناك أسئلة بلا إجابات واضحة.

حساسية السناوي المفرطة تجاه العلاقة بين السلطة والقلم، جعلته يعترف بأنه لا يستطيع توقع ما قد يحدث لأن التفاعلات مكتومة، لكن لا يعني ذلك أنه لن يحدث شيء مفاجئ، لن يأتي التوتر لأسباب سياسية مباشرة، لكن في الغالب سيأخذ شكل تظلمات اجتماعية متناثرة تقلق البيئة العامة، لأنها تؤدي إلى تنامي الجريمة الجنائية، وما يفتحه هذا الباب من اهتزاز في منظومة القيم والأخلاق.

مصر تحتاج إلى فتح الشرايين والحديث بشجاعة، وفي كل الأحوال الحوار ضروري، عاجلا أم آجلا

تحتاج هذه الأوضاع إلى دراسات اجتماعية ونفسية وسياسية موسعة، لكن في ظل الظروف الحالية لا يجد السناوي من لديه الاستعداد للدراسة والتأمل كي يتخذ قرارات بناء على دراسات علمية واستخلاصات مناسبة، ويعدّل السياسات والأولويات.

وقال “مصر لا توجد فيها معارضة سياسية، نحن إزاء بقايا عصور مضت وبقايا سياسة وإعلام، ولكي توجد معارضة مدنية حقيقية من الضروري خلق بيئة عامة أكثر إيجابية وإقرار فكرة التعددية الحزبية واحترام التنوع وعدم النظر إليه بوصفه مؤامرة، فليس كل مختلف طابورا خامسا”.

وحول  فرص رأب الصدع وإقامة حوار بين السلطة والقلم والمعارضة، أوضح أنه يرحب بأي فرصة للحوار الجدي، لأنه سيكون شأنا إيجابيا، “أما الحوارات الممسوخة التي لا تتوافر لها أهداف أو خارطة طريق فنتيجتها المزيد من الإحباط، بينما مصر تحتاج إلى فتح الشرايين والحديث بشجاعة، وفي كل الأحوال الحوار ضروري، عاجلا أم آجلا”.

وأشار إلى أن أفق العمل الحزبي “تعرقله مؤقتا الطرق المسدودة، وليس دائما لأن التفكير عن حزب سلطة جديد يستدعي الخبرة المتراكمة عن حزب السلطة، سواء الاتحاد الاشتراكي (أيام حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر)، أو الحزب الوطني (أيام حكم حسني مبارك)، والتجارب السابقة لحزب السلطة جاءت نتيجة الزواج بين بيروقراطية الدولة والأمن”.

 وعن رأيه في ما يتردد بخصوص قضية مد فترة الرئاسة وتعديل الدستور، وأين تقف العلاقة بين السلطة والقلم في هذه القضية، قال “أكبر خطأ يمكن أن يحدث في مصر، لأن هناك وقائع أكدت أن استمرار التلاعب بالدساتير أفضى إلى نتائج وخيمة، وجاء تعديل الرئيس مبارك للمادتين 76، و77 جزءا من مقدمات ثورة يناير، والتعديلات الدستورية التي جرت في مارس 2011، كانت ذات نتائج سلبية وجزءا من مقدمات ثورة 30 يونيو”.

وأكد أنه “لا يوجد دستور مثالي أو يستعصي على التغيير، لكن أيضا الدساتير ليست لعبة بحيث يجري تعديلها وفقا للأهواء، ومن الملائم الحفاظ على الدستور الحالي لمدة 10 سنوات على الأقل، ومعظم مواد الدستور معطلة ولم تنفذ أو تختبر عيوبه وإيجابياته، لذلك فتعديل المادة الخاصة بمدة رئيس الجمهورية عودة إلى نقطة الصفر”.

12