"شورّب" مسلسل تونسي يحن إلى عصر الفتوات والشطار

منذ سنوات يتم تداول الكثير من الروايات حول شخصية الفتوة التونسي علي شورب الذي ذاع صيته في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع السبعينات من القرن الماضي، إلى أن تحوّل إلى جزء من الفولكلور التونسي يستحضر في الأمثال الشعبية وفي الروايات، لكن لم يتم التعرض لحياته بشكل دقيق كما لا تحفل المؤلفات التونسية بروايات مشابهة عن فتوات الأحياء الشعبية.
والآن يدور الجدل بين اعتبار شورب بطلا شعبيا ومناصرا للفقراء على طريقة روبن هود صائد الأغنياء والنبلاء والشخصية الذائعة في الفولكلور الإنكليزي، وبين اعتباره مجرد صعلوك ومجرم روّع سكان العاصمة بأغنيائها وفقرائها إلى أن توفي مقتولا في عراك مع صعاليك آخرين. وفي كلتا الحالتين فالشخصية الغامضة أيقظت فضول التونسيين للخوض بشكل علني في تاريخ الفتوات بالأحياء الشعبية، ولا سيما تلك المحيطة بالعاصمة على وجه الخصوص، كونها شكلت في فترة ما بعد الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، مركز استقطاب للعائلات النازحة من الجهات الداخلية للبلاد بحثا عن فرص عمل، لتشكل بذلك حزاما من الأحياء الشعبية العشوائية.
وعلي شورب هو ابن هذه البيئة وأحد أولئك الشطار الجامعين لفنون العراك والسطوة والفهلوة، والجديرين بالانتباه إلى سيرهم.
في نظر عدد من المؤلفين والدارسين لهذه الشريحة فإن علي شورب قد لا يختلف عن الفلسطينيين أبوجلدة والعرميط اللذين سطع نجمهما أيام الانتداب البريطاني أو كذلك المصري أدهم الشرقاوي، أو حتى روني بيغز أحد أشهر مجرمي بريطانيا ومهندس سرقة القرن لقطار البريد الملكي عام 1963.
وفي العادة يكيل الجمهور والعامة بطبعهم الثناء والتقدير لبطولات الصعاليك الشرفاء والمتحذلقين ممّن تحدوا السلطات والبوليس، ويزيد هذا الثناء درجات حد التعظيم لدى الأجيال اللاحقة، ربما لغياب الحقائق والمعلومات الكافية عنهم ما يزيد من هامش الخيال عند تدوين سيرهم.
ويدفع هذا إلى استحضار كتاب “القراصنة” للمؤرخ الألماني يان ماركوس فيت الذي دحض من خلاله الصورة النمطية عن قراصنة العصور الوسطى في الذاكرة الشعبية. وخلاصة الكتاب أن تلك الصورة والقصص التي نسجت من حولها هي مجرد عبث بالتاريخ وأبعد ما يكون عن الواقع.
فعلى خلاف الصورة المشرقة التي ترسمها الأفلام والروايات، يقدّم الكتاب حقائق عن أنشطة النهب والسلب والاغتصاب للقراصنة منذ فترة ما قبل الميلاد إلى عصرهم الذهبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وحتى عودة ازدهار أنشطتهم في مياه القرن الأفريقي في بداية الألفية الثانية.
يقول يان ماركوس مستحضرا قراصنة مثل كلاوس شتورتباكر وفرانسيس دراكي وهنري مورغان، أن هذه الأسماء وغيرها لطالما كانت شخصيات ملهمة للكثيرين غير أن الرواية لها بصمتها المضللة، إذ أن القرصنة كما هي في عصرنا الراهن تظل جريمة مروعة.
بالنسبة للمؤرخ الألماني فإن “لا أحد يريد إظهار لص شوارع في صورة مثالية، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بالقراصنة”، لكن هذا يمكن أن ينسحب أيضا على المنحرفين من أصحاب البطولات في الفولكلور الشعبي.
فعندما نتمعن في شورب، فإننا نكتشف أن جزءا من شهرته استمدها من مشاكسته لسلطة المستعمر في صباه وتعقبه دون خشية لجنود الجندرمة الفرنسية بأزقة المدينة العتيقة كما يروي معاصروه، لكن أبناء جلدته أيضا لم يسلموا من بطشه.
وفي تقدير أقرانه ومعاصريه من المعجبين به، فإن مجرد تحديه السلطة كان كافيا في نظرهم ليغنم صك البطولة وصورة المجرم الشريف الذي يأخذ من الأغنياء ليعطي للفقراء ويقتص للضعفاء والمسحوقين.
لكن الروايات التي تناقلها الصحافيون وعدد من سكان منطقة الحلفاوين الشعبية أين كان يعيش شورب، تقول إنه كان أيضا جامعا لكل مظاهر الصعلكة والإجرام وحتى الشذوذ.
وهناك اتفاق بين كافة المصادر على أن شورب الذي استمد كنيته من شفاهه الغليظة، عرف على نطاق واسع ببنيته الجسدية القوية ولكمته التي لا ترحم كما عرف كتاجر للممنوعات، وأكثر المجرمين ترددا على السجون، إذ لوحق في أكثر من ألف قضية طيلة حياته.
مات شورب عام 1972 عن سن 45 عاما على يدي صعاليك آخرين في خصومة مشهودة معهم، وشيع في جنازة مهيبة زحف إليها الأصدقاء والأعداء من كافة الأحياء الشعبية والعشوائيات، ممّا دفع السلطات آنذاك إلى استصدار قرار بمنع الجنازات الضخمة بدعوى الحفاظ على الأمن العام.
وفي كل الحالات، فإن شورب على شهرته فهو ليس نموذجا مستحدثا في المجتمع التونسي وهو أيضا ليس شخصية نمطية، غير أن المعضلة تكمن في حداثة التعاطي مع هكذا شخصيات مركبة في مختبر فني أو أدب روائي وإخضاعها للفهم السوسيولوجي في علاقتها بالذاكرة الشعبية.