من خطاب 2012 إلى 2018.. نتنياهو يضع شروطا تصب في صالح إيران

تحاول إسرائيل عبر "الأدلة النووية الجديدة" دعوة القوى الدولية إلى العمل على تحجيم نفوذ إيران، لأنها تعي جيدا أنها لا تستطيع بسهولة الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران.
الأربعاء 2018/05/02
إسرائيل تشهر أسلحتها العسكرية الاستخباراتية والدبلوماسية في وجه إيران

ينطلق في الثامن من شهر مايو الجاري مؤتمر هرتسيليا للأمن القومي الإسرائيلي. يوصف هذا المؤتمر بالعقل الجماعي الإسرائيلي. ويتم خلاله قياس ميزان المناعة القومية الإسرائيلية وتأثير التغييرات الإقليمية والعالمية على أمن إسرائيل. ومنذ سنوات يتصدر تهديد إيران مناقشات المؤتمر وتأتي الدعوة إلى ضرورة مواجهته في صدارة مخرجاته.

ولا يختلف الوضع مع مؤتمر 2018، الذي يحمل عنوان “إسرائيل في مرحلة حرجة”. تتصدر إيران الاهتمام بأكثر من موضوع يحلل فرضية: هل إسرائيل وإيران على شفا المواجهة؟ وهو سؤال بدأت الإجابة عنه تظهر في خضم التطورات الأخيرة حيث دخل الصراع بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة، جمعت بين الأبعاد العسكرية الاستخباراتية والدبلوماسية.

 

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وثائق سرية تمكن الموساد من أخذها من الأرشيف النووي الإيراني تثبت أن إيران لم تتخل عن برنامجها النووي بعد توقيع الاتفاق مع مجموعة خمسة زائد واحد، وقبل هذا الإعلان بساعات قتل 26 مسلحا مواليا للنظام السوري غالبيتهم من المقاتلين الإيرانيين، جراء ضربات صاروخية استهدفت قواعد عسكرية تابعة لقوات النظام في وسط وشمال البلاد، رجح أن تكون إسرائيل مسؤولة عن إطلاقها، في هجوم ليس الأول من نوعه.

الموساد في إسرائيل

في شهر يناير الماضي، تسلل عملاء من الموساد إلى أحد المخازن في طهران حيث كانت إيران تخفي ملفات سرية للغاية تتعلق ببرنامجها الخاص بالأسلحة النووية. وتمت سرقة عشرات الآلاف من الملفات، وتهريبها إلى إسرائيل في نفس الليلة.

لكن لم يتم الإعلان عن تفاصيل العملية إلا يوم الاثنين الماضي (30 أبريل 2018)، فيما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق في سماء سوريا، والمداولات على أشدها بين الإدارة الأميركية والقوى الأوروبية بشأن مستقبل الاتفاق النووي الذي سيتحدد يوم 12 مايو.

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن العملية في خطاب بث على الهواء، قال فيه إنه يقدم دليلا على خطة أسلحة نووية إيرانية يمكن تفعيلها في أي وقت، في مشهد ذكّر المتابعين بصورته وهو يلقي خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ67، في 2012، وبيده رسمة يوضح من خلالها ضرورة وضع خط أحمر واضح على برنامج إيران النووي.

منذ ذلك التاريخ تغيرت الكثير من المعطيات، والخط الأحمر الذي وضع على برنامج إيران النووي، من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة فتح لها مجال التمدد في منطقة الشرق الأوسط وأصبح تدخلها العسكري في دول المنطقة أشد خطورة من برنامجها النووي وصواريخها التي يمكن أن يتم ردعها من خلال العقوبات، على عكس ميليشياتها المسلحة في الخارج.

وصف نتنياهو عملية الحصول على الملفات بأنها أحد “أعظم الإنجازات” التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية. وقال تامير هايمان، رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، إن إسرائيل تمر بإحدى اللحظات الحرجة في تاريخها وهي تقوم بحملة دبلوماسية مكثفة في إطار ما وصفه مخططو السياسة العسكريون في إسرائيل بـ”الحرب بين الحروب لتقويض قوة أعدائها”.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، التي كشفت عن تفاصيل العملية، عن مسؤول إسرائيلي كبير، قالت إنه طلب عدم الكشف عن هويته، أن الموساد اكتشف المخزن الذي كان يحوي الملفات في فبراير 2016 ووضع المبنى تحت المراقبة. وقال المسؤول إن دونالد ترامب كان على علم بهذه العملية التي أبلغه بها رئيس الموساد، يوسي كوهين، خلال زيارة لواشنطن في يناير الماضي. وأضاف أن وجود الملفات النووية السرية تم الإعلان عنه الآن فقط بسبب الوقت الذي استغرقه تحليل محتوى هذه الوثائق، التي كانت مكتوبة باللغة الفارسية.

ويتضح إطلاع الإدارة الأميركية على الوثائق من خلال التأييد الذي أبداه كل من الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الجديد مايك بومبيو للأدلة التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبينما كان نتنياهو يحث ترامب والقوى الأوروبية على الانسحاب من الاتفاق النووي، كانت إسرائيل تطير بحرية في سماء سوريا لضرب مواقع تقول إنها تابعة لإيران.

وندد ترامب مجددا الاثنين بالاتفاق الذي وصفه بـ”الفظيع”. وقال ترامب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره النيجيري محمد بخاري في حديقة البيت الأبيض إن “هذا الاتفاق تنتهي صلاحيته في غضون سبعة أعوام وعندها سيكون بإمكان إيران أن تطوّر أسلحة نووية”. وأضاف “هذا غير مقبول؛ سبعة أعوام بمثابة الغد”. وشدد الرئيس الأميركي على أن “هذا اتفاق لم يوافق عليه كثيرون وهو اتفاق فظيع بالنسبة للولايات المتحدة”. وقال إن “ما فعلته إسرائيل هو عين الصواب”.

مواجهة غير مباشرة

لم يأت رئيس الوزراء الإسرائيلي بالجديد عند عرضه ما أسماه بالأدلة القاطعة التي تشير إلى أن إيران لديها خطة سرية لامتلاك القنبلة النووية، فمعظم القوى الإقليمية والدولية المعنية بهذا الملف تعلم أنه لم يكن في نية إيران يوما الالتزام بأي قواعد يفرضها الانخراط في المنظومة الدولية، كدولة “حليفة”.

مسؤولون أميركيون: إسرائيل تستعد لعمل عسكري محتمل ضد إيران

قال ثلاثة مسؤولين أميركيين، الثلاثاء، إن إسرائيل تستعد لتنفيذ عمل عسكري محتمل ضد إيران، بحسب ما نقلته عنهم شبكة “أن.بي.سي نيوز” التلفزيونية الأميركية. وأضاف المسؤولون (لم تكشف الشبكة عن هوياتهم) أن إسرائيل تطلب دعم ومساعدة الولايات المتحدة في هذا العمل المحتمل. وتابعوا أن “قصف إسرائيل لمدينة حماة غربي سوريا، الأحد، يعدّ أحد المؤشرات على تحركها نحو القيام بعمل عسكري محتمل”. وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إن “القوات الإيرانية،أو القوات التي تعمل بالوكالة لصالحها، حاولت الاقتراب من الحدود الإسرائيلية كثيرا”. وتتواتر أنباء عن تحرك إسرائيلي محتمل ضد إيران منذ أن أقرّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، قانونا يمنح نتنياهو سلطة إعلان الحرب، بعد الحصول على موافقة وزير الدفاع، غير أن نتنياهو قال، في مقابلة مع شبكة “سي.أن.أن” ، في وقت سابق، إن إسرائيل لا تسعى إلى خوض حرب ضدّ إيران.

كما تعلم أن إيران لم تكن بعيدة في أي فترة ما عن التفكير في تفعيل جانب عسكري لبرنامجها النووي، وبرنامج الصواريخ، كما الميليشيات المسلحة في المنطقة، جزء من العقل الاستراتيجي الإيراني ولا يمكن التخلي عنه.

لكن تكتسب تصريحات نتنياهو زخما خاصا لاعتبارات عديدة، أهمها أنها تسبق انتهاء المهلة التي حددتها إدارة ترامب من أجل اتخاذ قرار حاسم بشأن الاتفاق النووي بنحو 12 يوما.

ويعني ذلك أن إسرائيل تحاول دفع واشنطن إلى وقف تعليق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ثم الانسحاب من الاتفاق، أو تبرير القرار الأخير في حالة ما إذا اتخذ فعلا في 12 مايو القادم، عبر ترويج أن الاتفاق النووي لم يمنع إيران من التفكير في الاحتفاظ بمكونات برنامج نووي عسكري بعيدا عن أعين المفتشين الدوليين والقوى المعنية.

تحاول إسرائيل عبر “الأدلة النووية الجديدة” دعوة القوى الدولية إلى العمل على تحجيم نفوذ إيران، لأنها تعي جيدا أنها لا تستطيع بسهولة الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران.

وتتوازى الخطوة الإسرائيلية الأخيرة مع استمرار الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية من أجل الحفاظ على استمرار العمل بالاتفاق النووي، ومحاولة إقناع الإدارة الأميركية بعدم اتخاذ قرار يؤثر على ذلك. وهنا، فإن رسالة إسرائيل الأهم كانت موجهة إلى أوروبا تحديدا، باعتبار أن الأخيرة ما زالت مترددة في السير على نهج الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالاتفاق النووي.

نتائج محدودة

كتب المحلل في صحيفة جيروزاليم بوست عموس هاريل مشيرا إلى أن إسرائيل توجه ضربة مزدوجة ضد إيران:  ضربة عسكرية في الصباح، وعقد مؤتمر صحافي ليلا للكشف عن تفاصيل تكاد تكون معروفة عن الاتفاق النووي. وتساءل هاريل: على افتراض أن إيران ستخشى إصدار أي رد فعل، ماذا إذا أخطأت إسرائيل حساباتها؟

لا يتوقع أن تحقق المساعي التي تبذلها إسرائيل نتائج إيجابية في النهاية. وتكمن المفارقة في أن الأدلة التي ساقها نتنياهو قد تفرض مفاعيل عكسية؛ إذ أنها ربما تضفي وجاهة أكبر على الاتفاق النووي بدلا من أن تقلّل من أهميته.

ويعود ذلك إلى أن تلك الأدلة لم تثبت أن إيران ارتكبت انتهاكات لهذا الاتفاق، باعتبار أنها لم تؤكد أنها واصلت الأنشطة الخاصة بتلك الخطط التي تحدث عنها نتنياهو بعد التوصّل إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.

ورغم أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي زار إسرائيل واطّلع على تلك الوثائق، قال إنها جديدة فإن تصريحاته أشارت في الوقت نفسه إلى أن بعض الأسانيد التي اعتمدت عليها إسرائيل لتأكيد مزاعمها، انتهى مفعولها أو على الأقل تم تجميده، على غرار مشروع “آماد” الذي أكد بومبيو أنه انتهى في فترة ما بين 2003 و2004.

كما أن تلك الأدلة لن تؤثر، في الغالب، على مواقف القوى المعنية بالاتفاق. فالإدارة الأميركية ربما حسمت أمرها إزاء ما ستقدم عليه في 12 مايو ولن تنتظر التداعيات التي سوف تفرضها تلك الأدلة، في حين أن الدول الأوروبية ما زالت مصرة، رغم كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية، على اعتبار أنه لا يوجد خيار أفضل من الاتفاق النووي الحالي، خاصة أن إيران أثبتت، في رؤيتها واستنادا أيضا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنها ملتزمة ببنوده إلى حد كبير.

وقد ترى تلك الدول أن الأدلة التي تتحدث عنها تل أبيب تصب في الإطار نفسه، باعتبار أنها تركز على أنشطة سبقت التوصّل إلى الاتفاق النووي. بل إن البعض قد يرى أن تلك الأدلة تثبت مدى أهمية هذا الاتفاق.

ووفقا لذلك، إذا كانت إيران أجرت بالفعل أنشطة خاصة ببرنامج نووي عسكري، فإن هذا معناه أن “برجام”، وهو المسمى الإيراني للاتفاق، قد نجح في وقفها، وعزز إمكانية كشفها في حالة ما إذا واصلتها بعد ذلك، في ظل عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة طبقا للاتفاق.

لذا، فإن أقصى ما ستفرضه تلك الأدلة من نتائج يتمثل في تعزيز الإجراءات التي ستتخذها الإدارة الأميركية في غضون عشرة أيام من الآن، وتأجيج الصراع غير المباشر بين طهران وإسرائيل حول الملفين النووي والسوري، خاصة أن الأخير قد يدخل مرحلة جديدة خلال الفترة القادمة، في ظل الضربات التي تواصل إسرائيل توجيهها إلى أهداف تابعة لطهران وحزب الله داخل سوريا.

7