عيون إيران على جولة محمد بن سلمان

يتابع العالم العربي بحرص الجولة المطولة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الولايات المتحدة الأميركية، ويعود هذا الحرص إلى أهمية ما قد تفرزه هذه الجولة من اتفاقات استراتيجية في الاستثمار والدفاع والطاقة، والمواقف الأميركية بخصوص بعض الأزمات في المنطقة. وإن كانت العيون العربية في متابعتها لجولة محمد بن سلمان حريصة، فإن العيون الإيرانية ستظل متابعة لكل التطورات قلقا وتوجسا مما يمكن أن تفرزه هذه الجولة من مواقف قد تمس بالاتّفاق النووي والمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة.
تختلف الزيارة الحالية عن سابقتها التّي أداها محمد بن سلمان لواشنطن في مارس 2017. والاختلافات عديدة: ففي هذه المرة يعود محمد بن سلمان بصفته وليّا للعهد بعد أن كان التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب كوليّ لوليّ العهد في السنة الماضية. وفي هذه المرة يتجاوز لقاء محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي التهنئة باعتبار مرور أكثر من سنة على وصول ترامب للبيت الأبيض. الجولة الحالية لن تقتصر على واشنطن، بل ستمتد على مدى ثلاثة أسابيع يزور خلالها ولي العهد السعودي مدنا عدة ليلتقي بكبار المسؤولين الماليين في نيويورك والأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين عن كبرى شركات التكنولوجيا مثل غوغل وأبل إضافة إلى شركة لوكهيد مارتن لتصنيع الأسلحة.
ما يجعل الجولة الحالية جد مميزة هي المتغيّرات التي شهدتها المملكة على مدار أكثر من سنة، حيث اتخذت الرياض مسارا تصحيحيا لتعديل الاقتصاد الوطني وتوسيع دائرة الأعراف الاجتماعية، نائية بالمملكة عن الأطروحات المتصلّبة والتيارات المتشددة. فقبل عامين أطلق محمد بن سلمان “رؤية 2030”، وهي خطة شاملة للتنويع الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي والثقافي. ومن خلال هذه الرؤية أثبتت المملكة فهمها للمكون الديموغرافي ورغبتها في إرساء طريقة مستدامة تعتمد التغيير في كل المجالات. فقامت بدعم حقوق المرأة والاستثمار في مشروعات كبرى، والشروع في فتح أبوابها للسياحة العالمية، وبناء صناعة ترفيهية مع تشجيع الموروث الثقافي والتراثي السعودي.
وبهذا تكون زيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة فرصة متميزة يمكن للإدارة والمؤسسات الأميركية التعرف من خلالها على جملة الإصلاحات السعودية، وبالتّالي دفع الشراكة بين البلدين في استكمال لقمة الرياض 2017 والتي رفعت من مستوى العلاقات السعودية – الأميركية.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه المملكة من مراجعة مسارها والنأي بنفسها عن التيارات المتشددة، مازال النظام الإيراني يمعن في سياساته القمعية داخليا في معاداة لكل صوت يدعو إلى الإصلاح. وفي الوقت الذي تحاول فيه المملكة حل النّزاعات في المنطقة ودعم الاستقرار في عدد من الدول العربية، تواصل إيران مساعيها لزعزعة الأمن العربي ونشر الفكر الطائفي.
مع توجّس إيران من المساس بأنظمتها الصاروخية خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، فإن أكثر ما يخشاه نظام الملالي هو المساس بالاتفاق النووي
وتوجّس إيران من الزيارة الحالية لمحمد بن سلمان يؤججه خاصة تطابق وجهات النظر السعودية – الأميركية حول دور طهران في المنطقة، بما في ذلك التدخل المباشر في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان. ولا يخفى دور طهران وعصاباتها في زعزعة استقرار عدد من الدول الخليجية مثل البحرين التي مازالت طهران تسعى لإثارة الفتنة فيها، والكويت والإمارات حيث تم مؤخرا الكشف عن عدد من الخلايا المسلحة التابعة لحزب الله، الذراع اللبنانية لإيران.
وفي سياق الأزمات الإقليمية تعي كل من الرياض وواشنطن خطورة التغاضي عن الأطماع الإيرانية. وكدليل عن الوعي الأميركي بأهمية دعم الدور السعودي في اليمن، صوّت أغلب أعضاء مجلس الشيوخ في 20 مارس الجاري ضد مشروع قانون لإنهاء المشاركة الأميركية في عملية إعادة الأمل. وكانت دانا وايت، المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية، قد أكدت في تصريح سابق أهمية دعم الولايات المتحدة لجهود تحالف دعم الشرعية في اليمن قائلة إن “مهمتنا في اليمن تنقسم إلى جزأين: الأول مواجهة الإرهاب، والثاني دعم المملكة العربية السعودية التي تعرضت لهجوم من الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويشمل الدعم مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الرياض”.
وقد تمكنت المملكة في بداية هذا العام من إثبات تورط إيران في تسليح جماعة الحوثي في اليمن بصواريخ باليستية، مما أدى إلى إصدار إدانة دولية ضد طهران ومطالبة الولايات المتحدة ودول أوروبية بعد ذلك، بفرض رقابة على أنظمة إيران الصاروخية.
ومع توجّس إيران من المساس بأنظمتها الصاروخية خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن، فإن أكثر ما يخشاه نظام الملالي هو المساس بالاتفاق النووي. وقد انطلقت التحذيرات من إلغاء الاتفاق النووي أو المساس به قبل زيارة ولي العهد السعودي، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، إن الأوروبيين الذين أيدوا الاتفاق النووي باتت لديهم مطالب بإدخال بعض التعديلات، مشيرا إلى أن طهران ترفض أي مساس بالاتفاق.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ترامب كان قد أكّد سابقا أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي مع إيران ما لم يوافق حلفاؤها الأوروبيون على تعديلات جذرية، مشيرا إلى أن التعديلات التي يقترحها الأوروبيون تبقى مجرد تغييرات تجميلية ترفضها الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي قد مدد تعليق العقوبات الأميركية على إيران “للمرة الأخيرة”، على أن تتم إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران في 12 مايو المقبل، ما لم تتم معالجة المآخذ الأميركية على الاتّفاق، كما فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة تتعلق بأنظمة إيران الصاروخية وأوضاع حقوق الإنسان فيها. وتتفق المملكة في هذا السياق مع موقف الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي الذي وصفته الرياض في 19 مارس بـ”المعيب”، حيث قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير “دعَوْنا منذ سنوات إلى تبني سياسات أشد تجاه إيران”.
ومع إيماننا بأن تطابق المواقف الصادرة عن واشنطن والرياض هو سبب رئيس لتوجّس إيران وقلقها، علينا ألا ننسى أن الأمر في حقيقته أبعد من ذلك. فتطابق المواقف معلوم سابقا ولكن التقارب والدفع بالملفّ الإيراني على أكثر من طاولة سواء في لندن أو واشنطن هما ما يؤرقان طهران فعلا، خاصة وأن نظام الملالي قد تمدّد على مساحة جغرافية وسياسية تتجاوز حجمه الحقيقي وإمكاناته. وطهران اليوم وإثر الاحتجاجات التّي شهدتها في مطلع هذا العام لم تعد تتحمل المزيد من الضغوط الدولية التي كشفت المزيد من انزلاقات نظام الملالي على المستوى الإقليمي، في مقابل فشل طهران في معالجة المشكلات الداخلية والاقتصادية.