الاتفاق النووي لا يحصن إيران من تصعيد أوروبي ضدها

لم تنجح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تكوين حشد دولي مناهض للاتفاق النووي الذي توصّلت إليه مجموعة “خمسة زائد واحد” وإيران في 14 يوليو 2015، لكنها قد تحقق ذلك في ما يتعلق بتدخلات إيران في المنطقة في ظل رفض أوروبي متصاعد لتدخلات إيران في الشرق الأوسط وسياساتها.
الخميس 2017/12/21
\"رصّ التحالفات الإقليمية\"

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 18 ديسمبر الجاري عن استراتيجية الأمن القومي للأعوام الأربعة القادمة، التي منحت أولوية لمواجهة إيران من خلال “رصّ التحالفات الإقليمية” التي يمكن من خلالها إحداث توازن معها.

وقالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، بعد ذلك بيوم واحد، إن “واشنطن تبحث في خيارات عديدة حول الخطوات التي ستتبناها ضد إيران في مجلس الأمن لانتهاكها قرار حظر إرسال أسلحة إلى اليمن”.

وتوحي هذه التحركات بأن الإدارة الأميركية في اتجاهها لاتخاذ إجراءات على الأرض لمواجهة التهديدات الإيرانية، مستثمرة في هذا الإطار بعض التطورات الجديدة التي قد تعزز من قدرتها على فرض ضغوط أقوى على إيران لوقف تدخلاتها في المنطقة.

وتوازى الاتجاه الأميركي الجديد مع تراجع مساحة الخلافات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة حول إيران، خاصة بعد أن بدأت واشنطن في التركيز على القضية الأكثر شمولا وتتعلق بالدور الإقليمي الإيراني، وهي القضية التي تتحوّل تدريجيا إلى محور توافق مشترك بين تلك القوى، بعد أن تفاقمت التداعيات السلبية التي يفرضها هذا الدور على الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط.

وأعربت ألمانيا في 19 ديسمبر الجاري عن رغبتها “في مواجهة مشكلة الدور الإيراني في المنطقة بشكل مشترك مع الأميركيين”، وقال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل إن “لدى برلين والرياض أوجه توافق في ما يتعلق بتحليل الوضع، فالسعودية قلقة للغاية بشأن إيران، ومثل السعودية فإننا قلقون جدا بشأن الدور الخارجي الذي تلعبه إيران في المنطقة”.

وبدورها أبدت فرنسا في 12 من الشهر ذاته رفضها لتوسّع إيران عسكريا حتى البحر المتوسط، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “بالنسبة إلى الوجود الإيراني والرغبة في إقامة محور من المتوسط إلى طهران.. أقول لا”، مضيفا “سوريا لا بد أن تبقى”، في اتهام ضمني لإيران بالسعي إلى تقسيم سوريا وتأسيس مراكز نفوذ لها تحافظ من خلالها على الممر الاستراتيجي الذي يربط بينها وبين حلفائها في المنطقة.

وفضلا عن ثبوت تورّط إيران في تهريب الصواريخ التي قام الحوثيون بإطلاقها على السعودية، فقد بدأت إيران أيضا بتوجيه إشارات تفيد قدرتها على تحريك الميليشيات التابعة لها لتهديد أمن ومصالح دول المنطقة والقوى الدولية الحليفة لها. وكان لافتا أن الحوثيين تعمدوا في 19 ديسمبر الحالي، إطلاق صاروخ باليستي على الرياض، وهو ما يمثل ردا من إيران والميليشيات التابعة لها على الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها ترامب.

حسين شريعتمداري: سيتم تحقيق هدف استهداف ناقلات النفط السعودية من قبل أنصارالله

وبعد أن ألمح أمين حزب الله حسن نصرالله في 20 نوفمبر الماضي، إلى أن ميليشيا الحزب قد تنتقل إلى ساحات أخرى بعد انتهاء مهمتها في العراق، قام قائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي بزيارة إلى الحدود اللبنانية- السورية، ووجه بدوره رسائل مشابهة تفيد بإمكانية قيام تلك الميليشيا بأدوار جديدة بعد انتهاء الحرب ضد داعش.

لكن الرسالة الأهم وجهها حسين شريعتمداري، مدير تحرير صحيفة “كيهان” (الدنيا) التي تعتبرها الأوساط الإيرانية بمثابة المتحدث بلسان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. واقترح شريعتمداري في 12 ديسمبر الجاري أن تقوم حركة الحوثيين باستهداف ناقلات النفط التابعة لدول التحالف العربي في خليج عدن والبحر الأحمر ردا على العمليات التي يقوم بها التحالف من أجل استعادة الشرعية الدستورية في اليمن.

وأضاف شريعتمداري “وفق معرفتي بالحوثيين سيتم في المستقبل القريب تحقيق هدف استهداف ناقلات النفط السعودية من قبل أنصارالله”. ورغم أن تصريحات شريعتمداري لا تحمل طابعا رسميا، فإن إيران دائما ما تلجأ إليها باعتبار أن صحيفة “كيهان” تقوم بشكل مستمر بأداء دور ناقل الرسائل، بشكل لا يورّط إيران في المزيد من التصريحات التي تتضمن صيغا تهديدية، خاصة وأنها تتعمّد نفي الاتهامات التي توجه لها بدعم الحوثيين والميليشيات الإرهابية الأخرى، على نحو ما فعلت بعد التصريحات الأخيرة التي أدلت بها نيكي هيلي، حيث طالبت، على لسان وزير الدفاع أحمد حاتمي، بالحصول على عيّنات من الصواريخ بهدف “التحقق من صحة الادعاءات الأميركية”.

كان لافتا الإشارات التي صدرت عن واشنطن، بالتوازي مع إعلان استراتيجية الأمن القومي، والتي تفيد بأنها تعمل على تقويض الممر الاستراتيجي الذي تسعى إيران لتأسيسه بداية من أراضيها مرورا بالعراق وانتهاء بسوريا ولبنان.

زيغمار غابرييل: نحن، على غرار السعودية، قلقون جدا بشأن الدور الخارجي الذي تلعبه إيران

وقد تتحرك واشنطن على مسارين: المستوى الأول، هو الحملة الدبلوماسية لحشد أكبر عدد من القوى الإقليمية والدولية المناوئة لطموحات إيران النووية والإقليمية، وفرض المزيد من الضغوط على روسيا وإحراجها أمام المجتمع الدولي بعد تقديم الأدلة التي تثبت انتهاك إيران للقرارات الدولية، لا سيما القرارين 2216 و2231.

لكن المهمة لن تكون سهلة في كل الأحوال، باعتبار أن روسيا لم تبد مؤشرات تفيد بإمكانية اتجاهها إلى مسايرة هذا التصعيد الدولي المحتمل ضد إيران خلال المرحلة القادمة.

وبدأت موسكو فعلا في تأكيد جدّيتها في التحرك من أجل عرقلة أي مساع تهدف إلى اتخاذ إجراءات عقابية جديدة ضد إيران من داخل مجلس الأمن، خاصة بعد تصريحات هيلي.

والمستوى الثاني، مواجهة عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الميليشيات. وهنا، فإن البحرية الأميركية، إلى جانب بعض القوات البحرية الأجنبية، يمكن أن تكثّف من عمليات المراقبة بهدف منع انتقال تلك الأسلحة، على نحو ما حدث في أبريل 2016، عندما قامت البحرية الأميركية بمصادرة شحنة أسلحة إيرانية في بحر العرب كانت متجهة إلى الحوثيين.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن تفاقم استفزازات إيران في المنطقة ومواقف الدول الأوروبية الرافضة لها وضعا إدارة ترامب أمام اختبار حقيقي لقدرتها على ترجمة استراتيجيتها إلى خطوات إجرائية على الأرض، وهو ما سوف تكشف عنه التطورات التي ستشهدها الأزمات الإقليمية المختلفة خلال الفترة القادمة.

7