التنمية.. سلاح مصر الجديد لمحاربة الإرهاب

القاهرة - فجعت مصر والعالم العربي، الجمعة، بحادث إرهابي مروع، حيث اختارت التنظيمات المتطرفة هذه المرة أن تطرق باب المساجد. وأثبتت الحادثة الإرهابية بمسجد الروضة قدرة الإرهابيين على النفاذ بشكل أكبر إلى سيناء وتهديداتهم المستمرة، رغم جهود الأمن المصري المتواصلة لتطويقه.
واستهدف إرهابيون مصلين، الجمعة الماضي، داخل مسجد الروضة في مركز بئر العبد، غربي العريش بمحافظة شمال سيناء، ما أسفر عن وقوع 305 قتلى و128 جريحا.
ونبهت الحادثة إلى أن معالجة التطرف تبدأ أساسا بمعالجة دوافعه الاجتماعية والمتمثلة في تحقيق التنمية والمرافق الطبيعية للحياة، فبغيابها يكون استقطاب أبناء سيناء سهلا، ولتحقيق نجاعة عسكرية لدحر التطرف مستقبلا، على الحكومة المصرية التيقن للإشكال الاجتماعي ورصد الحلول الواقعية لمعالجته.
|
وأقام الجيش المصري إستراتيجية لمواجهة الإرهاب في سيناء خلال العامين الماضيين على مبدأ تكثيف التعاون الأمني مع كبار القبائل والشيوخ هناك، ما جعله يتوفق عسكريا في مواجهة التنظيمات المتطرفة.
وتوظف التنظيمات المتطرفة ندرة المعلومات الاستخباراتية عن أماكن تواجدها، والاعتماد على الاختباء وسط الأهالي، لتزيد من صعوبة مهمة الوصول إليها، وهو ما تنبهت إليه الحكومة المصرية التي بدأت جديا التركيز على مشروعات التنمية هناك، لإغلاق باب الاستقطاب الجهادي وفتح باب الحياة للشباب المصري.
وحاول الجيش المصري تحقيق معادلة صعبة عبر تخفيف حدة الاحتقان بين الحكومة التي يتهمها العديد من أبناء سيناء أنها سبب ما آلت إليه الأمور الآن، جراء إهمالها عملية التنمية وتضييقها أمنيا على بعض العناصر المشتبه بهم من أبناء القبائل.
ويشكل شروع القيادة العسكرية الموحدة، التي تولت مسألة مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء لبناء جسور الثقة مع تلك القبائل، نقطة محورية للحصول على معلومات أمنية مرتبطة بتحركات العناصر المتطرفة، لكن يحدث ذلك على نطاق واسع ما لم يتأكد الأهالي أن هناك تنمية حقيقية في سيناء تحمي الشباب العاطل من استدراجه نحو التطرف.
وبحسب خبراء عسكريين فإن الجيش المصري نجح في تحقيق تقدم نسبي مؤخرا، غير أن عدم شعور العديد من أهالي سيناء بعوائد المشروعات التنموية واستمرار نقص الموارد الحياتية، كالماء والكهرباء والغذاء، وعدم اهتمام السلطة التشريعية بمعالجة إشكالات تمثل عائقا أمام توفير حياة طبيعية للمواطنين، قد يؤدي إلى المزيد من فقدان الثقة، ما سينعكس سلبا على العلاقة بين الجيش والأهالي.
خطط تنموية
أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ بداية العام 2015 عن تخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه ( 550 مليون دولار تقريبا)، من أجل التنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء.
كما تلقت مصر تمويلا سعوديا بمبلغ 1.5 مليار دولار لتمويل مشروعات تنموية في المنطقة ذاتها، من بينها إنشاء طريق محور التنمية في شمالها وأربع وصلات فرعية، وإنشاء عدد من التجمعات الزراعية و26 تجمعا سكنيا يشمل منازل ووحدات صحية ومدارس.
لكن لا أحد يعلم هل اتجهت هذه الأموال إلى سيناء فعلا أم تم ضخها في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.
وتبع ذلك الإعلان رسميا عن تدشين العديد من المشروعات التنموية بسيناء على رأسها تأسيس مصنع للأسمنت تشرف عليه القوات المسلحة للمساعدة في عملية التنمية، كما تم افتتاح جامعة العريش بداية العام الدراسي الحالي.
|
ووقع تجهيز منطقة وسط سيناء لتصبح إحدى المدن الصناعية هناك، فضلا عن إنشاء 10 مصانع رخام بمناطق متفرقة هناك.
وشرعت الهيئة الهندسية التابعة للجيش المصري بالبدء في أعمال البنية الأساسية للمناطق الصناعية الجديدة والتي تعد منطقة بئر العبد، التي شهدت الحادث الإرهابي الأخير، جزءا منها، كما أن تلك المدينة شهدت استصلاحا للأراضي الزراعية.
وحسب تقرير للهيئة العامة للاستعلامات (تابعة للرئاسة المصرية)، فإن الأجهزة الأمنية بمصر تمكنت من تخفيض معدلات العمليات الإرهابية خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 21 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2015.
وأوضحت الهيئة في تقرير لها صدر في أغسطس الماضي قبل وقوع عمليتي اغتيال 16 ضابطا من قوات الشرطة بالصحراء الغربية في أكتوبر الماضي وحادث تفجير مسجد الروضة الأخير، أنه “خلال النصف الأول من عام 2017 جرى تنفيذ قرابة 25 عملية إرهابية على مستوى البلاد، منها 6 عمليات في سيناء، مقارنة بـ532 عملية إرهابية، منها 120 عملية في سيناء خلال النصف الأول من عام 2015”.
وقال الدكتور محمد مجاهد الزيات عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إن “ما حققته خطط التنمية خلال العامين الماضيين يعد أضعاف ما تحقق في السنوات الماضية”، لافتا إلى أن “هناك تطورا ملحوظا من خلال إقبال المئات من شباب سيناء للعمل بمصانع الأسمنت والرخام التي شيدتها القوات المسلحة”.
وأشار في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “استمرار تواجد العناصر الإرهابية في مناطق تتجاوز مساحتها 24 كيلو مترا تشمل مناطق رفح والشيخ زويد، تسبب في إحجام المستثمرين عن تطوير تلك المناطق بالإضافة إلى بعض المناطق المتاخمة لها”.
ولفت إلى أن “الحكومة المصرية لم تلتفت حتى الآن إلى توطين بدو سيناء الرحل، ولم تقدم إلى الآن مشروعات تتناسب وطبيعتهم، التي تركزت في ما قبل بصورة أساسية على العمل في تجارة تخزين السلاح الذي يتم تهريبه من ليبيا والسودان إلى حركة حماس في غزة”.
وبحسب العديد من أبناء سيناء، فإن العمل بتجارة السلاح وتخزينه تراجع بشكل ملحوظ منذ أن تم إغلاق الأنفاق وزيادة التعاون الأمني بين مصر وحماس على الحدود مع قطاع غزة، وهو ما يحتم على الحكومة استغلال الطاقات الشابة قبل أن يتم استقطابها من قبل التنظيمات الإرهابية”.
وأوضح الزيات أن “ارتفاع مؤشر التنمية لدى قبائل سيناء يسهم في إحداث انفراجة أمنية واجتماعية، من خلال إبرام تعاون جاد بين قوات الجيش وشيوخ تلك القبائل، وهو ما يترتب عليه دعم التعاون الاستخباراتي بين الجانين تحديدا”.
وأشار الزيات إلى أن “تعامل الإرهابيين مع قبائل سيناء تركز في غالبيته على انضمام بعض شباب القبائل لتلك التنظيمات وإخفاء ذلك، أمام تكثيف العمليات الأمنية المصرية”.
وذكرت مصادر أمنية لـ”العرب” أن “قيادات كبيرة في الجيش قامت بعقد اجتماعات مكثفة مع ممثلي قبائل سيناء لتنسيق جهود وآليات العمل لمواجهة الجماعات المسلحة”، وأشارت إلى أن “تلك الاجتماعات لم تتجاوب مع مطالب أبناء بعض القبائل بحمل السلاح ومواجهة التنظيمات الإرهابية، وركزت بشكل أساسي على الجانب الاستخباراتي والأمني فقط”.
ويقول خبراء إن التعاون بين الجيش والقبائل لن يتجاوز الخطوط الحمراء، ولن يصل مرحلة المواجهات المسلحة مع العناصر الإرهابية، وإنما سيقتصر على التعاون المعلوماتي والأمني فحسب.
واستبعد الشيخ خالد عرفات، أحد عواقل العريش بشمال سيناء خلال تصريحات صحافية “انخراط قبائل سيناء في مواجهات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية هناك”، لافتا إلى أن “التنسيق مع الجيش المصري لن يتجاوز مرحلة المساعدة دون اللجوء إلى التسليح“.
وقال عرفات إن “مصر ليست سوريا أو ليبيا، لدينا جيش وطني نقف وراءه وندعمه بكل السبل، لمنع تصاعد العنف في سيناء الذي لن يتصاعد“.
وقال اتحاد قبائل سيناء (غير حكومي) في بيان له، السبت، “لا عزاء إلا بعد الثأر من التكفيريين”، ودعا الاتحاد كل رجال وشباب قبائل سيناء للانضمام لإخوانهم في منطقة البرث (قرية جنوبي رفح المصرية)، لتنسيق عملية كبرى مع الجيش، من أجل استئصال جذري للإرهاب.
وينتمي بدو سيناء إلى قبائل عربية سكنت شبه جزيرة سيناء منذ القدم، وتبلغ نسبتهم نحو 90 بالمئة من إجمالي تعداد سكان سيناء بمحافظتيها الشمالية والجنوبية، البالغ نحو نصف مليون نسمة، وفق أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).
ومن أبرز قبائل سيناء، الأخارسة، والبياضية، والسواركة، والمساعيد، والسماعنة، والعبايدة، والرميلات، والدواغرة، والترابين.
وأوضحت سلوى الهرش المتحدثة باسم القبائل العربية في سيناء أن “الهجوم الذي وقع في سيناء مؤخرا لم يغير من إستراتيجية مواجهة الجيش المصري وقبائل سيناء للتنظيمات الإرهابية”.
وأشارت الهرش إلى أن “الدخول في مواجهات مباشرة بين القبائل وتنظيم داعش لن يكون مرحبا به من قبل الجيش المصري، على الرغم من الرغبة القوية لدى البعض للانخراط به”.
وأضافت في تصريحات لـ”العرب” أن “التعاون القائم بين القبائل وقوات الجيش المصري لا يحجب حالة عدم رضا لدى أهالي سيناء لغياب تحركات سريعة حازمة باتجاه التسريع من عجلة التنمية”.
ولفتت إلى أن “هناك البعض من المناطق مهددة بتحولها إلى بؤر إرهابية جديدة، في ظل عدم اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة لجذب المواطنين إليها”.
وعلى مدار سنوات طويلة عانت سيناء من عزلة جغرافية بسبب غياب التواصل الاجتماعي، وأدت إلى عدم قدرتها على مشاركة فاعلة سياسيا، أما اجتماعيا فعانت من حالة إهمال والشعور بعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية، وقادت كل هذه العوامل إلى تصاعد التطرف بها.
|
ويؤكد خبراء تنمية أن توفير عوائد للتنمية في شمال سيناء سيستغرق سنوات طويلة، في ظل وجود معضلة تتعلق بمرافقة عملية التنمية للعملية الأمنية، دون أن يكون هناك تطهير حقيقي للتنظيمات الإرهابية.
ويضيف هؤلاء أن هناك مشروعات من الممكن أن تتم بالتوازي مع العمليات العسكرية في المناطق التي لا يتواجد فيها التنظيم.
كما أن إنجاز العديد من المشروعات التنموية من دون إعمار المناطق التي وصل إليها السكان يمثل تحديا كبيرا أمام الحكومة، لذلك يطالب العديد من أبناء سيناء بضرورة توطين السكان في تلك المناطق، لتكون بيئة خانقة تحبط تحركات العناصر المتطرفة، وبما يحفز انتقال عملية التنمية من منطقة إلى أخرى.
تحول نوعي
يعد الهجوم الإرهابي على مسجد سيناء الجمعة الأكبر في تاريخ مصر، سبقته تفجيرات طالت كنائس ومنشآت مدنية، ويراه محللون امتدادا لتحوّل استراتيجي للعنف، حيث يستهدف “الحلقات الأضعف في المجتمع” بهدف إحراج النظام المصري بعد عجز تلك التنظيمات عن مواجهة القوات الأمنية والعسكرية، وتراجع عملياتها ضدها.
والحلقات الأضعف والأسهل وفق هؤلاء تندرج في إطارها القوى الصوفية الذين كانوا أحد أبرز رواد مسجد الروضة المستهدف، فضلا عن المسيحيين وكنائسهم، والمنشآت الحيوية المدنية، بهدف إشعال معارك جديدة تظهر التنظيمات؛ لا سيما داعش بشكل قوي منتصر.
واستهدف داعش في ديسمبر 2016، وأبريل ومايو 2017 الكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة، وكنيستين شمالي البلاد، وحافلة بمحافظة المنيا وسط مصر، تضم مسيحيين وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل وإصابة المئات.
وفي سيناء استهدف تنظيم الدولة مسيحيي العريش على مدار نحو عام، ما أدى إلى مقتل 7 منهم ونزوح عشرات آخرين لمحافظات مجاورة، وفي نوفمبر 2016، قتل سليمان أبوحراز، أحد أكبر مشايخ الطريقة الصوفية بمحافظة سيناء، كما استهدف مؤخرا أيضا منشآت مدنية مثل مصنع الإسمنت بسيناء وسائقيه، وقتل منهم 8 مؤخرا.
وكذلك استهدف مسعفين وسيارات إسعاف حكومية في حوادث عديدة بسيناء، أحدثها مقتل مسعفين اثنين في هجوم مسجد الروضة، أحد مقار الصوفيين الذي ذكرت وسائل إعلام محلية، أنه هدد من جانب التنظيم بالاستهداف قبل عام.
وترتكز أغلب الهجمات في سيناء مؤخرا في العريش بعد تراجعها في الشيخ زويد، ورفح بشكل لافت مع عمليات عسكرية متوالية هناك، فيما تظهر عمليات إرهابية بين حين وآخر في العاصمة القاهرة، والجيزة ومحافظات قليلة أخرى، وكذلك غربي البلاد على الحدود المتاخمة لليبيا، وكان آخرها حادث الواحات الذي راح ضحيته 16 شرطيا الشهر الماضي.