العراب آل باتشينو الممثل الأكثر براعة في القرن العشرين

بالنظر للأفلام التلفزيونية القديمة، سنجد ونشعر بالفرق الذي طرأ على التمثيل قبل عام 1972 وبعده. وهو العام الذي لعب فيه آل باتشينو شخصية “مايكل كلوريوني” في فيلم “العراب”.
بأدائه الواقعي والمتحفظ بدا آل باتشينو مستمتعا بمضايقة هوليوود بسلوكه غير المتوقع
حياة مختلفة.. غريبة
ألفريدو جيمس باتشينو أميركي من أصول إيطالية ترجع إلى جزيرة صقلية، وُلد في 25 نيسان ـ أبريل 1940، وترعرع في عائلة فقيرة. كان والده بائعا متجولا، الأمر الذي جعله ينتقل إلى العيش مع جدته، وخلال فترة المراهقة كان قد سجن ثلاثة أيام بتهمة حيازته سلاحا دون ترخيص.
كان ألفريدو مهتما بالتمثيل منذ صغره حيث كان شغوفا بالمسرح الذي بدأ فيه كممثل مسرحي، فحياة آل باتشينو الاجتماعية والفنية كان يحيط بها طبيعة نستطيع وصفها بالمستقلة أو ببساطة غريبة. فكتاب “آل باتشينو” الذي نشره الصحافي وصديقه لورانس جروبيل، يكشف أكثر تفاصيل حياة آل باتشينو الفنية والشخصية سرية.
ميزة الكتاب أنه جاء على طريقة حوارات منفصلة بدأت من عام 1979 إلى 2007، هذه التواريخ كتبت على كل الفصول التي ضمها الكتاب الذي يغطي فترة كبيرة من حياة هذا النجم الأشبه باللغز، ولكن منذ بداية قراءة الحوار نبدأ بالتعرف إلى شخصية آل باتشينو. في الواقع حتى قبل أن نقرأ الحوارات ندرك ذلك من خلال مقدمة الكتاب التي كتبها الفنان نفسه والتي يتضح من خلاله إعجابه الكبير بالفنان الأسطوري مارلون براندو لدرجة أنه لم يقبل بالموافقة على مقابلة لورانس إلا بعد أن شاهد مقابلة سابقة أعجبته مع براندو. ويشير باتشينو إلى نقطة مهمة في شخصية المحاور لورانس، وهي قدرته بسهولة ومهارة كبيرة على دفع ضيوفه للكلام بطريقة مريحة ومنفتحة. هذا بالفعل ما عبرت عنه جميع حوارات الكتاب، فهي سلسة وجميلة وجادة وعميقة وحزينة ومفاجئة في وقت واحد. هذه بحق مهارة كبيرة لهذا الصحافي المميز بالفعل.
الوالد الجرح النازف
من أجمل مقاطع الحوار عندما يتحدث باتشينو عن قدرته على تقمص الشخصيات. يسأله لورانس كيف يعرف أنه تقمص الشخصية يجيب باتشينو: “هذا كل ما أحاول القيام به طول الوقت. الوصول إلى نقطة تشعر فيها بغريزية الشخصية. ولكنه يقول “إنه لا يدرك فعلا إذا ما كان يخرج فعلا عن حدود الشخصية، ويعد هذه مسألة تقلقه ويفكر فيها كثيرا”. وعند سؤاله عن سبب قيامه المتكرر بمسرحيات شكسبير قال إنه يشعر بأنها تعالجه. لآل باتشينو عبارات رائعة مثل: “إذا لم تكن تفكر بحياتك فأنت على الأرجح سعيد”.
العراب وصورة باتشينو
دخل بطل الحرب مايكل كورليوني (آل باتشينو) إلى الصورة، وهو أصغر أبناء العائلة، يقسم لصديقته كاي (ديان كيتن) أنه لن يشترك أبداً في عالم والده الإجرامي. إنما روابط الدم أقوى من الوازع الأخلاقي، ويُجبر مايكل على التصرف؛ يَقتل زعيم عصابة منافسة وشرطيا فاسدا في أحد أشهر مشاهد الفيلم. يتم إخفاء مايكل في صقلية نتيجةً لهذه العملية، ويُعامل كوبولا صقلية ويصورها على أنها جنة الخيرات على عكس جحيم نيويورك العفن. يُحتم سير الأحداث على مايكل أن يعود إلى نيويورك، ويضطر إلى أن يتولى إدارة العائلة بعد موت شقيقه الأكبر وتقاعد والده.
قال هارولد بلوم إنه كان من الأفضل لليهود لو أن شكسبير لم يكتب “تاجر البندقية” وقال بعض النقاد لو أن آل باتشينو لم يمثّل شخصية شايلوك
ويقول باتشينو إنه يعتقد أن الجزء الثاني من العراب كان الأفضل بالنسبة إليه، أما الجزء الثالث فلم يحظ بإعجابه، ولكنه تحدث عن الصرخة الشهيرة في نهاية الجزء الثالث، التي ربما كانت أهم مشاهد الفيلم كاشفا أنه لم يكن مخططا لها أن يتم قطع الصوت، ولكن مهارة المخرج فرانسيس كوبولا هو الذي صنعها بهذا الأسلوب البارع. كوبولا كان له الفضل الكبير على آل باتشينو عندما حارب لمنحه دور “مايكل”، وكما يقول المخرج نفسه إنه عندما بدأ قراءة الرواية كان يرى وجه باتشينو في كل مرة يتخيل فيها وجه مايكل.
مسرح شكسبير
بآدائه الواقعي و المتحفظ بدا أل باتشينو دائماً مستمتعاً في مضايقة هوليوود بواسطة سلوكه غير المتوقع. ليكون السؤال حول إن كانت من مسؤولية الممثل أن يراعي التبعات الخارجية للدور، ومثال ذلك هو المداولة الطويلة التي طرأت أثناء لعبه لدور مرابي البندقية الشهير بخصوص إن كان شكسبير قد تعمد أم لا في ابتكار أيقونة شر يهودية ظلت لقرون عديدة تعمل كنموذج هجوم لمعاداة اليهودية. باتشينو الذي لعب شخصية شايلوك لأول مرة في النسخة السينمائية للمسرحية عام 2004 يتعامل مع هذه المسألة وفقاً لمراحلها الزمنية.
ليس لأن باتشينو كان جاهلاً للمواضيع التي تثيرها شخصية شايلوك على المسرح، فقد ولد الممثل في إيست هارلم، ونشأ في شمال برونكس، عمل بوظائف وضيعة في كافة أرجاء المدينة، وعليه، فإن مصطلح “شايلوك” ليس غريباً على مسمعه. ويعلم أيضاً، أن هارولد بلوم قال إنه كان من الأفضل لليهود لو أن شكسبير لم يكتب هذه المسرحية على وجه التحديد. يقول باتشينو “بلوم حر برأيه، لكن هذا لا يغير أهمية خطاباته الشخصية، وهي من أفضل ما كاتبه شكسبير”. يمكن ترجمة هذه الشخصية إلى ما لانهاية، لكنها بنظر باتشينو: “صرخة احتجاج ضد الإجحاف”. وأكثر من أي شيء آخر، هو دور يستحق أن يُمثله ويضخ فيه الحياة.
لعب آل باتشينو جميع الأدوار الصعبة وكان عليه أن يستخرج غريزة الشخصية كلّ مرة كما يقول وأن يبقى هو ذاته آل باتشينو مهما اختلفت الحكايات
قدم آل باتشينو عشرات الأفلام العملاقة التي عاشت في ذاكرة الناس، لم يكن أقلها “عطر امرأة” حين لعب دور الكولونيل الأعمى، أو فيلم “حرارة” مع روبيرت دونيرو، و”بحر الحب” و”إنسايدر” وأفلام أخرى كثيرة، جعلت منه الممثل المصنف الأكثر براعة في القرن العشرين.